&
الكاتب قينان الغامدي وصل لمرحلة تدعوا فعلا للرثاء. يبدو أنه يعيش حالة إحباط عنيفة بعد فصله من رئاسة تحرير جريدة الشرق التي سارت في اتجاه غريب أثناء تزعمه لها. في تلك الجريدة نُشرت مقالات استغرب الجميع صدورها من جريدة سعودية, وهو لا يمنع ولا يوقف شيئاً لأنه لا يملك القدرة على مجرد تصوّر معنى الكلام الذي يقرأه. كانت الأمور سلسة المسير عندما كان رئيس تحرير الوطن لأن معه أساتذة كبار في سِنه يُصلحون أخطاءه وزلاته الكثيرة. لكن لما ذهب للشرق كان هو "الأستاذ" ومن حوله كلهم تلاميذه, وفي عمر أبنائه. لم يكن هناك من ينبهه على الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها, فأدى ذلك إلى إقالته.&
مشكلة قينان أنه رجل بلا بوصلة فهو مع الجميع وضد الجميع في نفس الوقت. يذكرني بقصة رجل مدفعية سكير في أيام الحرب الأهلية الأمريكية كان يطلق القذائف على الأعداء ثم يعود فيطلق من نفس مدفعيته على رفاقه في السلاح, حال قينان يشبه هذا الحال. منذ فترة خرج علينا بنظرية "أن في كل بيت سعودي داعشي" والذي نعرفه أن شعب المملكة ابتداء من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان وجميع الأمراء من الأسرة المالكة ونخبة السعودية ورجالاتها الأفاضل من المثقفين والمفكرين وأساتذة الجامعات وانتهاء بآخر فرد في البيت السعودي, ليس في بيوتهم دواعش. هناك أفراد شواذّ ( بضع مئات من 33 مليون إنسان) وقد أوقفهم رجال أمننا الأبطال عند حدهم وخمدت نارهم, وإن عادوا عاد لهم رجال الأمن بعيونهم التي تحرس الوطن وسلاحهم الذي ينافح عن الأهل.&
إتهام السعوديين بالدعشنة على لسان كاتب سعودي مشهور, كان تصرفاً غير مسئول, وقد استغله أعداء المملكة لاتهام وطننا بأنه مسئول عن الجريمة المروعة التي حدثت في 11 سبتمبر. لقد كان خطأ فادحاً ساعد الدعاة لسن قانون جاستا الذي يدعو لأن تدفع المملكة تعويضاً لضحايا تلك الجريمة, وبالتالي تُصنف بأنها دولة راعية للإرهاب.
ثم خرج علينا قينان مؤخراً, بمقالين خصصهما قينان للمعلمين "حربة العملية التعليمية" &في هذا الوطن وفي كل وطن, وصب على المعلمين وقود ونار الحسد الذي تجلى في قوله "والمعلمون والمعلمات ينالون أفضل رواتب في الوطن، ويحصلون على أطول إجازة سنويا، ويجب أن يدفعوا مقابل ذلك إنتاجا مميزا للوطن، ويتركوا التشكي والتباكي، فهم أقل الموظفين دواما، وأكثرهم راتبا وتسيبا وضعفا وكسلا، وأقلهم عطاء". ثم طالب قينان أن يحضر المعلمون كلهم بلا استثناء, في المساء لدورات تدريبية لا تقل عن أربع ساعات!
