مر موسم الحج هذا العام بغياب مؤسف للمسلمين الشيعة الايرانيين، بعد أن استعرت الحرب الكلامية بين الرياض وطهران، حيث وصف المرشد الأعلى للثورة في إيران حكام السعودية بأنهم شجرة ملعونة، غير جديرة بإدارة مناسك الحج، ليأتي الرد المتعجل من مفتي السعودية الذي كفّر الإيرانيين جميعاً، واصفا إياهم بالمجوس، وكان رد فعل طهران جاهزاً، حيث اقدمت إيران على منع مواطنيها من أداء فريضة الحج، والاستعاضة عنها بزيارة مراقد الأئمة من آل البيت في كربلاء، واستجاب هؤلاء لهذه الدعوة مدفوعين بقناعات، خلطت بين الحج كركن من أركان الدين والزيارة للمقامات المقدسة كمستحب ديني، وهكذا توافد الآلاف من الإيرانيين إلى كربلاء لأداء مراسم سميت بـ"زيارة عرفة" في كربلاء، بدلاً من عرفات مكة، وهو ما رفضته مرجعية الأزهر، باعتبار ذلك هدماً لركن من أركان الإسلام، مع أن الأمر لايعدو مناكفة سياسية بين السلطات السعودية والإيرانية حول اجراءات الحج.

في العراق دعا آية الله السيستاني، المسلمين إلى الرحمة والأخوة واحترام الآخر ونبذ التعصب، وتجنب الصراعات غير المبررة، لأن "ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا لولا أن الهوى والتعصب صار هو الغالب و السائد، حتى بات العالم الإسلامي موطن الصراعات الدموية و الاحتراب المقيت"، وفي القاهره أصدرت هيئة كبار العلماء في الأزهر بياناً قالت فيه " إن الحج له زمان ومكان معين شرعاً، وأن أي زيارة خارج إطار الزمان والمكان المحدد شرعاً لفريضة الحج، لا يُسقط الفريضة عن المسلم، ولا يُعد من شعائرها مهما أفتاه الناس"، ومن الناحية الأخرى يبدو أن تغيير وجهة الحج مقصود من قبل إيران، في إطار المنكفة السياسية، حيث أن التصعيد وتعمد التشدد في شروط إجراءات الزيارة، للوصول إلى عدم موافقة السلطات السعودية لطلبات الإيرانيين، كانت حجة لمنع قدوم الإيرانيين إلى الحج هذا العام، والقول بأن السعودية تمنع الإيرانيين من الحج، فتوجه الراغبين بأداء الفريضة إلى كربلاء بدل مكة، ليكون ذلك سابقة يمكن تكرارها في الاعوام المقبلة.

يجهل كثير من أبناء الطائفة السنية منزلة زيارة المقامات عند الشيعة، الذين يستذكرون دوما قول الإمام جعفر الصادق "رحم الله من أحيا أمرنا"، وهي عبارة على قلة حروفها، تأخذ الحيز الأكبر في وجدان كل شيعي، فيعتبر نفسه مسؤولاً عن حفظ ذكر أهل البيت، ومُكلفاً بزيارة مقاماتهم لتجذير القناعة بمظلوميتهم، رغم ما تحمله تلك الزيارة من مخاطر، حيث تتواتر الأنباء عن مقتل أكثر من 10 آلاف زائر في العراق، حيث مرقد الإمام الحسين والعباس، وسقوط العشرات من زوار مقام السيدة زينب في سوريا، ويعتبر كثير منهم أن مقام الامام الحسين أجمل مكان على الأرض، وأن العباس هو البطل، ويتأسون بروايات التنكيل به، ومواجهته بكثير من الإيثار والتضحية حتى الرمق الأخير، ما يدفعهم لمواجهة الظلم المحيط بهم منذ عصور.

&تاريخياً، ودائما لأسباب سياسية، ظلت الزيارة محرمة، بدءاً من العصر الأموي، وصولاً إلى التنظيمات التكفيرية المتطرفة، ما حولها عند الشيعة إلى إعلان دائم للتمسك بالمذهب، وعاملاً أساسياً في تحدي الطرف الآخر، وهي تنطلق من طبيعة المذهب المرتكز على مدرسة آل البيت، حيث الالتصاق المعنوي بهم من الركائز الأساسية في التصدير الديني والخطابة الدينية لعلماء الدين الشيعة، وذلك بالتركيز على مسألة زيارة مقامات الأئمة، ليس كشعيرة دينية واجبة، وإنما كطقوس وظيفية تساهم في خلق دينامية دائمة داخل البنيان العقائدي للشيعة، كل ذلك في ظلّ التحديات الدائمة التي تعرض لها هؤلاء باعتبارهم أقلية تعرضت لظلم دائم، وبحيث تُعتبر الزيارة شعاراً دائماً لإعلان الولاء لمذهبهم، في مقابل المذاهب الأخرى، التي يعتبر علماء الشيعة أنها تغيّب أهل البيت عن الصناعة العقائدية والفقهية للدين الإسلامي.

تطرّف بعض الشيعة، فاعتبر أن الزيارة تعادل سبعين حجة، خصوصاً بعد تطرف مفتي السعودية الذي كفّر الشيعة الإيرانيين، غير أن الشيخ عبد الرحمن السديس، إمام وخطيب المجلس الحرام، دعا قادة الأمة الإسلامية أن يستشعروا عظمة الأمانة، والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، والعمل على معالجة ما يطرأ من مسببات الفرقة والاختلاف بين الدول الإسلامية بالحوار والانصاف، ما اعتبره البعض تراجعاً وعلى أساس حقيقة أن الشيعة الإيرانيين مسلمون أيضا.