عبد الجبار العتابي من بغداد: نال معبر فيشخابور الحدودي العراقي، مع تركيا وسوريا، اهتماما غير مسبوق من الاطراف العراقية والتركية والاميركية فضلاً عن حكومة اقليم كردستان.

وتشنجت الأمور الى الحد الذي انطلق فيه الرصاص للسيطرة عليه وسقط ضحايا، ومن ثمة، تصريحات متبادلة تشدد على ان هذا المعبر يعد اكثر اهمية من كركوك ذاتها، بل ان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي استغرب من تواجد الأميركيين في معبر فيشخابور وسألهم ساخرًا “هل لكم حصة فيه؟”.

وترفض الاطراف المتنازعة التنازل عن المعبر، فالعبادي يقول (فيشخابور ارض عراقية ويجب فرض السيادة عليها)، فيما يقول مسعود البارزاني إنّ (فيشخابور ارض كردستانية ولا نفرط بها)، أما الأميركيون فهم لا يريدون التخلي عنه ويرغبون في أن تكون لهم سلطة فيه، فيما تركيا هي الاخرى تراه معبرًا حيويًا ولابد ان تتواجد فيه، لان منه تجري عمليات تهريب.

وبعد تطبيل في الاعلام وقتال وخسائر بشرية ومادية بين طرفي الحكومة الاتحادية واقليم كردستان، برز اقتراح يقضي أن يتفق الطرفان على الادارة المشتركة بإشراف الاميركيين، إذ يرى الجميع ان لفيشخابور أهمية استراتيجية لمنطقة كردستان إذ انها نقطة يمر منها خط أنابيب النفط التابع لها إلى تركيا.

رفضت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي التواجد الأميركي في معبر فيشخابور، فيما عرض اقليم كردستان العراق، نشر قوات مشتركة في هذا المعبر الاستراتيجي مع تركيا بمشاركة التحالف الدولي ضد داعش، فيما هددت بغداد بالسيطرة على الاراضي الخاضعة للكرد.

ذكر بيان لحكومة اقليم كردستان يوم 2 نوفمبر 2017، ان الانتشار المشترك عند معبر فيشخابور الاستراتيجي يمثل "بادرة حسن نية وتحركاً لبناء الثقة يضمن ترتيبا محدودا وموقتا إلى حين الوصول لاتفاق بموجب الدستور العراقي".

ودارت معارك عنيفة بالمدفعية الثقيلة مؤخرًا بين المقاتلين الأكراد والقوات العراقية المتوجهة إلى معبر فيشخابور، سعيًا إلى تأمين خط الأنابيب النفطي الواصل إلى ميناء جيهان التركي.

معبر صغير 

معبر فيشخابور صغير وغير مستخدم كثيرًا وهو قرب بلدة فيشخابور التابعة لمحافظة دهوك، ذات غالبية سكانية آشورية كلدانية، ويقع في المثلث الحدودي العراقي التركي السوري، حيث يجري نهر دجلة لمسافة 5 كليومترات تقريبا بمحاذاة الحدود السورية، وبينه ومعبر "إبراهيم الخليل" ويسمى أحياناً معبر الخابور الذي يطل على تركيا فقط، والمسافة بين المعبرين تقدر بخمسة وعشرين كيلو مترًا.

وهذا المعبر غير معتمد رسميًا من الحكومة العراقية ولا من الحكومة السورية، ويستخدم لتنقل الأشخاص بدرجة أساسية بين العراق وسوريا، فضلاً عن نقل بضائع محدودة، ويسيطر عليه حاليًا من الجانب العراقي البيشمركة ومن الجانب السوري تنظيم “ب ي د”.

مساعدات لقوات سوريا الديمقراطية

يقول المحلل السياسي جرجيس كوليزادة إنّ "فيشخابور محسوب ضمن المعادلات الاقليمية وترتبط بها مصالح تركية وبارزانية واميركية، والان انقرة وواشنطن تحاور بغداد لاجل بقاء سيطرة البارزاني عليه لاجل ادامة المصالح المشتركة بينهما في تلك المنطقة، وهي استراتيجية من النواحي البترولية والعسكرية والاقتصادية والجغرافية".

يضيف: "كان معبر فيشخابور خاضعًا للادارة الكردية من سنة 91 19الى 2003 ولم يكن خاضعًا للحكومة في بغداد، وحتى معبر ابراهيم الخليل كان له نفس الوضع، ومطالبة السيد العبادي والحكومة الاتحادية بابراهيم خليل، وفيشخابور ليس لها سند قانوني، ان الاتفاق بين بغداد واربيل بالعودة الى خط التماس 2003، والبقاء على اخضاع المعبرين الى ادارة اقليم كردستان وباشراف مدني من السلطة الاتحادية، افضل حل لصالح الطرفين للاستفادة منهما من النواحي الجمركية والنقلية والسياحية.

وتابع: "أما بالنسبة للطرف الأميركي، فإن الولايات المتحدة تستخدم معبر فيشخابور لايصال المساعدات العسكرية والانسانية الى قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا لمحاربة تنظيم داعش الارهابي، لان بقية الجهات الحدودية مغلقة بوجه القوات الاميركية لايصال المساعدات".

