الكتاب: laquo;لأن قبعة التراب دخانraquo;
المؤلف: نصر جميل شعث
راسم المدهون: في إطار laquo;الجزائر عاصمة للثقافة العربيةraquo; صدرت مؤخراً للشاعر الفلسطيني نصر جميل شعث مجموعته الشعرية الجديدة laquo;لأن قبعة التراب دخانraquo; وفيها قصائد كتبها الشاعر في مناخات حياة غير عادية. بل مزدحمة بالقلق ومحتدمة بصور الموت الذي يتجوّل في مدينته غزة ويحوّل الحياة معها إلى نوع من المغامرة الصعبة والمتوتّرة. الشاعر في حياة كهذه يبحث عن كينونته الفردية في لغته الشعرية. في قصائده وفي فوضى مخيلته وتطلعها نحو فضاءات أكثر جمالية وقد تكون نوعاً من التعويض عن عالم واقعي بالغ الأسى: laquo;يوم بلا ضغط يمرّ/ أحس رأسي شرفةraquo;.
هكذا يكتب نصر جميل شعث قصيدته ملتصقا بما في حياته اليومية من صور سوداوية وتحمل الكثير من مفردات شائكة وجارحة نراها تتحول في الشعر إلى مناخ تعصف خلاله روح الشاعر بكل ما في الهواجس من جموح يذهب نحو استقصاء الحياة. القبض عليها بقوة. والالتصاق بها. هواجس نصر جميل شعث الشعرية الطالعة من سواد حياته هناك تذهب تماما إلى ضدها. إلى رؤية بياض الحلم وازدهاء ألوانه فيما يشبه رؤية تعوض عن الراهن ورهانا يطمئن ndash;أو يحاول أن يطمئن - إلى صورة القادم.
هو واحد من شعراء الجيل الجديد الفلسطينيين والذين يكتبون اليوم متسلحين بتجربة تنفتح على منجز القصيدة العربية في شكليها التفعيلي والنثري وتجربة ارتطام القصيدة الفلسطينية بنقائضها الواقعية التي تشدها بقوة نحو عالم تحتله صور الموت ومفرداته الجارحة. مجموعته الشعرية الجديدة laquo;لأن قبعة التراب دخانraquo; (منشورات دار ميم للنشر، الجزائر 2007) تحمل ملامح فنية متقاربة رغم إشارته إلى كتابة قصائدها في مساحة زمنية متباعدة نسبيا. لعل ذلك دلالة فنية ونفسية على طبيعة الأجواء والمناخات التي تطلع منها القصائد والتي تدفع الشاعر في صورة مستمرة إلى الاحتماء بالقصيدة بوصفها الملاذ الأخير والنهائي من عصف الألم. وزمهرير الاغتراب الروحي في بيئة تزدحم بالسواد وتحلق في فضاءاتها طيور الموت: laquo;يا إلهي. أنا ما شربت النهار./ ولم أقرش الثلج في عتمتي./ أو وراء حرامي./ بلى:/ البياض العتيق سميُ ارتطام الموج/ بأقوى عظاميraquo;.
جملة شعث الشعرية تحرص أن تكون قدر الإمكان مختصرة. قصيرة ومحمولة على حاملين رئيسين. الصورة والقص أو الرغبة في القصّ. في ما يشبه ذهاباً شعرياً نحو آخر مفترض يمكنه إعادة تصور حكاية القصيدة وتجميع خطوطها كي تكتمل عنده مشاهدها. هي إذن قصائد المشهد أي تلك التي لا تركن إلى قول غنائي يتكئ على وحدانيته وفضاءاته بل تنشد نسيجا شعريا دراميا وطافحا بحيوية الصراع بين جزئياته وتفاصيله ذاتها.
في قصائد مجموعة نصر جميل شعث كلها نتوقف طويلا أمام العلاقة الوشيجة التي تربط الشعر بالروح الفردية والتي تشكل في تقديري استجابة فنية وطافحة بالجمالية لمعنى أن يكون الشاعر بالذات هناك. أي في اللهيب وأن يكون شاهدا جريئا وبليغا على حمّى ارتطام الحلم العام والفردي بفداحة الواقع وما يشتعل فيه من آلام: laquo;لم أحرق الماء الكثير/ لكي أرى نفسي على المرآة./ أحرقت النهار لكي أرى منه الدخان رسول إثمي/ وهو يحمل صورتي للشمسraquo;.
من المهم إزاء قصائد هذه المجموعة الشعرية ملاحظة انتباهات الشاعر للعلاقة الوشيجة بين القصائد والمكان أو بالأدق المناخ الاجتماعي الذي يخلقه المكان بعاداته وتقاليده الاستثنائية بل النافرة في كثير من الأحيان. اللغة الشعرية هنا تمتزج بما في ذلك المناخ من توتر جارح نلمحه يعصف بالقصيدة ويدفعها لإعادة تشكيل نفسها على صورته: laquo;أنا كلما زرت حبا وراء الجدار ذبولا./ تعيد الغواية قطفي/ على أي وجه تشاء الخريطة./ والحب لا يجرؤ الآن تقديم شيء/ سوى بذل ورده في آنيةraquo;.
laquo;لأن قبعة الدخان ترابraquo; مجموعة شعرية تحمل الكثير من أسى العيش في محرقة يومية. محرقة تعيد تشكيل البشر مجموعا وأفرادا على هواها. وهي قصائد تمتزج فيها بلاغة الكلام وفنياته ببلاغة الخزن وحدته فتكتبان معا وبلغة هادئة وشفافة قصيدة جديدة تستحق أن نقرأها بانتباه.