تاريخ "المدارس السريانية الآشورية والارمنية" في الجزيرة السورية، يعود الى ما قبل استقلال الدولة السورية. هذه المدارس الخاصة، تحتضن اليوم أكثر من 5000 طالب وطالبة من مختلف المراحل التعليمية، نسبة جيدة منهم من المسلمين، عرباً وأكراداً. هي تُعلم المنهاج الحكومي، بالإضافة الى 4 حصص اسبوعية لغة سريانية /ارمنية، سمحت بها الدولة باعتبارها لغات طقس كنسي/ديني. هذا الحق يندرج ضمن الحقوق الدينية ، وليس ضمن حقوق قومية أو ثقافية للآشوريين والارمن ، كما يظن ويعتقد البعض. إذ لا حقوق (قومية ثقافية سياسية) لغير العرب في سوريا. تجدر الاشارة هنا ، أن المدارس الخاصة بالآشوريين(سريان/كلدان) والأرمن، الكنائس هي التي بنتها وأسستها ، من مال وتبرعات المؤمنين. والكنائس تتحمل جميع الأعباء المادية ، من نفقات وصرف رواتب المعلمين والعاملين فيها. اعتمادها الأساسي على "القسط الدراسي"، الذي يدفعه الطالب. الحكومة السورية لا تقدم لها أي دعم مادي. لا بل طلبة مدارس الأرمن والسريان الآشوريين، يدفعون لوزارة التربية في كل عام دراسي مبلغاً مالياً يعرف بـ"التعاون والنشاط". حتى الكتب المدرسية لطلابها، يتم شرائها من وزارة التربية، فيما الوزارة تقدم الكتب المدرسية مجاناً لطلاب المدارس الحكومية. هذا شكل من الاضطهاد والتمييز العنصري والديني يمارسهما النظام البعثي العروبي الاسلامي، بحق الأرمن و الآشوريين(سرياناً وكلدناً).&

&مع بدء العام الدراسي الجديد ،عاد القلق على مصير ومستقبل مدارس السريان الاشوريين والارمن، في القامشلي وبقية مدن وبلدات الجزيرة السورية. هذه المؤسسات التربوية والتعليمية، مهددة بالإغلاق والتوقف النهائي عن التعليم ، جراء قرار صادر عن ما يسمى بـ "لإدارة الذاتية الكردية" يقضي بفرض "اللغة الكردية" ، كلغة تعليم وعلوم للطلاب الأكراد في مناطق الإدارة الذاتية. ربما البعض يتساءل: لماذا الخوف على المدارس السريانية الآشورية والارمنية ، طالما "المنهاج الكردي" مُلزم للطلاب الأكراد دون غيرهم؟. في العام الماضي، ومع بدء فرض (المنهاج الكردي)، الكثير من العائلات الكردية نقلت أبنائها الطلبة من المدارس الحكومية ، التي صادرتها الادارة الكردية ،الى المدارس المسيحية الخاصة، هرباً من المنهاج الكردي. الأمر الذي دفع المعنيين في الادارة الكردية لشمل المدارس الخاصة في قرار تعليم المنهاج الكردي. مجالس الكنائس ، رفضت استبدال المنهاج الحكومي بالمنهاج الكردي للطلاب الأكراد في مدارسها. هذا الوضع ، أوقع المدارس السريانية الآشورية والأرمنية بين "مطرقة" الادارة الكردية و"سندان" نظام البعث العروبي الحاكم، الذي هدد بسحب ترخيص المدارس الخاصة، إذا ما علمت المنهاج الكردي. كإجراء وقائي مؤقت، واحتجاجاً على تدخل الادارة الكردية في شؤون مدارسها، أغلقت الكنائس مدارسها لنحو اسبوعين. بعد مفاوضات شاقة مع الطرف الكردي ، أُتفق حينها على تحييد مدارس المسيحيين عن سياسية "تكريد التعليم" ، على أن يُبحث وضعها في العام الدراسي الجديد(2016-2017). ايام قليلة ستفتح المدارس أبوابها وسيبدأ الطلبة عامهم الدراسي الجديد. الى تاريخه، لم توضح الادارة الكردية موقفها من مسالة فرض تعليم المنهاج الكردي في المدارس العائدة للسريان الآشوريين والأرمن. حتى الآن، الراي الراجح في مجالس الكنائس ، ذاهب باتجاه إغلاق المدارس السريانية الآشورية والارمنية ، إذا ما أصر القائمون على الادارة الكردية على فرض منهاجهم الكردي في هذه المدارس. إذا ما اغلقت ، تكون هذه المؤسسات التربوية والتعليمية العريقة في الجزيرة السورية، قد وقعت ضحية الأجندات السياسية والمشاريع العرقية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، مالك الادارة الذاتية الكردية. سيكون لإغلاقها آثار ونتائج سلبية وخطيرة جداً على نفوس ومعنويات الأرمن و الآشوريين( سرياناً وكلدناً). ستتزعزع ثقة هذه القوميات أكثر فأكثر بالإدارة الذاتية الكردية. وسترفع من منسوب الاحتقان والحساسيات العرقية في مجتمع الجزيرة السورية.&

