دان المرصد الاشوري لحقوق الانسان الْيَوْم الانتهاكات التي تجري في مناطق تواجد المسيحيين في شمال العراق منذ اللحظة الاولى لخروج تنظيم داعش منها، واتُهم بعض الأطراف العراقية الشيعية، وقال أن لها "تاريخ حافل بدعم مباشر من قبل ايران بتغيير ديموغرافية المنطقة ذات الأكثرية المسيحية".

وعبّر جميل دياربكرلي مدير المرصد عن أسفه حيث "لاتزال هذه السياسات بالاستمرار وسط صمت الحكومات العراقية المتعاقبة المائلة لمباركة هذا المشروع ضمنيا". 

وقال في لقاء خَص به "ايلاف" أن "هذه السياسات لم تقف عند هذا الحد ، فاليوم في بغداد وبالتحديد في البرلمان العراقي الذي يخرج علينا كل يوم بقرارات لا تختلف نهائيا عن ممارسات واحكام داعش كقانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يبيح الزواج بالقاصرات والأطفال ، قانون منع بيع المشروبات الروحية، قانون البطاقة الوطنية الذي ينكر على المسيحيين هويتهم القومية وتطال ايضا معتقداتهم الدينية ."على حد تعبيره .
وأضاف" كل هذه الأمور بالاضافة الى عدة ممارسات تسهل اقتلاع المسيحيين من جذورهم وتجعلهم يتركون العراق الى دون عودة".

ولكن أكد " أن العراق سيخسر الكثير مالم يتحرك ويحافظ على بقايا الوجود الاشوري /المسيحي على ارضه ، سيخسر تاريخيا وحضاريا وستتدمر صورة الفسيفساء العراقي المتنوع الذي عرف به عبر التاريخ ولن تعود الى لابد لتوضع محلها صورة الصراعات المذهبية".

وتعرّض مسيحيّو سهل نينوى/شمال العراق إلى التهجير القسري من مناطقهم بعد إستيلاء تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على بلداتهم وقراهم في 6 آب( اغسطس ) عام 2014، فيما كانوا "يعانون من الكثير من التهميش والإقصاء من الوظائف والخدمات الإدارية واليومية، بالإضافة إلى مواجهتهم لمشكلة التغيير الديموغرافي من قبل "الشبك الشيعة"، وفي الوقت ذاته كانوا يعانون من إهمال الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق لهم ولمناطقهم، فتعرضوا ولازالوا إلى الكثير من المشاكل الأمنية من عمليات خطف وقتل وابتزاز "، بحسب بيان للمرصد .

وبتاريخ 23 تشرين الأول (اكتوبر) 2016 حرّر الجيش العراقي والقوات الحليفة له منطقة سهل نينوى، التي كانت عبارة عن منطقة منكوبة بكل معنى الكلمة كما أعلنها البرلمان العراقي، دون أن يترجم هذا الإعلان على ارض الواقع من حيث إعادة الإعمار، وعودة المهجرين والنازحين حتى تاريخ كتابة هذا التقرير. 

ولكن قال بيان المرصد أن "المسيحيين من سكان المنطقة عادوا إلى منازلهم المحروقة والمسروقة والمهدّمة، وبدأوا بإعمارها على نفقتهم الخاصة، والبعض الأخر على نفقة الكنائس.وقد رافق تحرير المنطقة من تنظيم داعش الإرهابي إنتشار كثيف لمجموعات مسلحة غير منضبطة أغلبها منضوي تحت راية مليشيا الحشد الشعبي، وقاموا في بداية الامر بسرقة البيوت وحرقها كما حصل قي بلدة بغديدا (قضاء الحمدانية)، ورفع الأعلام والشعارات الطائفية الخاصة مثل رفع اعلام طائقية على دير ماركوركيس التاريخي في مدينة الموصل، وفرض سيطرتهم على المناطق التي يسكنها المسيحيون في سهل نينوى، بالإضافة إلى مضايقة وابتزاز السكان على الحواجز الأمنية التي اقاموها على مداخل ومخارج وداخل البلدات والقرى المحررة". 

وقد أفاد أحد المقاتلين المسيحيين في مليشيا الحشد الشعبي لمراقبي المرصد الآشوري لحقوق الإنسان بهذا الشأن مايلي : " في مطلع شهر كانون الأول ( ديسيمبر) 2016 قام أحد المقاتلين في لواء 30 الشبك في سيطرة بلدة برطلة بإيقاف سيارة نوع (bus) كانت تنقل الكادر الصحي القادم من عنكاوا، والذاهب إلى مستشفى الحمدانية، وأسمعهم كلمات نابية مطالباً النساء بتغير ديانتهم أو الزواج بعناصر لواء 30 " على حد وصفه.