أهميته للكرد اكثر

يقول كاظم ال مبارك الوائلي، وهو كاتب وسياسي أميركي من اصل عراقي: "لا اعتقد أنّ لهذا المعبر أهمية على النحو السياسي، ولكن اللوبي الكردي في واشنطن اقنع الأميركيين بأنّ هذا المعبر هو ( سلة الطعام) للكرد بعد ان (قطع العبادي عنهم كل شيء) حسب قولهم. لذلك فالأميركيون يحاولون ان يعطوا شيئًا للكرد بعد ان (خذلوهم)".

يضيف: "حسب رأيي ليس للأميركيين أي اهتمام به، فهو معبر عادي حاله حال كل المعابر، وان كان غير شرعي، اما ما قصده العبادي بكلامه للأميركيين “هل لكم حصة فيه؟” فهو سؤال جداً عادي معناه ان هذا المعبر عراقي وليس لأي دولة او أحد ان يتدخل في موضوعه".

ستة مليارات دولار سنوياً

يؤكد الخبير الامني اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف، ان معبر فيشخابور يمثل مشكلة.

يقول: "هذا المعبر منذ عام 1991 تحت سيطرة الاقليم، أي منذ 26 سنة، وهم يديرون هذا المعبر الذي يدر اموالاً رهيبة بمليارات الدولارات، وهناك احصائيات تركية تتحدث عن ستة مليار دولار سنويا، وهذا مبلغ هائل، ولا نعرف اين تذهب هذه الاموال، فليست هنالك سلطة للرقابة المالية للوصول الى صرف هذه الاموال وابوابها والى اين تذهب، فيما حصة الحكومة الاتحادية لم تصل طيلة هذه السنين بكاملها".

يضيف: "لدينا اربعة منافذ رسمية في الاقليم وهناك 25 معبرًا للتهريب، هناك تدمير للاقتصاد الوطني عن طريق هذه المنافذ، والاقتصاد الوطني بحاجة الى كل شيء ولكن الحكومة العراقية لا تستطيع الوصول الى هذه المعابر".

لتهريب النفط

ويقول الصحافي علاء الشمري إنّ هذا المعبر "غير شرعي لكنه في الاصل (معبر نفطي) تعبر من خلاله شحنات النفط المهربة التي تبلغ 600 الف برميل يوميا من كردستان الى تركيا باتجاه ميناء جيهان على بحر ايجة وتعتبر اسرائيل اكبر مستورديه، لذلك تدخل الاميركيون فيه من اجل استمرار تهريب النفط وبالاسعار البسيطة جدا، وبالتأكيد ان الاميركيين يخضعون لضغوط اسرائيلية من اجل ان لا يكون المعبر تحت سلطة الحكومة الاتحادية".

ويضيف: "توجد في المعبر حركة تهريب باتجاه سوريا عبر جسر حديدي، وهذه فائدتها كبيرة لاقليم كردستان لانه يقع على مثلث دولي، وانا اعتقد ان ما بذلته حكومة كردستان من ضحايا وجهد في الصراع مع الحكومة الاتحادية اكبر مما بذلته على كركوك لان فيه من الاسرار اكبر من كونه معبر تهريب غير شرعي".

أطماع شخصية

من جانبه، يقول الإعلامي نبيل جاسم: "ليس في نية مسعود بارزاني تسليم معبر فيشخابور بطريقة سلمية وامتثالاً للدستور العراقي لسببين رئيسيين، اولهما خسارة المنفذ النفطي الخارج من اربيل الى فيشخابور، وبالتالي توقف كل عمليات تهريب النفط غير الشرعية، والسبب الثاني ان الصدام المسلح واراقة الدماء مشروع فوضى يخدم أهداف رئيس الاقليم لتوظيف هذه الدماء في إطالة امد الصراع واستدرار العواطف القومية".

مشاكل إنشاء معبر فيشخابور

مدير العمليات العراقية المشتركة الأسبق اللواء المتقاعد غازي عزيزة، شخّص (مشاكل إنشاء معبر فيشخابور وتعارضه مع الدستور) بالقول: "حسب الدستور تعتبر فيشخابور أرضًا تابعة لإقليم كردستان ومن ضمن مسؤولية محافظة دهوك، ومن كتب الدستور وصوت عليه بكلمة نعم أعطى الحق لإقليم كردستان بأن تجاور بمفردها للدولة التركية بمحافظتي أربيل و دهوك، ومنع عرب العراق من التنفس إقتصادياً ونفطياً مع تركيا إلا بموافقة الكاكا!"

وأوضح: "محاولات القوات المسلحة العراقية للوصول إلى فيشخابور لا أعتقد أنها لغرض فتح معبر جديد، وإنما لغرض الوصول بأسهل الطرق إلى منفذ إبراهيم الخليل والسيطرة عليه مع تغيير سير الشاحنات من إبراهيم الخليل إلى فيشخابور مرورًا بتلعفر ووصولاً للموصل ومن دون المرور بـ"زاخو"، على حدّ تعبيره.