أصبح عالَمُنا اليوم يعيش فوضى غير مَسبوقة في تاريخ البشريّة، يسودُ هذا العالم قانون أشبَه بقانون الغاب، الذي يأكُلُ فيه القويُّ الضَّعيف، الضعيف المغلوب على أمره، عالَمٌ فُقِدَت فيه القيَم والأخلاق الإنسانيّة، التي تُعتبَرُ المِقياسَ والمِعيارَ الذي يُفرِّق بين الإنسان والحيوان الذي يعيش في فضاء الغابَة، يَتَّخِذ فيه الجَسور الجبّار من الوُحوش ضعاف الحيوانات لُقْمةً سائغةً لها، فضاء الحياة البريّة، الذي لا تحكمُه أي قوانين تحمي الضّعِافَ من وَحيشِها.

عالَم اليوْم، ينتَشِر فيه الفساد الأخلاقي والإنساني وتَعُمّه الفتَنُ والنزاعات والتوتُّرات وزعزَعة الأركان الأساسيّة للحياة البشريَّة، في غيابِ العدل والمُساواة بين أفراد بني البشر، الذين خُلِقوا من نفسٍ واحِدة ومن روح واحدة وجسد واحد، إنّ أفظع جريمةٍ في هذا الفضاء الآدميّ، هو سَفْكُ دماءٍ وإزهاقُ أرواح مُقدَّسةٍ بريئَةٍ لا ذَنبَ لها سوى أنَّها ضعيفَة لا تَقوى على مُجابَهة ومُقارَعة الجبابِرة المُتسلِّطين فاقِدي الرحمة والرّأفة وعديمي الضّمائر الإنسانيّة التي جُبِل عليها الإنسان وكانت فطرتُه مُنذُ خلقِه ووُجوده على هذه البسيطة.

إقرأ أيضاً: الانقسام لا يخدُم القضية الفلسطينيّة

لقَد عمَد جبابِرة عالَمِ اليوم وبُغاتُه إلى تحقير وتصغير وتقليل من شأن العديد من المُجتمعات البشَريّة الآدميّة واستعبادها واسترقَاقها وإذلالِها والاستهانة بها واستباحة دِمائِها وأعراضها، لا لِشيء إلّا لأنّها ليست من جنس هؤلاء المتعجْرِفين وليست من أعِراقِهم وفصيلتهم.. ولأنّ لون بشرتها ولون عيونها وشعرها مخالِفةٌ لِخِلقة مُجتمعات العُتاةِ، وقيمها تُخالف قيَم مُجتمعات هؤلاء الطُّغاة من المُستَكبِرين في الأرض.

إنّ ما يجري في فلسطين اليوم من إبادة جماعيَّةٍ لبني البشر من نساء وأطفال وشيوخ وشباب في مُقتبَل العمر وتدميرٍ لِحضارة عمرها مئات القرون لَدليل قاطعٌ على وحشيَّة وهمَجيَّة أعداء البشريّة وبُغاةِ وجبابِرة هذا العالم، الذين يُكِنّون البغضاء والضّغينة والكراهية لِغيرهم من الأجناس البشريّة.. نُسائل هؤلاء الفاسقين السّافلين: هل هناك فرق بين بني آدم؟ ألا يستحقُّ الفلسطينيّ الحياة كسائر البشر في العالم؟ هل أُناس الغرب خير وأفضل وأجلّ من المُجتمَع الفلسطينيّ؟

إقرأ أيضاً: دَعمُ المَغرب لأهالي القُدس نموذجٌ يجب الاقتداءُ به

إن الفوْضى العالميّة التي صَنعها الغرب وأميركا منذ انتهاء الحربيْن العالميتيْن هي التي تعيش الأمم تبعاتها اليوْم، فبانتهاء الإبادة البشريّة في الحرب الكونيّة الثانيّة، أعطت أميركا والغرب لنفسِهما الحقّ في السيطرة على الدول الضعيفة والمُستضعَفة والتحكُّم في أمورها وشؤونِها. لقد أسّس الطُغاة لمُجتمَع تطغى فيه العنصريّة المَقيتة واللّاعدالة المُجتمعيّة، أنشأوا عام 1945 مؤسسةً قالوا عنها: إنّها "هيْئة دوليّة" تضليلاً وخِداعاً وافتراءً وكذِباً، قالوا: إنّ من اختصاص هذه "الهيْئة" مَنع تكرار مآسي الحربيْن السابقتيْن وَضْع حدّ لجميع النزاعات والخصومات بين الدول والمُجتمعات والعمل على نشر العدالة والمُساواة والحقوق بين أمم الأرض كيفما كان جنسها وعقيدتها ودينها ولونها... هيْئَة (الأمم المتحدة) التي افتضح أمرها اليوم وظهرت حقيقتُها، "هيئةٌ" تتفرَّج في مَذابِح يوميّة لِلإنسان الفلسطينيّ البريء الذي تُبيدُه آلة حرب مُؤسسيها، ولا حولَ لها ولا قوّة، لِكوْنِها مُسيَّرةً لا قرار مستقلاً لها، زِمامُها في يد دول الجبابِرة التي كانت تَدّعي "تمْويهاً" الديمقراطيّة والعدالة والحرية والحقوق. لا غروَ أن نُلاحظ كل المُنظَّمات التي تتبع "للهيئة" تأخذ طريق الخذلان والتخلّي عن الشعب الفلسطيني الذي قُتِل منه عشرات الآلاف واُعطِب منه عشرات الآلاف دون أن تُحرّك ساكِناً لإيقاف هذه الجرائم ضدّ الإنسانيّة، وما عدم تنفيذ قرارات ما يُسمّى (محكمة العدل الدوليّة) إلّا دليل لا غُبار على صوريّة وشكليَّة (الأمم المُتحدة) والمنظمات القضائيّة والحقوقيّة التابعة لها.