وفي بلدة برطلة أيضا ، والتوثيق لذات المرصد، أن البلدة " ذات الغالبية المسيحية تم الإستحواذ على بعض الأراضي، وكتابة عبارات طائفية مستفزة على جدران البلدة كـ (برطلة للشبك)، بالإضافة إلى ترهيب السكان واجبارهم على بيع ممتلكاتهم".

 واعتبر المرصد أن كل " هذه الممارسات كان الهدف الاساس منها إبعاد مسيحيّ برطلة عن مناطقهم، وفرض نفوذ الشبك الشيعة على هذه المناطق، وفي وقت سابق بنى هؤلاء مدرسة في البلدة اطلقوا عليها اسم (الخميني) وذلك امعاناً في سياسة التغيير الديموغرافي والتضييق على مسيحيي المنطقة".

وأشار البيان الى " أن التغلغل المباشر متواجد حتى هذه اللحظة بطرق مدعومة من قبل قوى عراقية مشاركة في السلطة، ودول مجاورة.".

وفي موقف آخر ومحاولات متكررة استفزازية "قام أحد عناصر "لواء 30 الشبك" ببناء منزل مقابل كنيسة في بلدة كرمليس المسيحية على أرض تملكها البلدية، وبعد أن قامت البلدية بهدم المنزل المخالف، قام الشبك الشيعة بترويج فيديو هدم المنزل المخالف، وأصبحوا يستفزون المسيحيين في سيطراتهم أثناء مرور السكان من خلالها، وبعد هذه الحادثة تم رفع أعلام وشعارات طائفية استفزازية مقابل الكنيسة في كرمليس".

وفي السياق ذاته أفاد عدد من النازحين من سكان المنطقة (تحفظ المركز عن ذكر اسمائهم) لمراقبي المرصد الآشوري لحقوق الإنسان بأنّهم لن يعودوا إلى برطلة ثانية لو بقي الحال على ماهو عليه، واستمرار سيطرة الشبك على مناطقهم، وعدم إحترامهم لخصوصية المنطقة وشعبها، وسط ما أسماه المركز "الصمت المريب للحكومة العراقية على ممارساتهم في إذلال المواطنين العراقيين".مشيرين في افادتهم الموثقة أن "ما يحصل اليوم من انتهاكات بحق الوجود المسيحي في برطلة ليس وليد اليوم بل يعود إلى أكثر من أربعة عشر عاماً مضت مع الشبك من المضايقات واعتداءات على اراضي البلدة".

وفي حين أعرب المرصد الآشوري لحقوق الإنسان " عن قلقه "حيال ما يطال الكلدان السريان الآشوريين/ المسيحيين في العراق ، فقد طالب "الحكومة العراقية في بغداد بوضع حدّ فوري لهذه الانتهاكات، ووقف سياسات التغيير الديموغرافي في المناطق المسيحية في شمال العراق، وتحملّ مسؤولياتهم الدستورية والقانونية والاخلاقية حيال مواطني العراق، من خلال العمل على حمايتهم وصون حقوقهم التي كفلها الدستور العراقي، والقوانين الدولية ذات الشأن منها الإعلان الصادر عن الامم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية، وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية".

وذّكر بنصوص" المادة الثامنة من اعلان حقوق الانسان الذي يؤكد أن للشعوب الأصلية وأفرادها الحق في عدم التعرض للدمج القسري أو لتدمير ثقافتهم كما أن على الدول أن تضع آليات فعالة لمنع ما يلي والانتصاف منه بمعنى أي عمل يهدف أو يؤدي إلى حرمان الشعوب الأصلية من سلامتها بوصفها شعوبا متميزة أو من قيمها الثقافية أو هوياتها الإثنية، وأي عمل يهدف أو يؤدي إلى نزع ملكية أراضيها أو أقاليمها أو مواردها، وأي شكل من أشكال نقل السكان القسري يهدف أو يؤدي إلى انتهاك أو تقويض أي حق من حقوقهم ،وأي شكل من أشكال الاستيعاب أو الإدماج القسري ، وأية دعاية موجهة ضدها تهدف إلى تشجيع التمييز العرقي أو الإثني أو التحريض عليه".

 وفي الوقت ذاته توجه المرصد إلى هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية صاحبة الاختصاص والإتحاد الأوروبي "بتقديم الحماية الدولية للشعب الكلداني السرياني الآشوري / المسيحي بموجب "مبدأ الحماية الدولية" الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005، وذلك عبر فرض منطقة حماية آمنة تخضع لإشراف الأمم المتحدة بواسطة قوات سلام أممية، تشارك في إدارة شؤونها جميع مكونات المنطقة، مما يحفظ السلم الأهلي، ويعيد النازحين والمهجريين إلى قراهم وبلداتهم، وبالتالي يوقف العمليات الممنهجة والهادفة لاقتلاع هذا المكون من أراضيه التاريخية".