&&

&الهجمات الاخيرة في فرنسا والمانيا وأخرها عمليةاحتجاز للرهائن في كنيسة ببلدة "سان- إيتيان دي روفراي"، وذبح الكاهن شمال فرنسا تؤرخ لبداية واسلوب جديد للإرهاب لايقتصر على ماسمي بـ "الذئاب المنفردة " فحسب ، بل بنوعية الأشخاص وطريقة تنفيذهم للهجمات واختيارهم للاهداف وطبيعة علاقتهم بتنظيم داعش والجماعات الإرهابية الاخرى .
فجميع من نفذوا الاعتداءات تقريبا لم يتلقوا أي تدريبات سواء داخل اوروبا أو خارجها، وكانوا حذرين حتى في إستخدامهم للكمبيوتر ومواقع التواصل الإجتماعي، كما انهم ليسوا من المقاتلين العائدين من سوريا والعراق وعلاقتهم بداعش تقتصر غالباً على الاعجاب و تبني أفكارها ونهجها من دون التواصل معها أو مع مايسمى بخلاياها النائمة في اوروبا ، وهذا ما أوقع المحققين وخبراء الامن الأوروبيين ونظراءهم الاميريكيين الذين قدموا للمساعدة، في حيرة وإرباك شديدين وأدخلهم نفق التكهنات والتحليلات ما اعطى انطباعا لدى الشارع الاوروبي انهم لايعرفون شيئا ولا يمتلكون خطة لمواجهة تلك التحديات.
ولعلَ الإرباك لدى السلطات الأمنية في فرنسا والغرب عموما جاء &من صعوبة إجهاض مثل هكذا هجمات إرهابية أو السيطرة عليها &كالتي حدثت في مدينة نيس ، لصعوبة اكتشاف الإرهابي فهو لايحمل سلاحا ولا متفجرات حتى تتحسسها الأجهزة الإلكترونية او يمكن العثور عليها من خلال التفتيش اليدوي للأشخاص ، كما ان المنفذين ليس لهم اي ماضي في التطرف أو التشدد الديني ولا حتى عُرف عنهم الإهتمام بالفرائض اليومية ، وهو ما اربك الحكومات الغربية وأقلقها فهي أمام جيل جديد من الإرهابيين يستخدمون وسائل غير تقليدية في القتل ولايستخدمون التكنولوجيا الحديثة في التواصل وتلقي الأوامر والتخطيط لعملياتهم وهذا ما يجعل عملية فرزهم عن باقي الجالية المسلمة في الغرب أمرا شبه مستحيل تقريبا .
إعتداء نيس وبعده الهجمات في المانيا تكشف الاسلوب الإرهابي الجديد لداعش ، هذا الاسلوب يعتمد على المتعاطفين معها والمتأثرين بفكرها وليس انصارها او من له صلة بها حتى ولو من بعيد ، وعلى الأرجح ان داعش لن تستخدم انصارها كثيرا في المستقبل فهي تحاول الحفاظ عليهم حتى لاتفرط في قواعدها في الغرب ، وربما تجعل عملهم يقتصر على نشر فكرها المتطرف وجمع التبرعات وتجنيد شباب ومراهقين لايثيرون الانتباه ودفعهم لتنفيذ هجمات سواء كانت كبيرة مثل اعتداء نيس أو صغيرة مثل هجوم القطار في المانيا ، فداعش لايهمها سوى الدعاية الإعلامية والظهور بانها قادرة على إختراق المجتمعات الغربية ومنظومتهم الأمنية لانها تعتقد ان هذا سيجذب لها الكثير من الانصار. كما انها تسعى إلى إثارة الرعب والهلع في الغرب وتجعل ناسهم يفقدون الشعور بالامان والاستقرار ويعيشون على هاجس الموت والقتل والتفجيرات في اي وقت وفي اي مكان.
