&متى وكيف سنلتقي بهم؟

بات شبه المؤكد أننا سوف نعثر على آثار تدل على وجود حياة من نوع ما خارج الأرض في العقود القليلة القادمة. وسوف تتوفر لدينا الأدلة القاطعة خلال العشر سنوات أو العشرين سنة القادمة. فالسؤال لم يعد مجرد معرفة هل سنعثر عليها بل متى سيتم ذلك، وهذا يعني أن البشرية على أعتاب عصر علمي جديد وهو عصر اكتشاف الحياة في الفضاء الخارجي في مكان ما في محتويات الكون المرئي. أي سيكون تغيير جوهري في رؤية النموذج الكوني في سيرورة الجنس البشري، وربما سيترتب على ذلك حدوث ثورة اجتماعية وعلمية وفلسفية وأخلاقية ستحدد علاقتنا بالأديان والتاريخ بسبب تقبل مقولة " لسنا وحدنا في هذا الكون الفسيح". ولقد صدر مثل هذا الكلام في نيسان 2015 على لسان شخصيات تتبوأ مكانة علمية رفيعة مثل إلين ستوفان Ellen Stofan المسئولة العلمية في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وخبيرة في جيولوجية تشكل الكواكب، ومتخصصة بكوكب فينوس والمريخ والقمر تيتان. والعالم جيفري نيومارك Jeffrey Newmark وهو عالم متخصص في الفيزياء الشمسية في ناسا، وأمثال هؤلاء ذوي السمعة الناصعة علمياً ولا يمكن المساس بمصداقيتهم، يعتقدون أن من الممكن العثور على شكل من أشكال الحياة الأخرى غير الأرضية وإن هذا الأمر لم يعد حكراً على بعض الباحثين الهامشيين، فالفكرة تجذرت في الوسط العلمي اليوم بعد أن كانت مثل هذه الجهود توصف بالفنطازية والحمقاء أو المجنونة. فقبل سنوات، ولغاية أواسط التسعينات من القرن الماضي، كان مجرد الحديث عن احتمال وجود حياة فضائية خارج الأرض يبدو للمتلقي كما لو إنك تروي أساطير وخرافات، ومن يعملون في هذا الميدان يقومون بذلك في السر ولا يعلنون نوعية أبحاثهم خوفاً من السخرية واعتبارهم حمقى من قبل زملائه،م فالبحث عن أصل الحياة، حتى على الأرض، يثير الاستهجان فيما بالك لو كان في كواكب أخرى خارج الأرض وخارج المجموعة الشمسية؟ ونفس الشيء في مجال البحث عن كواكب أخرى في أنظمة شمسية أخرى قد تكون مؤهلة لظهور الحياة فيها. وفي العام 2000 قدم الباحث أندريه براك André Brack أطروحة لنيل الدكتوراه عن الحياة على كواكب خارجية في الفضاء exoplanètes وكان من أوائل من تجرأ على طرح هذا الموضوع علمياً في فرنسا وتخصص بتكنولوجيا العثور على الكواكب خارج نظامنا الشمسي وهو اليوم يشغل منصب مدير أبحاث في مركز الفيزياء الأحيائية الجزيئية أو الخلوية moléculaire biophysique في أورليون. لقد تغيرت العقليات كما يؤكد دانيل روان مدير أبحاث في مختبر الدراسات الفضائية والأجهزة والمعدات الفلكية في مجال الفيزياء الفلكية ونائب رئيس الجمعية الفلكية الفرنسية لأبحاث الفيزياء الفلكية. ففي الماضي كان من يريد التخصص في هذا المجال يسخرون منه قائلين: هل تريد أن تبحث عن الرجال الخضر، واليوم اختفت السخرية وحل محلها الاحترام والإعجاب، ومن المؤكد أن العثور على حياة أخرى خارج الأرض سيتحقق في غضون هذا القرن الواحد والعشرين، وهي قناعة يتشارك بها الكثير من العلماء اليوم. لم يكن متخيلاً أن يحدث ذلك قبل عشرين عاماً من الآن لكن العلم هو الذي هيأ الأرضية لمثل هذا التغيير في عقلية وذهنية العلماء والأوساط العلمية. ويعود الفضل في ذلك، لانتشار وتطور هذا المجال الجديد من البحث الفلكي ألا وهو exoplanètes، أي الكواكب الأخرى في الفضاء الخارجي، وخارج