&

يتميز الشعب الأردني بدرجة متقدمة من الوعي والسر يكمن في نهج الحكم الذي ركز تركيزا لا مثيل له على التعليم والبعثات وتبني المتفوقين، وكان الحصاد أن غالبية الأردنيين يضعون حدا لناشري الفتنة ويهملون محاولاتهم العقيمة، والحق يقال أن حرية التعبير في الأردن عالية المستوى، ولا يحاكم أحد بسبب مقال أو كتاب إلا فيما ندر. وكثيرا ما يحاول أصحاب العصبيات إثارة الفتن من باب مسيحي ومسلم وفلسطيني وأردني، دون أن يجدوا من يصفق لهم، فيلوذون بالصمت، ويخجلون من أنفسهم.&

إن اغتيال الكاتب ناهض حتر مؤشر خطير على أن أنصار الكراهية لم يعودوا يكتفون بالخطابات والمقالات، بل تعدوا ذلك إلى القتل مع سابق التخطيط والإصرار، وكأن البلاد مشاع لهم يصادرون الفكر ويكسرون الأقلام ويسدون آذان الناس ويغلفون تفكيرهم بالغطاء الذي يرونه مناسبا حسب أهوائهم.&

من منا لم يعارض حتر في بعض طروحاته؟ وهذا هو دأب الساحة الفكرية، البعض يؤيد والبعض يعارض، ولكننا لا نقتل ولا نحرض ولا نجيش ولا نثير الفتن، أسوة بالدول التي وصلت ذرى المجد بالعلم والاقتصاد وثراء الفكر، تلك الدول التي ليس فيها فقير ولا متسول، وفيها المتدين وفيها الملحد، ألم يطرح ستيفن هوكينغ أفكاره فنال بسببها التكريم والجوائز والاحترام، وهو ما فتئ يقول في كل مناسبة أن الطبيعة خلقت نفسها بنفسها، ولو كان لدينا ستفين هوكينغ مشلولا على كرسي العجلات، لما درس الفيزياء الفلكية ولما استطاع أن يخوض واحدا من أصعب العلوم الكونية وأمضى حياته متسولا يستجدي الناس لقمة العيش.&

إلى متى نبقى في هذا المستوى؟ لقد درسنا أن التاريخ يتطور في حركة مستمرة والأحوال تتغير، والحضارات لها كبوة ثم تنهض، فما بال كبوتنا طال أمدها؟&

يبقى الأمل قويا أن الشعب الأردني لن يتفرق ولن ينساق خلف دعوات الفتنة والتفرقة والتحبيذ والتكريه لأنه شعب متعلم وحكومته حريصة على أن يدخل كل شاب في الجامعات وتدعمه للدراسات العليا والخوض ليس في العلوم فقط، بل في فلسفة العلوم، لكي ينشأ لدى كل فرد صورة شمولية عن العالم والكون، وألوان طيفه وتعدد رؤاه وتنوع أفكاره ومعتقداته، وينشغل الجميع بما هو أسمى من فلان قال كذا "فوالله لأضربنه ضرب غرائب الإبل" أو "لأذبحنه ذبح الشياه"، هذا زمان ولى وانقضى، والأردنيون اليوم يضربون مثالا يحتذى به في وحدة الصف وتداخل النسيج الاجتماعي وتماسكه.&