&الحكومات الغربية ومعها خبراء الأمن لم يخفوا عجزهم وطالبوا شعوبهم ان تتعايش مع خطورة الإرهاب لسنوات قادمة ، حتى بات غالبية الاوروبيين يخشون من أي شخص ينحدر من أصول شرق أوسطية أو بملامح عربية ، فالمواطن الغربي بات يعيش تحت هاجس &الهجمات الإرهابية في الاماكن العامة وربما حتى في بيته فهو لايستبعد ان يدخل عليه شخصا حاملا سكين مطبخ أو فأسا أو مطرقة ويقوم بقتله مع عائلته بدم بارد .&
واختيار داعش لفرنسا وتركيزه عليها ليس مصادفة ، فهي تعرف ان فرنسا تضم أكثر من نصف الجالية العربية والمسلمة التي تعيش في اوروبا إذ تشير الاحصائيات غير الرسمية الى وجود من 8-9 مليون مسلم من مجموع نحو 15 مليون مسلم في عموم القارة الاوروبية &، لذلك فإنها تسعى لإشعال حرب أهلية في هذا البلد من خلال تكرار العمليات الإرهابية وتعدد اساليبها وبشاعتها، أملا بأن يقوم اليمين المتطرف بمهاجمة الجالية المسلمة ما يشعل المواجهات بينهم ، وهذا يمكنها( حسب إعتقادها) من الحصول على حواضن ومجندين أكثر.&
في الحقيقة ان الحكومة الفرنسية تتوقع مثل هذا السيناريو ومتخوفة منه منذ الهجوم على اسبوعية شارلي إيبدو في يناير من عام 2015 ، لكن من يظن ان فرنسا والغرب عموما سيتعامل مع سلسة الإعتداءات الاخيرة كما تعامل مع سابقاتها فهو واهم لأن الغرب بات يدرك ان أمنه واستقراره مرتبط ارتباطا كبيرا بتجفيف منابع الارهاب في الشرق الاوسط ، وهذا ما قاله بوضوح وزير الخارجية البريطاني الجديد بوريس جونسون بعد هجوم ميونخ . وتجفيف منابع الإرهاب لايقتصر على محاربة داعش في العراق وسوريا وتحرير المدن التي تحتلها بل الأمر يتعدى ذلك، إلى مغذيات التطرف الفكرية والمادية وحواضنه الاجتماعية وهذا لن يتم بدون تصحيح المناهج الدراسية وإعادة النظر في المناهج والخطب التي تعتمدها المؤسسات الدينية في المنطقة لاسيما وان داعش وقبلها القاعدة وبعدهما الكثير من الحركات المتطرفة تخرجت من مؤسسات ومدارس دينية &تدعي الوسطية والاعتدال وتتسابق لإصدار بيانات الشجب والاستنكار لأي عملية إرهابية فيما هي تدرس المناهج ذاتها التي تعتمدها داعش والحركات المتطرفة الأخرى في اجرامها .
ولابد من ان نفهم ان العالم قبل اعتداء نيس غيره بعده ، والغرب كما قال الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي "لن يصمت على قتل ابناءه " ، وهو (الغرب) بات يعتقد ان ليس هناك اي إجراء يحميه من تنامي الإرهاب وانتشار التطرف سوى إعادة قراءة التراث العربي الاسلامي وجعله يتصالح مع قيم العصر وقوانينه وموازينه الاخلاقية ، وما لم نسبقهم نحن ونبادر الى إصلاح تراثنا ونكف عن التبريرات غير المنطقية والهروب من مواجهة الحقيقة بالربط بين التطرف وعوامل أخرى مثل الفقر والتهميش وليس التراث وبعض التفاسير للنصوص الدينية فأننا قد نكتب نهايتنا بإيدينا كدول ومجتمعات قائمة حتى الآن .
&التبريرات وربط الإرهاب والتطرف بالفقر لن تمنع عنّا العاصفة المقبلة والحديث عن وجود تهميش في اوروبا او الغرب مثير للسخرية فعلا ، اما الفقراء ومحدودي الدخل فهم من خلفيات دينية وعرقية مختلفة لكن التطرف والقتل يتم باسم الأسلام والمسلمين وهذا الحقيقة علينا الاعتراف بها ومواجهتها لا انكارها ، فالاعتراف بالمشكلة هو بداية الحل .&
&