المنظومة الشمسية، فخلال عشرون عاماً انتقلنا من رقم صفر إلى رقم 5000 كوكب مؤكد بعد توفير الأجهزة المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة والميزانيات اللازمة لتحقيق هذه المهمة بغية العثور على حياة أخرى غير الحياة التي نعرفها على الأرض. فالعلماء باتوا يعرفون كيف وأين يبحثون عن تلك الكواكب، وسبل دراستها، بل ويعتقدون أن الحياة موجودة في بعض أقمار مجموعتنا الشمسية التي تدور حول كواكب غازية عملاقة ضخمة كالقمر أوربا التابع لكوكب زحل الذي يحتوي على محيطات مائية سائلة تحت سطحه المتجمد أو ربما تحت سطح المريخ، حيث يمكن أن توجد حياة أو كانت قد وجدت في زمن سابق. ويمكن للحياة أن تظهر حتى في البيئات التي كانت تعتبر عقيمة، وهذا ما سيثبته البحث في مجال البيولوجيا الفضائية exobiologie التي صارت تجذب إليها الكثير من العلماء والباحثين ويعمل في هذا الحقل التخصصي علماء أحياء وعلماء كيمياء وعلماء آثار وعلماء كواكب وعلماء فيزياء فلكية وفيزياء نظرية وعلماء كونيات كوسمولوجيين ينتظمون في جمعيات متخصصة نشطة منتشرة في جميع أنحاء العالم المتقدم.

وكمثال على تغير المواقف لدى بعض العلماء، العالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ المتخصص بالثقوب السوداء والنظرية النسبية وهو عالم كونيات ورياضيات ومحاضر في الفيزياء النظرية. كان قد صرح بأسلوب الدعابة الساخرة في نيسان سنة 2008في مؤتمر التكنولوجيا والإمتاع والتصميم TED – Technology، Entertainment, Design، بهدف نشر أفكار تستحق الانتشار قائلاً:" بالرغم من الأبحاث الموسعة في إطار مشروع سيتي Seti للالتقاط الإشارات القادمة من الفضاء الخارجي والصادرة عن حضارات كونية عاقلة وذكية ومتطورة، لكننا لم نستلم بعد برامج ألعاب تلفزيونية من كائنات فضائية، وهذا يشير ربما إلى عدم وجود أية حضارة فضائية أو كونية على مسافة بضعة مئات من السنين الضوئية عنا "، ولكن وفي تموز 2015، بعد سبعة أعوام على تصريحه السابق، يؤيد نفس ستيفن هوكينغ إطلاق مشروع Breakthrough Listen، وهو مشروع طموح للبحث عن الحياة الفضائية الكونية الذكية والمتطورة. وهو ليس الأول ولن يكون الأخير من بين العلماء الذين غيروا أو سيغرون مواقفهم تجاه هذا الموضوع حتى إن هدف البحث عن الحياة الكونية العاقلة والذكية والمتطورة بات محط اهتمام وأولية وكالة الفضاء الأوروبية ESA و وكالة الفضاء الأمريكية ناسا NASA، ولكن يحاول البعض التخفيف من حدة التفاؤل والقول أن البحث عن الحياة نعم ولكن ليس بالضرورة الحياة العاقلة والمتطورة. ففكرة إمكانية العثور على شكل من أشكال الحياة البدائية أو طورها المجهري الميكروسكوبي أمر وارد ومتفق عليه بين العلماء واكتشاف بعض أنواع البكتريا في أجرام سماوية كالمذنبات أو الكواكب أمر متوقع جداً، المشكلة هي مع بديهية العثور على حضارة كونية فضائية متقدمة علمياً عاقلة وذكية ومتطورة علمياً وتكنولوجياً أكثر منا ترغب في منحنا معرفة ومعلومات رائعة ومتطورة جداً حيث تطفو هنا العديد من الشكوك والاعتراضات والترددات، خاصة فيما يتعلق بإشارات فضائية مرسلة إلينا من حضارات كونية بعيدة على نحو مقصود ومتعمد للتواصل معنا، فمن الصعب تحقيق إجماع أو توافق بهذا الشأن. وبهذا الصدد قال ستيفن هوكينغ:" في كون لا متناهي لا بد من وجود أنواع أخرى من الحياة أو آثار عن الحياة في مكان ما