من حيث المبدأ، من حق كل قوم وشعب أن يُعلم لغته القومية ويتعلم بها. لكن ليس قبل أن يوفر البيئة والشروط ، السياسية والقانونية والثقافية والاجتماعية، المناسبة لهكذا خطوة. بدلاً من أن يعمل القائمون على الادارة الكردية على توفير مثل هذه الشروط والامكانيات، لإنجاح مشروعهم التربوي/التعليمي، لجأوا الى القوة في السيطرة على المدارس الحكومية وفرض المنهاج الكردي على الطلبة الكرد، رغم رفض الغالبية الساحقة من أكراد الجزيرة السورية تعليم أبناءهم المنهاج الكردي. النظام السوري، بسلطاته السياسية والأمنية والعسكرية، مازال موجوداً في مدن القامشلي والحسكة. العديد من القطاعات المهمة في المحافظة هي بيد حكومة النظام( القطاع المصرفي ، الاتصالات ، الحبوب والمطاحن والمخابز ، المطار ، المياه). الأفضل والأنسب، أن يترك قطاع التربية والتعليم بيد الحكومة وتحت اشرافها الى حين الحصول على الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية الكردية وبالوثائق والقوانين والشهادات التي ستصدر عنها. فما قيمة شهادة البكلوريا ( الثانوية) التي سيحصل عليها الطالب بالمنهاج الكردي، من غير أن يجد جامعة ، في سوريا أو خارجها، تستقبله ليستكمل تحصيله العلمي ، يضمن به مستقبله؟؟.

من الخطأ القاتل ربط المشاريع العلمية والتربوية، بالأجندة والعقائد السياسية والأيديولوجيا القومية، لأي حزب أو جهة قومية. بصرف النظر عن المستوى العلمي للمنهاج الكردي المقرر وأهلية الكادر التعليمي لهذا المنهاج، ارى أن فرض المنهاج الكردي، الغير معترف به في سوريا أو خارجها، أضر وسيضر كثيراً بالعملية التعليمية والتربوية في المناطق الخاضعة للادارة الذاتية. ناهيك عن أنه سيكون سبباً بحرمان آلاف الطلبة ،جلهم من الأكراد، من فرص استكمال دراستهم وتحصيلهم العلمي وتأمين مستقبلهم. لا أدري كيف يستقيم وينسجم ويتوافق فرض "التعليم الكردي" مع مشروع "الأمم والشعوب الديمقراطية"، الذي يتحدث عنه ويروج له حزب الاتحاد الديمقراطي ويعتبره النموذج الديمقراطي الحضاري الأمثل والمتقدم على مفهوم "الدولة القومية"، التي تجاوزها التاريخ ، وفق منطق حزب الاتحاد.&

&

سليمان يوسف يوسف

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات

[email protected]