&(حلقات يكتبها السيد رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه الدكتور ليث شبر عن خفايا غير منشورة وخطيرة عن ملف الأهوار والتصويت على انضمامها الى لائحة التراث العالمي في اجتماعات اليونسكو في اسطنبول بتاريخ 17 تموز 2016).

ها نحن في الأشهر الأخيرة من سنة 2015 وكل ما في الأهوار يحتضرويموت. تلك المنطقة الغنية بمواردها وحضارتها،والمدقعة فقرا بسكانها وأهلها الطيبين الذين على شدة فقرهم هم أكرم الناس وأجودهم بالمال والنفس،فذلك أصلهم وتلك خلالهم على مر السنين.

حينما بدأنا بالإعداد للمؤتمر الوطني لإحياء الأهوار وضعنا شعارا له بالضد تماما عما تعانيه الأهورمن كارثة كبرى أملا بأن نحققه قريبا فكان ( أهوارنا حياة ) هو الهدف الذي لارجعة عنه. وهكذا مضينا في التحضيرات وتكشفت لنا يوما بعد يوم حقائق جديدة في أن هناك من يعمل على إفشال جهودنا في إحياء المنطقة وتسفيه كل دعوة لإنقاذها من الجفاف. ولكن بالمقابل هناك من عشقوا الأهوار وبذلوا مالهم القليل في سبيل الدفاع عنها وبث الحياة فيها من جديد. فكانت معركة بين معسكرين ؛ معسكر الشر والباطل والفساد ومعسكر الحق والخير والنزاهة.

في البدء فكرنا في البحث عمن سيساندنا بقوة ؛فأول من تبادر أمامنا هو من كان فيها يقارع نظام صدام ويقاتله. فكانت الأهوار معقلا لهم ونقطة انطلاق لعملياتهم العسكرية. فبلا شك أن هؤلاء الذين قضوا سنين طويلة بين القصب والطين، ويعتاشون على أسماكها وطيورها، ومايقدمه لهم أهلها المعدان السومريون الكرماء من لبن وقيمر وطعام وتنقل ومساعدات وإيواء. فضلا عما أصاب المنطقة من تدمير وتجفيف وتهجير وتقتيل وتشريد بعد أن أصدر الطاغية أمرا بذلك للقضاء على الثوار. فبلا شك أن هؤلاء سيكونون أول المساندين والداعمين لإنقاذ الأهوار من كارثته الجديدة وخاصة بعد أن تسنم هؤلاء المناصب الكبرى وأصبحوا هم الأعلون في القرار والمال والإعلام. هكذا تصورنا، ولم لا فهذا أقل دين مقابل فضل المنطقة عليهم. فلولاها لما كانوا هنا أصلا ولما تسنموا مواقعهم وتنعموا بجاهها ومكاسبها.

اتصلنا بهم وبمكاتبهم وبقادتهم ومن أطراف متعددة.والعراقيون يعرفون جيدا من كان يقاتل هناك ويعرفون جيدا من نقصد؛ وهم مجمل الأحزاب الجنوبية المشاركين في السلطة والمتنعمين بخيراتها اليوم، والمعارضين في إيران وسوريا ولندن وأصقاع أخرى بالأمس. اتصلنا بهم وقلنا حان دوركم الان لسداد نزر يسير من ديونكم للأهوار التي أنهكتها حماقات صدام ومغامراتكم الثائرة فيها. وحان اليوم سداد دينكم لأهلها الذين أكرموكم وآووكم وحموكم وفدوكم بالمال والنفس،وبسببكم أنزل صدام عليهم الويلات، ومع هذا فلم يتراجعوا بل افتخروا وفاخروا فكانوا أشجع الناس.

كنا نتوقع أن يأتينا الجواب سريعا، وأن يكون الفعل أسرع.وانتظرنا ردود أفعالهم فلعلهم يعدون أمرا خاصا بهم، فالأحزاب تفكر بمصالحها ومكانتها بين الناس وخاصة أيام الانتخابات،ولكنهم لم ينبسوا ببنت شفة،ولم يحركوا ساكنا والأهوار أمام أعينهم كحورية تلفظ أنفاسها الأخيرة.. ويلاه أهكذا تردون الجميل يا أحزاب بلادي، وهكذا تقابلون إحسانهم بإهمالكم.. أي أناس أنتم ؟!.. وأي وطن هذا الذي تقودونه ولاتكرمون فيه من أكرمكم وأعالكم وكنتم سببا في هلاكه سابقا واهماله الآن؟!