من هذا الكون المرئي الشاسع، وقد تكون حضارة كونية متقدمة جداً علمياً وتكنولوجياً تنظر إلينا وتراقبنا. لم تعد القضية مسألة تساؤلات بل البحث عن إجابات قاطعة وناجعة فلقد حان الأوان للبحث عن الحياة خارج الأرض فيجب علينا أن نعلم ذلك ". في القرن الرابع قبل الميلاد قال ميترودور دي شيو Métrodore de Chio:" إعتبار أن الأرض هي العالم الوحيد المأهول والمسكون أمر عبثي بقدر عبثية القول بحقل مزروع بحبوب الدخن لا ينتج سوى سنبلة واحدة ". و في سنة 1686 قال برنارد لو بواير دي فونتنيل Bernard Le Bouyer de Fontenelle من الأكاديمية الملكية للعلوم إن القمر هو أرض مسكونة. وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان عدد من العلماء يعتقدون بوجود حياة على سطح المريخ. ولكن مع تقدم علم الفضاء والقيام برحلات فضائية وإرسال مسابير استكشافية، علمنا أن كواكب منظومتنا الشمسية عقيمة لا حياة فيها عدا الأرض، ولقد علق عالم الأحياء الفرنسي البيولوجي الشهير جاك مونود jacques Monod:"يعرف الإنسان أخيراً أنه وحيد في هذه الضخامة الهائلة اللامبالية للكون التي انبثق فيها صدفة". وانتشرت هذه المقاربة والاعتقاد سنين طويلة إلى أن نجح العلم في القرن الواحد والعشرين في عكس الاتجاه وإعادة الأمل في إمكانية العثور على حيوات أخرى في هذا الكون الشاسع، ولكن أين هم إذن؟.

الرحلات الفضائية بين النجوم والكواكب بحثاً عن الحضارات الأخرى:

العقبة الكأداء أمام البشر في السفر بين الكواكب والنجوم هي الزمن ومحدودية السرعة، فحتى سرعة الضوء غير كافية لأن المسافات في الكون المرئي تصل إلى ملايين السنين الضوئية أي أن المركبة الفضائية التي تسير بسرعة تقرب من سرعة الضوء وهي 300000 كلم في الثانية، تحتاج من 4 سنوات ضوئية للوصول إلى أقرب نجم إلينا، إلى بضعة ملايين لبلوغ النجوم التي تقع في تخوم الكون المرئي والحال أن بلوغ البشر سرعة تقرب من سرعة الضوء شيء شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً في الوقت الحاضر لذلك على البشر أولاً قهر الزمن وقهر المسافات لتحقيق الحلم في الوصول إلى الحضارات المتقدمة علينا والأقدم منا نحن البشر.

تصدى كتاب روايات الخيال العلمي لهذه المعضلة، ووجدوا أن أمامهم خيارين لا ثالث لهما، إما زيادة السرعة أو إبطاء الحياة. وكان الحل الثاني هو الأكثر جاذبية فلو كانت رحلة فضائية تستغرق قرن من الزمن، أي بمعدل يفوق متوسط عمر الإنسان، فلا بد من حل لإبقاء رائد الفضاء حياً كل هذه المدة، وهي عملية ممكنة بفضل تطور العلم حيث من الممكن إخضاع الأجسام إلى حالة من السبات hibernation، وهي عملية تلجأ إليها بعض الحيوانات في بعض المواسم. فالبرد يوقف الحياة ولا يقتلها من الناحية المبدئية، لذا لا شيء يعارض مبدأ تجميد الجسم، وإطالة العمر بضعة عقود إضافية. لم نستطع بعد القضاء على الكثير من العقبات والصعوبات التقنية لكنها ليست مستحيلة. لذلك خطط العلماء على الورق إرسال بعثات فضائية طويلة الأمد على مركبات آلية أوتوماتيكية تسيرها الكومبيوترات المتطورة جداً وعلى متنها فريق عمل بشري من بعض الرواد المتطوعين اللذين يتم تجميدهم أو إسباتهم، صناعياً لإبقائهم على قيد الحياة في الحد الأدنى.