دعونا نتفق بداية بان العقيدة ليست بالضرورة الدينية فقط بل كل شيء يؤمن به الإنسان ويحيله إلى برنامج عقائدي يعمل على التميز في تطبيقه ومنه بالتأكيد العقيدة الدينية والسياسية والقومية، والبداوة ليست تلك القيم التي يتداولها البعض عن الكرم والشجاعة، بل هي ذلك السلوك البدائي الذي يؤشر مرحلة متخلفة من حياة البشر في تقسيمات حقب التطور الإنساني من البداوة إلى المدنية المعاصرة،مرورا ببقية المراحل التي مرت بها البشرية حتى وصلت إلى ما هو عليه الآن من حضارة وقيم خلاقة، رغم إصرار البعض على التقهقر دوما إلى الوراء ببقايا تلك الثقافات الآيلة للسقوط والاندثار.

وليس ببعيد عنا في تاريخنا المعاصر ما يُظهر بقايا تلك الأفكار وأنماط السلوك البدائي وممارساته، على خلفية بدوية بدائية مشبعة بهمجية لا مثيل لها حتى في مراحل البدائية الأولى وبداوتها، وهذه الأنماط من السلوكيات ليست لها هوية قومية أو دينية معينة، بل تعكس الجوانب المظلمة في معظم المجتمعات، فقد رأيناها في رواندا وصراعاتها القبلية البربرية التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وأدركنا مذابح الخمير الحمر في كمبوديا ومثلها في لبنان وفلسطين وكوردستان وجنوب العراق ووسطه، وقبل ذلك في أوربا وحروبها الداخلية أو العالمية، وما حصل للهنود الحمر في أمريكا وفي كثير من بلدان العالم المتمدن الآن، إنها حقا حقبة سوداء في تاريخ البشرية، والأكثر منها سوادا وكارثية هو استنساخها دينيا أو مذهبيا أو قوميا، كما فعلت منظمة داعش التي جمعت ولملمت في هياكلها كل العنصريين القوميين والمتطرفين الدينيين والمذهبيين، بل وحتى المناطقيين بخلفيات تتحكم فيها الكراهية والحقد الأعمى لكل من يخالفها الرأي.

ونظرة فاحصة لبيئات انتماء عناصرها يؤكد انتشارها في المجتمعات القبلية والأمية الأبجدية والحضارية وفي مناطق الفقر المدقع، حيث يتم استغلال كل هذه المواصفات من قبل مجاميع فاشية،يعاني اغلب عناصرها من إشكاليات سيكولوجية وفكرية، اقرب ما تكون إلى السادية والسايكوباث، كما ظهر في عمليات التقتيل الذي تتفنن تلك العناصر بتنفيذه ذبحا أو خنقا أو حرقا أو إغراقا، بل إنها حتى في هذه الطرق تنحو إلى تفاصيل مقززة في القتل كما في عمليات الذبح بسكاكين مثلومة لمضاعفة آلام الضحايا والتمتع بصيحاتهم وآهاتهم، وكذا الحال في عمليات الشوي بالنار حتى الموت، أو الإغراق التدريجي للضحايا، أو تقطيع الأوصال حتى الموت.

هذا النمط من السلوك المتوحش لم يلد ليلة أمس، بل هو تراكم هائل لسلوكيات وأفكار وعقائد أنتجته صحراء الفكر وحضارة الغزو والقتل والسبايا والاغتصاب، وإباحة الآخر المختلف تحت أي مسمى كان سواء ديني أو عرقي أو فكري أو سياسي، وإن كان قد استبدل عناوينه ومسمياته لكنه ما يزال يحمل تلك العقيدة البدوية البدائية التي يترجم تفاصيلها بهمجية أدركنا سلوكياتها في حلبجة والأنفال وبعد ذلك في نسختها المعدلة في سبايكر وسنجار وسهل نينوى وأخيرا في نموذج هو الأكثر خبثا وعدوانية في حصار كوردستان منذ 2014م وحرمانها من عصب الحياة بقطع حصتها من الموازنة والمعاشاتلإعدامها بشكل جماعي وتدريجي.

حقا صدق من قال: إن الكثير من حاكمي العراق كانوا ملائكة في سلوكهم قبل أن يتسنموا مقاليد الحكم، لكنهم أصبحوا شياطيناوطغاةً حينما جلسوا على كرسي السلطة!؟

هل هي جينات تلك البداوة المتكلسة في مفاصل شخصياتهم، أم هي ثقافة التفرد والطغيان البدائي!

 

[email protected]