لم نصدق ذلك،ولكننا صدقناه لاحقا حينما وصلنا ((إيشان قبة)) وتلفظ بالكاف الأعجمية،وهي تقع قرب ((البركة البغدادية )) في الأهوارالوسطى،وهي من أجمل مناطقها وأكثرها سحرا، بعد أن ركبنا المشاحيف الممشوقة وقت زقزقة العصافير وتنفس الصباح فانطلقنا من نصب الشهيد في الجبايش لتمخر بنا عباب الأهوار ساعة ونيف لنزور هناك سيدا معروفا وشخصية من شخصيات الأهوار التي لها تاريخ كبير في الجهاد ومقارعة الظلم والظالمين وإيواء الثوار آنذاك.وما إن وصلنا حتى استقبلنا هذا السيد بعقاله السومري ليضيفنا في صريفته التي لاتقيه حر الشمس ولابرد الشتاء.فقد آثر هذا البيت البسيط على قصور السلطة وزخرفها،ولكنه لم يتخل عن شجاعته وكرمه ونخوته واجتمعنا في ضيافته وحولنا كل أبنائه وبناته،وغير بعيد عنا كانت الجواميس تحتضن الماء فلم يظهر منها سوى رؤوسها وقرونها وعيونها الكبيرة وأذنابها. وماهي إلا دقائق حتى جيء لنا بحليبها الطازج والقيمر الدسم الذي لايصنع إلا في العراق وبخاصة أهوارها.وبدأنا بأطراف الأحاديث والقصص وأقربها الى النفس ذكريات الجهاد وقصص البطولة ؛فأشار بيده مرمى بصر وقال هيهناك قصفتنا الطائرات السمتية وقتلت منا مجاهدا وأصابت آخر، وذكر لنا اسمه وهو اليوم من قيادات السلطة.وأردف من هناك حملناه وذهبنا به في عمق الأهوار لنعالجه بعد أن حملته على متني ورصاص الطائرات فوق رؤوسنا.وأسهب في شرحه لمعاناتهم في استقبال هؤلاء المجاهدين وقتها وكلهم اليوم على رأس السلطة وفي أعلى هرمها،ولكن دمعة ظلت حبيسة عينيه، وحسرة مازفرتها أنفاسه جعلتني أبادره بالسؤال، ومن زارك من هذه الأسماء اللامعة التي تقود البلاد الآن ؟. فقال جوابا صدمني وفسر لي مالم أصدقه من ردة فعلهم ؛ فلم يزره أو المنطقة أحد منهم. هذه المنطقة التي انطلقوا منها ليقارعوا الظلم.ولعمري إنه أمر عجيب فكيف لمجاهد بالأمس وقائد اليوم أن لايستذكر تاريخه ولا يزور المكان الذي قارع الظلم منه.. فما أشد هذا العقوق،وماأكبر هذا الجحود..فهل من أمل لهذه الطغمة الحاكمة بعد ذلك في أن تصلح البلاد والعباد؟

توجهنا صوب رئاسة الجمهورية فلم تكن أفضل حالا من الآخرين فهي في واد وقضايا الوطن في واد آخر. ولايغرنكم ماحصل بعدها من مزايدات سياسية وبزوغ اسمها نجما في سماء الأهوار. فالحقائق التي يعرفها أهل الأهوار تختلف عما يطبل له الإعلام الموجه وماأكثره بيننا. ثم تحركنا صوب وزارة الموارد المائية فكان صديقنا السومري جاسم الأسدي وعاشق الأهوار عزام علوش في مقابلة مع الوزير فوعدهما خيرا ولكنه أخلف وعده إلا بعد حين حينما اشتدت الضغوطات وحمي الوطيس.

فيممنا شطرنا نحو رئاسة الوزراء وهي يومها مدعومة بقوة من الجميع من أجل ضرب الفاسدين وتحقيق الإصلاح فوجدنا أذنا صاغية من السيد مهدي العلاق وتفهما كبيرا،ولكنها لم تعط الموضوع حقه الكامل لانشغالها بالحزم الاصلاحية والتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية وأمور أخرى. ولكننا مضينا بتنفيذ خططنا وافتتحنا المؤتمر الوطني لإحياء الأهوار وفيه كان لعشاق الأهوار وأصدقائه ومحبيه جولات وصولات ومواقف مشهودة سأبينها لكم في الحلقة المقبلة (إصرار العاشقين).

في الحلقات القادمة ترقبوا.. من هم أبطال الأهوار؟.. لماذا عارضت إيران ؟ ولماذا قبلت؟.. كيف استقال الوزير السابق؟ وكيف رشح الوزير الحالي؟..تسابق محموم بين المسؤولين لركوب النصر..أسرار الوفد الرئاسي في اسطنبول.. كيف فشلت تركيا في مسعاها؟.. وأسرار أخرى.

الحلقة الرابعة..إصرار العاشقين