ومن ثم يتم إيقاظهم عند بلوغ الهدف المنشود من قبل الكومبيوترات أو الروبوتات المرافقة لهم. وقد يتطلب الأمر عدة أجيال من رواد الفضاء يوزعون على مراحل الرحلة إذا كانت بعيدة جداً وتحتاج لأكثر من قرن من الزمن البشري. الكاتب الموهوب آرثر كلارك كان السباق لتقديم مثل هذه الفكرة في روايته العظيم " أوديسة الفضاء 2001 في بداية ستينات القرن الماضي والتي حولها المخرج السينمائي العبقري الراحل ستانلي كوبريك إلى تحفة سينمائية خالدة، وكانت الرحلة هي لاستكشاف كوكب زحل وما يحيط به، وهي رحلة تستغرق خمسة عشر عاماً ذهاباً وإياباً. هناك عوامل تتعلق بالطبيعة البشرية سيكولوجية وأخلاقية تقف عائقاً أمام البعض بقبول مثل هذه المهمة لأنها تحتاج إلى نكران ذات تام abnégation من قبل المرء قبل القدوم على مثل هذه المغامرة. فالسفر بين النجوم والكواكب البعيدة يتطلب زيادة في السرعة قد تصل إلى مايقرب سرعة الضوء وهنا تبرز معضلة فيزيائية محضة وهي المعروفة بمفارقة لانجفان للسفر الكوني paradoxe du voyageur de Langevin، والإسم الشائع لها هو مفارقة التوأم paradoxe de Jumeau، وهي مرتبطة بمعادلات وقوانين النسبية العامة لاينشتين. فالزمن بالنسبة لرائد الفضاء على متن مركبة تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء ليس هو نفس الزمن الذي يمر علينا ونحن على سطح الأرض. فلو غادر أحد التوأمين الأرض في رحلة تستغرق بضعة أشهر وعاد فسوف يجد شقيقه التوأم عجوزاً طاعناً في السن، بينما لم تمض عليه هو سوى الأشهر القليلة التي استغرقتها رحلته. وكمثال على ذلك لو غادر الشقيق التوأم الأول الأرض إلى كوكب يبعد عنا مسافة 800 سنة ضوئية بسرعة تقرب من سرعة الضوء، فسوف تستغرق رحلته 27 عاماً أي لن يكبر بالعمر سوى 27 عاما ولو كان عمره 20 عاماً فعند عودته سيكون عمره 47 عاماً ولكن عند عودته سيجد الأرض ومن عليها قد شاخوا خمسة عشر قرناً، 1500 سنة تكون قد مرت على الأرض ومن عليها. لا يوجد حل في الأفق أمام هذه المعضلة. فتقلص وتباطؤ الزمن مع السرعة قانون فيزيائي فرضته النسبية و لا مفر منه ثم أن النسبية تسمح بالاقتراب من سرعة الضوء نظرياً لكنها تمنعه تماماً إذ لا يمكن أن يسير جسم آخر بهذه السرعة سوى الضوء نفسه وكل شيء آخر معرض للاختفاء، وحتى لو سافر المرء بسرعة تقرب من سرعة الضوء لنجم يبعد عنا 500 سنة ضوئية وهي مسافة كونية قريبة مقارنة بغيرها، فسيحتاج لألف عام ذهاباً وإياباً وسيمر على الأرض حينها مئات الألاف من السنين الأرضية، فالبعثة الفضائية التي تغادر الأرض لبضعة عشرات من السنين وتعود لن تجد نفس الفريق التقني الذي أرسلها بل ربما أحفاد أحفادهم. هذا ونحن نتحدث عن السفر داخل مجرة واحدة أو كون واحد ككوننا المرئي فما بالك بتعدد الأكوان وتواجدها في مساحات ومسافات لايمكن تصورها أو إدراكها؟

وهناك طريقة علمية أخرى سوف تفرض نفسها في المستقبل القريب وهي إمكانية اللجوء إلى تقنية الاستنساخ البشري بعد السيطرة على تقنية نقل وتسجيل وحفظ الذاكرة البشرية وإمكانية نقلها من جسد إلى آخر ومن دماغ إلى آخر خام. حيث يمكن تجديد الجسد البشري من خلال تقنية الاستنساخ ليبقى على هيئة شباب دائمي، ونقل التراكمات الدماغية والذكريات والتجارب الفردية من دماغ في جسد مستهلك إلى دماغ خام في جسد شاب خارج لتوه من ماكنة الاستنساخ، وهو بعد يانع وذو ذاكرة خام خالية لتسجل فيها تجارب وذكريات وخبرات ومعارف الدماغ السابق وهنا تتراكم المعرفة عبر زرع الدماغ المخضرم في جسد شاب يافع دائماً.

