&

لايوجد وصف كامل وصحيح لتأزم الوفاق العراقي العربي الكردي!

الإدمان السياسي على روح الفردية الدكتاتورية وإخضاع المجتمع له، هو مستنقع يصعب الخروج منه ولاضمانات فيه، وتعليم الفدرالية الديمقراطية " كبديل " في مجتمع تعوّدَ على وفاق عشائري يحول دون تحقيق الهدف.&

الوفاق والتألف السلمي العربي الكردي المغاير للأنفصال والتقسيم والأنزلاق في صراع دموي جديد. لماذا لايتم؟&

عشنا عصر تعطيل عمل السلطة الشرعية بالوانها المتكررة ونغماتها المشروطة التي إفتعلتها أحزاب في فصول زمنية عطلت على ضوئها مؤسسات عراقية وشلت حركتها، ملاحقة زمن التطور والبناء والأمان والسلام. وظل شبح الدكتاتورية قائماً، دون الرغبة الحقيقية لتعلم أسس الديمقراطية الفدرالية الجديدة.&

وها نحن بصدد مشاهدة فصل آخر من المأساة التي ليس لها وصف سياسي أدبي يصح ذكره، وقد تظهر بتغليب العقل الديمقراطي السليم وبمبادرة منتظرة من الحزب الوطني الكردستاني وبإعلان بياني صريح من قادته بأنهم جزء لايتجزأ من التراب الوطني للعراق.

فهل سيتم ذلك بترجيح السيادة والوفاق والسلم للعراق؟

والحقيقة ان الغالبية العراقية المثقفة لاتحبذ تصريحات، تُناقض وحدة العراق وتوافق قومياته ويدلى بها رئيس الإقليم مسعود البارزاني بين حين وآخر بشأن "رسم الحدود بالدم". وقد أبدى رئيس برلمان إقليم كردستان يوسف محمد صادق، الأربعاء الماضي، نقلاً عن السومرية " رفضه لمثل هذه التصريحات داعياً إلى حل المشكلات في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل بالطرق الدستورية، وإنتقد غياب الشفافية في واردات الإقليم النفطية".

لقد ساهمنا وضحينا كأفراد وحركات معارضة وطنية وبكل مقدورنا في رفع الحصار الأستبدادي السادي عن كردستان العراق الى أن تنفس أهلها نسمات الحرية، أملين بإكتمال تحقيقها لهم ولكل أهل العراق والتركيز على بمشاريع خدمية " مستشفيات ومستوصفات ومعاهد طبية ورياضية ومختبرية علمية كانت مهملة منذ السبعينات من القرن الماضي. وهنا أود أن أكشف وللمرة الأولى ماتعرفه القيادات الكردية المناضلة، فقد قاد وضحى أقرب أقربائي وهو "ح. مقصود " ضابط إلتحق بقوات البيشمركة الكردية ودرّب قوات خاصة منها على تكتيك القتال لمجابهة قوات نظام صدام في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وهرب لاحقاً مع المرحوم مصطفى البارزاني الى ايران ومنها الى أوروبا ليعيش كلاجئ.&

واليوم وبعد 13 سنة من عام 2003، نرى صفحات الجدل العقيم وسلبية توجه بعض الوجوه العراقية من كردية وعربية،وغمرتنا بكلمات الأستحسان والأستهجان، تُغذي عن قصد أو نية حسنة هذا الأتجاه وتلعب لعبة الإدمان على الخطأ والسلبية بتأكيدعدم الوصول الى وفاق وتآلف ينهي الأزمة ويمنع تراكمها. ومازالت وجوه سياسية في مجالس بغداد وأربيل تنتهز الفرص التي تجعل من التوافق العربي الكردي مهزوزاً. فمجلس النواب في بغداد هو محطة صراخ، لايدرس نوابه ضمانات نجاح مشروع بقدر مايدرس تشكيل لجان إستجواب وتحقيق في فساد مستشري " يُطمطم" لاحقاً.&

التوافق ليس غرضه التنازل عن حقوق وإنما كسبها وضمان إنجاحها، وتصعيد الخلاف بشأن كركوك والنفط والغاز والميزانية والرواتب وإستحقاقات الأقليم وكذلك السكوت على الدور العسكري التركي داخل حدود العراق وإيواء عناصر مطلوبة للسلطة في بغداد، كلها تشوه فدرالية الأقليم وتزيد من الأضطراب وزعزعة الشعور بالأمان.&

العنف والأرهاب والقتل وتسميم الأخوة العربية الكردية بنصوص مقدسة من كتاب دين أو صيغ قومية إستبدادية عنصرية للقومية الأفضل والقول بالحاجة الى فك الأرتباط والأنفصال التام عن العراق، كلها مخططات إستعمارية لها مخاطرها الجمة على العراق. هذه الوجوه (أدخلت وستُدخِل العراق) في نفق مظلم يتبارى فيه العنصريون العرب والكرد والفرس والترك دون رحمة، وسيكون الشعب حينها في أمس الحاجة الى إستغاثة غوث وسعي إنساني دولي ومخيمات جديدة من الصليب الأحمر.

