في عام 1933، عيّن ويليام دود الذي كان أستاذا في جامعة شيكاغو، سفيرا للولايات المتّحدة ألأمريّكية في برلين. وفي تلك الفترة، كانت ألمانيا تعيش آضطرابات يوميّة، بسبب النّازييّن الذين لم يكونوا يخفون نواياهم في الإستيلاء على السّلطة، والقضاء على المعارضين لهم.غير أن ويليام دود الذي كان قد دَرَسّ في الجمعات الألمانيّة في سنوات شبابه، لم يكن على دراية كبيرة بما يحدث. وكان ينوي أن يجد متّسعا من الوقت لآستكمال كتابه عن الغرب الأمريكي,. وكان قد أصدر خلال سنوات عمله في جامعة شيكاغو، كتبا عن سير بعض الشّخصيّات السياسيّة الكبيرة مثل توماس جيفرسون، وويلسن.

وعندما وصل إلى برلين قلّل من شأن الهجمات على اليهود، ومن الإعتداءات عليهم، وآعتبر أن هيتلر، وغوبلس، وغورينغ، "مجرّد مراهقين في اللّعبة الهائلة للسياسة العالميّة". وكان يعتقد أنه من السّهل ترويضهم، وإعادتهم الى الصّواب، والتعقّل. وأمّا آبنته الجميلة مارتا البالغة من العمر 24 عاما، فقد فتنتها برلين، وفتنتها الشّعارات التي كان يرفعها النازيّون في تظاهراتهم، وفي آحتفالاتهم اليوميّة. ولم تكن تخفي تعاطفها مع "الثّورة القوميّة-الإشتراكيّة"، بل كانت ترى أنها "مرحلة بطوليّة تفضي في النّهاية الى نهوض ألمانيا مجددّا على المسرح العالمي". ومرّات عديدة، شوهدت مارتا الجميلة بصحبة كبار القادة النّازييّن في المطاعم،،والصّالونات الرّاقية. غير أن الأجواء سرعان ما تعكّرت. فقد فرضت التّحيّة الهيتريليّة على أغلب الألمان. وتعددّت أعمال العنف على الشيوعييّن، واليهود. ثم جاءت "ليلة السّكاكين الطويلة" ليصبح الّنازيّون سادة ألمانيا. وفي كتابه البديع"في حديقة الوحش" الذي يقرأ مثل رواية ممتعة ومثيرة، يعود الأمريكي ايريك لارسون الى الأحداث التي عاشتها برلين عند صعود النّازيين من خلال ويليام دود، وآبنته مرتا ليرسم لنا صورة دقيقة وواضحة لا عن ألمانيا فحسب، بل عن أوروبا، وعن بريطانيا، وعن أمريكا،،وعن ما كان يسمّى في ذلك الوقت بالإتحاد السّوفياتي. وقد آعتمد لارسون في تأليف كتابه على وثائق أصلية، ناقلا تفاصيل مذهلة عن الشّخصيّات السياسية الكبيرة، والفاعلة في ذلك الوقت.

وهو يحدثنا عن علاقة الغرام بين مارتا، ورودولف ديلس قائد "الغيستابو"، وعن حبّها للسكرتير الأوّل في السّفارة السّوفياتيّة قبل أن تصبح جاسوسة تعمل لصالح موسكو. وفي ما بعد ستروي غراميّاتها، وأسرارها في كتاب حمل عنوان"من خلال عين السّفارة". وبعد وفاتها، سلّمت الكثير من وثائقها الخاصّة لمكتبة الكونغرس في واشنطن. ويبدو كتاب لارسن شبيها بفيلم من أفلام الرّعب حيث يجد القارئ نفسه في قلب أحداث تتوالى وتتعاقب بسرعة جنونيّة، فكما لو أنها ليست واقعيّة، وإنما من آبتكار الخيال. ومتحدّثا عن كتابه، يقول لارسن:”منذ البداية، لم يكن هدفي من هذا الكتاب التّبليغ عن الأحداث، وإنّما آستكشاف طرق سرديّة جديدة في مجال التّاريخ. وبالتّأكيد يمكن للقارئ أن يستعمل كتابي للتّوثيق التّاريخي لأنّ كلّ المعلومات الواردة فيه صحيحة. إلاّ أنّ هدفي الأساسي هو آبتكار تجربة تاريخيّة، ودفع القارئ الى أن يغوص في التّاريخ الى أعمق أعماقه".

&