تقليص الزمن والطرق المختصرة:

سواء أكانت الفكرة مقبولة وممكنة أم لا، إلا أن تعدد الأكوان يعني أن الطريق غير مفتوحة أمامنا من الناحية النظرية لزيارتها لأنها مستقلة عن كوننا المرئي وتسيرها قوانين فيزيائية مختلفة عن قوانين كوننا المرئي. ولكن ماذا عن العوالم الموجودة داخل كوننا المرئي؟ فهناك مليارات الكواكب المأهولة في مجرات كوننا المرئي، وملايين في مجرتنا درب التبانة وحدها؟ يقول العلماء أن هناك وسيلة ممكنة، من الناحية النظرية أيضاً، تتمثل بافتراض وجود ممرات كونية مختصرة بين مختلف الأبعاد الفضائية، سواء بين الأكوان، أو بين عوالم الكون الواحد مثل كوننا المرئي، وتسمى بالممرات أو الثقوب الدودية les trous de ver، وهي أجسام فضائية أو سماوية مفترضة ومحتملة الوجود لم يثبت وجودها علمياً بعد. وعلى عكس الثقوب السوداء التي لا يمكن لأي شيء أن يفلت أو يخرج منها، يمكن للثقوب الدودية أن تشكل أنفاقاً وممرات حقيقية بين الأكوان المتوازية وبين المجرات ونجومها وكواكبها وبين نجوم وكواكب مجرتنا درب التبانة، كما جاء في تفاصيل وتطبيقات وحيثيات وتكهنات نظرية الأوتار الفائقة. حيث من الممكن، نظرياً، الولوج إلى ثقب دودي يمتصنا أو يسحبنا من إحدى فتحاته " مداخله" ومن ثم نخرج منه إلى كون آخر أو مجرة أخرى أو كواكب ونجوم في مجرتنا ذاتها. شرط أن نجد حلاً للتغلب على الجاذبية الهائلة فيه والتي يمكن أن تفتت ذراتنا، ومع ذلك فإن هندسة الزمكان تعطي معادلات رياضية تصبح بموجبها مثل هذه الرحلات ممكنة ولكن من خلال بعض الثقوب الدودية وليس كلها ممن تتمتع بخصائص مهيئة لمثل ذلك وقد تكون صناعية أو من صنع حضارات كونية متقدمة ومتطورة علمياً وتكنولوجياً. يقدم عالم الفيزياء الفلكية تيبو دارمور Thibault d’Armour تعريفاً لتلك الممرات الكونية الغريبة الموجودة في كوننا المرئي ويقول:" إن الثقب الدودي هو عبارة عن تشوهdéformation أو انبعاج في نسيج الزمكان يربط بين منطقة وأخرى مختصراً المسافات والزمن. ولنتخيل كوننا ورقة ببعدين حيث نستطيع أن نتمثل أو نتصور الثقب الدولي كأنه حلق يربط ورقتين ــ كونين أو مجرتين ــ لكننا لا نعرف الزمن الذي تستغرقه الرحلة عبر الثقب الدودي. لأننا لم يسبق أن جربنا مثل هذا الطريق وبالتالي لم تحل هذه المسألة حتى من الناحية النظرية. فيمكن للثقب الدودي أن يمتصنا أو يعيد امتصاصنا ويعيدنا نحو مدخله الموجود في كوننا أو مجرتنا من حيث دخلنا. وبعض الثقوب الدودية يمكن أن تنطوي على نفسها في حلقة كالمتاهة و لا تنفتح على أي مخرج، أو كون آخر أو مجرة أخرى بل فقط نحو نفس المدخل. وفي