ولتبيان ماقد يتعرض له العراق ككل علينا رصد ماحصل تاريخياً خلال عام 1914.

ففي الحرب العالمية الأولى رفض الأكراد القتال الى جانب الجيش العثماني. وبتصرف سليم وحكيم أبدت أسرة بارزاني رفضها للضغوط التركية الأمر الذي أقرَّ الوالي التركي اللجوء الى حزمة الأجراءات لاإنسانية منها الأعدامات التي مست شيوخ الأسرة وقيام الجيش التركي بحرق العشرات من قرى السكان الكردية.&

عشنا أعوام 2013 والأشهر الأولى من 2016 العصيبة المتوترة ومراحل تصفية الأرهاب القاعدي والأحزاب الأسلامية ودولة داعش للخلافة المتمرسة في التخريب والدمار وتبخّرت تحت وطأتهم كل آمال الشعوب العربية عامة والعراق الجديد خاصةً.

سياسيو المرحلة في بغداد وأربيل قد يكونوا على علم وثقافة ودراية وإستنتاج صحيح لبيئتهم ومجتمعهم كي يناقشوا ويبدأوا العمل لتمثيل سمة الأغلبية أو قد يكونوا فئة إنشقاقية مدمنة على الصراع وإراقة الدماء ويتزعمهم سياسيي الفكر العنصري العقيم الذين لايتورعون عن اللجوء الى القتال الزمني، فئة مدمنة قد تجر القوميات الى هلاك حباً لأشخاص لايملكون سمة القيادة، والفئة التي لاتمتلك أي إسناد لشهادة جامعية معترف بها في العلوم السياسية أو خبرة عمل إدارية في العلاقات الدولية والأستراتيجية ومؤسسات تدريسها وتعليمها معاني الأستقلال ودستورية الدولة.

عملية التوافق السياسي هي الضمانة التي تدخل في صميم مصلحة عرب وأكراد العراق، والحرب المُسوقة للعامة ليست من مصلحة أي أقلية أو أكثرية، وهي آمال لاتتحقق لمن لا يمعن التفكير ويدرك الأمور بعقله لا بمشاعره وأهواءه الشخصية. لننظر ونرى كيف إستشرى الفساد بملفات تجارية وملفات عقود تسليح فضلاً عن ملفات فساد ونهب وابتزاز وتهريب اموال، بالوانها المستنكرة الهجينية ودرجات الامتياز التي حصلوا عليها في علوم لم يدرسوها أويفقهوا معانيها يوماً.&

الممارسة الديمقراطية في دول أدمنت شعوبها وعودتهم على مقعدالفردية فيه جدل عقيم ويصدّر الأذى والفشل. ونظام مدح أو معارضة الحكم الفردي الواحد ليس من السهولة كما رأينا في مآسي استبدال أنظمة دكتاتورية بأخرى أكثر عنفاُ وأعتى دكتاتورية، ممن وتعودت على التسميات الديمقراطية وشعارات الشوارع المطالبة بالإصلاح.&

كم نتمنى الدخول الى عتبة السلام بسلام وفن المصلحة الوطنية في المفاوضات السياسية التي لاتتم على طريقة خوض معارك التقسيم والمطالبة بالأنفصال الجارية بين دول أدمى جراحها واطاح بمستقبلها ومستقبل أبناءها، قادتها دون ضمانات " أثيوبيا وأرتريا والصومال والسودان الشمالي والسودان الجنوبي، ليبيا، السعودية واليمن، سوريا الدولة وسوريا المعارضة، الدولة العراقية والإقليم الكردي )). وكي أكن واضحاً بشأن فن وخبرة المصلحة الوطنية في هذه الدول أنها تتم بطريقة سحق الشعب وتعويده بالأدمان على فكرة تقسيم المكونات الأثنية والقومية والدينية. هذا الأدمان تغلغل الى عقول قادة ضحوا أولاً بمكوناتهم وحثوا الموالين لهم من ألإنتهازيين على القتال وساقوا لهم التبريرات الديمقراطية والحرية.

الخطورة في وصول هؤلاء المدّمين وتعشقهم لفرض الكلمة الأولى في السلطة، هو طريقة وكيفية تصرفهم ونمط حياتهم التي لاتتجاوز المحن بذكاء وليس لها سُبل كفيلة مطلوبة تعني وتعتني أولاً بتنظيف البلاد مدرسياً وثقافياً ومنهجياً وديمقراطياً، من الفكر الأجرامي الوصولي ومنع تضخمه ودحره وإزالة التلوث الفكري الحكومي والشعبي الذي تمكن من الأنتشار دون الأنتقاص من الشعب وحقوق أقلياته ومكوناته القومية والدينية. أنه بالتأكيد عمل في غاية الصعوبة والجهد لتعلق الأمر بمسك الوطن وتربة الأرض وتشخيص الأخطاء والعمل الحثيث لإزالتها بالطرق المجتمعية القانونية.

كاتب وباحث سياسي&