وتحدث قينان عن غياب الفكر والثقافة عند الإخوة المعلمين والأخوات المعلمات, ومن يسمع قينان ولا يعرفه, سيظن أن قينان قد شارك ألبرت آينشتاين في اكتشاف النظرية النسبية أو ساعد ستيفن هوكنغ في كتابة تاريخه الموجز للزمن. أما من يعرفه فيعلم أن الرجل ليس بمفكر ولا حتى قارئ. هو مجرد كاتب خدماتي, أدنى مراتب الكتّاب على الإطلاق, من دون تقليل لأهمية دورهم, وبإمكان قينان مواصلة دوره في تنبيه البلديات على الأخطاء التي تحدث أحياناً أو على تقصير جهة ما في القيام بواجبها الوطني, أما الفكر فهو في وادٍ وقينان في وادٍ آخر. ما حاجة قينان لإحراج نفسه بالحديث عن ثقافة المعلمين الذين أجزم أن أغلبيتهم الساحقة تقرأ أكثر منه. الأدهى والأمر من كل ذلك هو اتهام مدارسنا كلها بأنها سرورية وإخوانية, هذا اتهام فيه مجازفة كبيرة أخرى تضر ولا تنفع وتشق صفنا المتوحد وتجعل المعتدل يتطرف.&
كاتب هذه السطور ممن نالهم أذى شديد من بعض المتنفذين الذين كانوا تحت تأثير مد الصحوة لكني لا أحمل أدنى حقد عليهم بل أقول : سامحهم الله جميعاً. وفي نفس الوقت, لا يمكن أن أتهم بمحاباة الجماعة الإرهابية التي تحمل اسم "الإخوان المسلمين" ظلماً وزوراً فهي أبعد ما تكون عن هذا الاسم. لكننا أمرنا بقول الحق والحكم بالعدل وألا نلقي الكلام جزافاً, ولن أكذب على نفسي وعلى زملائي بعد أن أخبرتهم بأن هذه السنة ستكون السنة الأخيرة لي في التعليم وأنها سنة التقاعد بعد ما ينقص قليلا عن ثلاثين سنة قضيتها في التعليم وفي صحبة المعلمين. نعم, كان هناك تشدد وتعامل عنيف مع المخالف في الماضي, لكن المعلمين تغيروا منذ سنوات طويلة ونحن من نزاول التعليم ندرك هذا, وقد اكتشف الناس تلك الأخطاء وتغيروا كثيراً للأفضل. هذا بالنسبة لمسألة التعامل مع المخالف, أما اتهام العموم بالانتماء إلى تنظيمات سرية, سواء أسماها السرورية أو غيرها, فهذه مجازفة خطيرة, تعطي الحق للمعلمين في ملاحقة قينان قانونياً ومطالبته بإثبات انتمائهم للأحزاب السرية. لا يمكن أن نقبل هذا التعميم المتهور الذي لن يجد صاحبه ما يثبته به. كان هناك تعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية 2011, لكن هذا التعاطف زال بعد الموقف الصريح في 2013 للملك عبد الله رحمه الله ضدهم وانكشاف أوراق هذا التنظيم الماسوني العفن. هذا طبعاً لا يعني تعميم البراءة. هناك تنظيم سري لهذه الجماعة في كل مكان من العالم, ومن ثبت انتماؤه أمام القانون لجماعة إرهابية سواء كانت داعش أو القاعدة أو الإخوان المسلمين, فهذا تتعين محاسبته, وهذا كله من واجب الأجهزة الأمنية وليس واجبنا.
صَفنا موحّد خلف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده أمير الشباب محمد بن سلمان الذي لا أشك لحظة أنه سيقود المملكة للمستقبل ولمعانقة النجوم, حضارة وعلماً. ولسنا بحاجة لمدافع قينان التي تنفجر فجأة لتمزق لحمتنا وتفرق شملنا وتفرح أعداء وطننا. بغض النظر عن نواياه, هذا الأسلوب الأرعن يضر ولا ينفع.
&أما مديح قينان لمعالي وزير التعليم &د. أحمد العيسى, فقد تحول إلى نوع من ممارسة الوصاية وكأنه يود أن يخبر الوزير على الملأ بما يجب عليه أن يفعله. لقد تشرفتُ باستضافة معالي الوزير د. العيسى في برنامجي(ورقة بيضاء) الذي بثته مشكورة قناة أم بي سي في 2009 عند صدور كتاب د. العيسى الأول عن التعليم, وهو رجل يعرف مشكلات التعليم وطرق حلها أكثر مني ومن قينان, ولن يحتاج لمن يخبره : كيف يؤدي واجبه الوطني.

&