بعض الثقوب يمكن أن تستغرق الرحلة عدة مليارات من السنين. إذ أن هذه الثقوب أو الأنفاق أو الممرات الكونية قد تحتوي على أبعاد مجهولة وهي في الوقت الحاضر مجرد تكهنات وافتراضات محتملة وغير مفهومة أو معروفة الماهية من جانب الكوسمولوجيا الرصدية. فعلينا أن نعرف و نفهم، قبل أن نغامر، ماذا يحدث داخل ثقب أسود، فما بالك داخل ثقب دودي، قبل التفكير في المضي قدماً في رحلة خطيرة داخل الأبعاد الكونية المتعددة. يمكن أن نضع بعض التصورات الافتراضية بهذا الشأن. فعندما نتخطى أفق الحدث للثقب الأسود، على سبيل المثال، يعتقد علماء الفيزياء الفلكية أن الزمان يصبح مكان والمكان يصبح زمان. فهذان المفهومان المتنوعان والمتباينان في العادة، يتبادلان الأدوار والمهام والماهية. فالفرادة المركزية، تلك المنطقة الموجودة في قلب الثقب الأسود، حيث تتكاثف وتتركز فيها كل المادة، ستكون موجودة في اللحظة وليس في الموقع، أي في الحيز الزمني وليس في الحيز المكاني، حيث سيتوقف الزمن الذي نعرفه عن الوجود وينقطع عن الجريان والسير، كما يعتقد عالم الفيزياء الفرنسي أورليون بارو Aurélien barrau، وهو باحث علمي وصاحب الكتاب الممتع " البغ بانغ وما يتعداه Big Bang et au-delà" وكذلك الكتاب المهم " الكون التعددي Univers Multiples " ولقد حاول هذا العالم الشاب أن يتخيل ماذا سيحدث لو أن رائد فضاء شجاع قرر أن يغامر ويخاطر بدخول هذا البئر السماوي بلا قاع ولا قرار. وحسب هذا الخبير، فإن ما سيراه ويشهده رائد الفضاء المغامر سيكون استعراض مدهش لكنه سيفنى بدون أدنى شك. فالموت يمكن أن يحدث حتى قبل الولوج إلى هذا الجرم إذا كان الثقب الأسود من نوع ضعيف الكتلة، فإن تأثيرات المد والجزر من الأهمية بمكان، ستقطع أوصال رائد الفضاء حتى قبل أن يصل إلى سطح الثقب الأسود، وعلى عكس ذلك، لو كان الثقب السود هائل الكتلة، فإن هذه الظاهرة ستكون مهملة وسيكون من الممكن استكشاف داخل الثقب الأسود وأعماقه"، فأية محاولة لإبطاء سرعة السقوط نحو الفرادة المركزية ــ على سبيل المثال تشغيل محرك صاروخي نحوها باتجاه خارج الثقب في محاولة للخروج ــ، سوف يسرع من التحولات غير مأمونة العواقب، وسيكون المشهد المعروض داخل الثقب فخماً ومدهشاً: سماء سوداء من ناحية الثقب وسماء ستصبح معتمة جداً من الناحية المعاكسة وحلقة رقيقة من الضوء تحيط برائد الفضاء تفصل بين المنطقتين التي لا يمكن التمييز بينهما لأن الثقوب السوداء هي الأجرام السماوية الكونية الأكثر غرابة وغموضاً وتعقيداً في الكون، كما ظهر لنا ذلك في تجارب المحاكاة الحاسوبية أو الكومبيوترية.

