د. شاكر النابلسي
&
&
السيد عثمان العمير.. ناشر "إيلاف"
تحية عطرة وبعد:
كان بودي أن تُوجّه لك هذه الرسالة من قارئ من قراء "إيلاف"، الذين ينعمون بحرية القراءة في براري "إيلاف" الحرة، وليس من كاتب لم يستطع أن يقول ما قاله وما سيقوله على أي منبر غير منبر "إيلاف"..!
فهل أنت مدرك تماماً أيها السيد ماذا تعني لنا "إيلاف" نحن الكتاب الذين طُوردنا في الصحافة العربية الرسمية والإعلام العربي الرسمي، بسبب مواقفنا من ياسر عرفات، وبشار الأسد، وحسني مبارك، وصدام حسين، ومعمر القذافي، والأصوليين الإرهابيين، ودعاة "فقه الموت"، وكل الديكتاتوريين العرب ..؟
وهل أدركت ووعيت تماماً أيها السيد ماذا تعني "إيلاف" بالنسبة للإعلام العربي الرسمي.. انها "اللقيطة" الإعلامية بين "الشرعية" الإعلاميةالعربية؟
إنها تعني الحقيقة، والمسكوت عنه، وما لا يُقال للناس.
ونحن سعداء بهذه "اللقيطة" سعادة لا تُوصف.
وهل أدركت يا سيدي، أنك فتحت أفقاً من الحرية الإعلامية، لم يحدث مثيل له من قبل، منذ قرون طويلة؟
لقد آمنا نحن الكتّاب عن تجربة عملية وممارسة يومية - في "إيلاف" بأن أياً منا يستطيع أن يكتب ما يشاء، وكيفما يشاء، شرط أن لا يكون الكاتب تافها،ً أو مدسوساً، أو وضيعاً, أو عميلاً لنظام معين. وأن "إيلاف" هي النافذة الوحيدة الآن التي يُقال فيها ما لا يُقال، ويُنشر فيها ما لا يُنشر، ويُكتب فيها ما لا يُكتب.
لقد فتحت "إيلاف" أفقاً&إعلامياً جديداً غير مسبوق في الاعلام العربي التقي فيه الشيوعي مع القومي، مع البعثي، مع الأخواني، مع الماركسي، مع المحافظ، مع الليبرالي، مع الخميني، مع العرفاتي، مع الأسدي، مع المباركي، مع الهاشمي، مع السعودي، ومع مختلف أطياف السياسة العربية.
إن "إيلاف" الآن وأنا أقولها بكل خجل، واتهم نفسي بالتملق والنفاق والتـزلف، هي النافذة العربية التي اعتبر نفسي أنني قلت من خلالها كلمتي المكتومة، المحرّمة، والمسكوت عنها، منذ نصف قرن من الزمان، وقد قلتها، وسأقول غيرها، قبل أن أموت وأنا على حافة قبري الآن.. في سن السبعين!
"إيلاف" الآن يا سيدي تُمنع وتُقاطع من قبل بعض الأنظمة العربية، وتلك ضريبة الحرية، تدفعها "إيلاف"، وهي رافعة الرأس، شامخة، غير مستعدة للتنازل عن ملليمتر واحد من حرية أصغر كاتب لديها.
لقد كانت "إيلاف" نصيرة الحرية ليس على المستوى السياسي فقط، ولكن على المستوى الفكري والثقافي والفني، فلم تتحزب ضد كاتب معين، ولم تتعصب لجهة معينة، ولم تحجب رأي كاتب أو دورية لا تتفق معها في الرأي والمنهاج.
إن كل قرار منعٍ وحجبٍ "لإيلاف" عن جمهور من جماهيرها العريضة في أي قطر عربي، هو وسام رفيع من الدرجة الأولى، يُعلّق على صدر "إيلاف" وعلى صدر الحرية التي ترفع "إيلاف" رايتها الخفّاقة، لا يُعلّقه الحكام والسلاطين ولكن يُعلّقه قراء "إيلاف" المتعطشين إلى الحقيقة.&
فمن يستطيع أن يحجب نور الشمس، ويمنع دخول الهواء النقي الى الغرفات المظلمة المسكونة بالخرافة، والقهر، والطغيان؟!
ولتبق "إيلاف" منبراً مشّعاً للحرية الواسعة بكل معانيها.
وليسلم رأسها دائماً.