ما يزال البشر في مرحلة الطفولة، بل يمكن القول في مرحلة البكتريا البدائية مقارنة بما وصل إليه الإنسان اليوم من مستوى علمي، وذلك من ناحية التكنولوجيا فيما يتعلق بالسفر عبر الكواكب والنجوم والمجرات والأكوان الموازية. لكن العلماء وضعوا عدة نظريات لتحقيق هذا الهدف، ومنها إمكانية صنع أو خلق ثقوب سوداء اصطناعية تكنولوجياً وهو السيناريو الذي تم التعبير عنه في فيلم رحلة بين النجوم، أنترستيلر interstellar في نهاية سنة 2014. إن هذه الملحمة السينمائية ــ الكونية ــ العلمية ـ الخيالية في الوقت الحاضر، التي تخيلها المخرج كريستوفر نولان، تتحدث عن علماء رواد فضاء يقررون الرحيل عبر ثقب دودي تم خلقه بطريقة اصطناعية على يد حضارة كونية متطورة جداً لكنها مجهولة من قبل البشر، بغية العثور على كوكب في كون موازي يشبه كوكبنا الأرضي وقابل للحياة فوقه كبديل للأرض لأن كوكبنا تعوزه الحيوية وفي حالة احتضار لذلك بات من الضروري تحضير رحلة فضائية كآخر فرصة لإنقاذ سكان الأرض، حيث اجتمعت كل النظريات العلمية الكوسمولوجية والبيولوجية المجددة، وحيث يتعايش في جو الفيلم الثقوب السوداء والثقوب الدولية والتجسد الملموس للزمكان وتطبيقات الفيزياء الكمومية أو الكوانتية والثقالة والمفارقات الزمانية paradoxes temporels، والنسبية، وتباطوء الزمن مع السرعة أي مفارقة التوأم الخ.. ولكن هل من الممكن حقاً لمركبة فضائية أن تغوص في قلب أو عمق ثقب دودي وتخرج سالمة منه؟ يعتقد عالم الفيزياء والباحث في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسي CNRS آلان ريازيلو Alain Riazuelo، والأستاذ في معهد الفيزياء الفلكية في باريس، من الناحية النظرية على الأقل، أن الثقوب الدودة يمكنها بالفعل أن تشكل اختصارات زمكانية تتيح الوصول إلى نقطتين متباعدتين في الفضاء على نحو مختصر، بيد أن الأمر يحتاج إلى ضمان ثبات واستقرار هذه الأنفاق الكونية المتعددة الأبعاد والتي يمكن أن تنغلق كلياً في أية لحظة وإلى الأبد ويضيع من في داخلها قبل خروجه. ولكي يبقى الثقب الدودي مفتوحاً، يحتاج الأمر إلى اللجوء إلى مادة غريبة وغير مألوفة exotique، تمارس ثقالة سلبية معاكسة ونابذة أو طاردة بطريقة تتيح لها دفع حواف وأطراف وجدران هذا النفق ـ الثقب الدودي المستحدث اصطناعياً داخل النسيج الزمكاني ولكن لا توجد لدينا أية فكرة عن هذه المادة المفترضة وكيفية السيطرة عليها في حال كونها موجودة فعلاً في الكون المرئي. ولم تظهر ملامح أو مؤشرات أولية لهذه المادة، لا في مسرعات الجسيمات المتطورة الموجودة في الأرض ولا في أركان الكون البعيدة الخاضعة للمراقبة والرصد والمشاهدة والحساب والقياس، لذلك فإن السفر عبر الثقب الدودي سوف يتطلب قرون وربما ملايين عديدة من السنين والتقدم العلمي والتكنولوجي اللازم. وعلى الرغم من عدم إثبات صحة وصلاحية نظرية الأكوان المتعددة إلا أن من فضائلها أنها اقترحت مفهوماً متسقاً وفريداً من نوعه للكون جعل العلماء يأخذون بعين الجد هذه النظرية خاصة مع تطور معارفنا ومعلوماتنا العلمية سيما في مجال الميكانيك الكمومي أو الكوانتي. حيث تتراكم مجموعة من الأكوان يتمتع كل واحد منها بهويته الخاصة ويتوافق مع إحدى ممكنات الفيزياء الكوانتية أو الكمومية وهي تشكل التفسير الوحيد الممكن لعالم الكوانتوم الغريب الخالي من التناقضات والمفارقات، كما يستنتج أورليون بارو ومع ذلك تبقى الثقوب الدودية والثقوب السوداء من أكثر الأجرام السماوية غرابة وتعقيداً، إنها بمثابة المسخ الكونية المخيفة والمميتة لكنها تحتفظ في دواخلها بالسر الأعظم لفيزياء الغد المستقبلية وقد يكون تطوير نظرية الثقالة الكمومية أو الكوانتية، gravité quantique أحد المفاتيح التي يمكن أن تصف العالم على مستوى اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر.