نتذكر جيدا قبل اجراء الإستفتاء في إقليم كوردستان والذي أجري يوم 25 أيلول 2017، وشمل محافظات الإقليم ( اربيل , السليمانية ,دهوك وحلبحة )، بالإضافة إلى مدينة كركوك (التي تنتج قرابة ثلثي نفط الإقليم ) 

وسهل نينوي وقضاء سنجار، وخانقين وجلولاء التابعتين لمحافظة ديالى, قبل إجراء الإستفتاء بدء العالمَ أجمعَ يهرع الى إقليم كوردستان : امريكا , فرنسا , بريطانيا , كندا , الاتحاد الاوروبي , المانيا , السويد , ايران , تركيا , المملكة العربية السعودية , جمهورية مصر العربية وباقي الدول الاقليمية والعربية والاسلامية وغيرها, لكن ليس من اجل حماية الإقليم واحترام قرار الشعب في تقرير مصيره والاعتراف بالإستفتاء على انفصال إقليم كوردستان العراق كشكل من اشكال حق تقرير المصير, باعتباره واحدا من اهم الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الأولى من العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبالحقوق المدنية والسياسية والصادرين عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1966 , حيث اكدتا على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها وحرية تقرير مركزها السياسي . ، وإنما من أجل اقناع السيد البارزاني للتراجع عن قرار اجراء الإستفتاء وما يترتب على هذه الخطوة من نتائج سياسية، وجيوسياسية، وديموغرافية واقتصادية، على اساس أن (المسألة الكوردية ) تتجاوز حدود العراق الحالية ، وتؤثر في أوضاع عدد من الدول الجوار ومنها ( سوريا وتركيا وايرن ) , فعلى سبيل المثال ان الدول الكولونيالية الإقليمية المجاورة , ومنها ايران واصلت منذ سقوط النظام البائد في دعم الحكومات العراقية المتعاقبة لمصلحتها وللإستفادة من العراق كموقع وكدولة , في تحشيد موقف إقليمي عام ضد الضغوط الامريكية ( بشأن برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي ), وحلمها التوسعي لبسط نفوذها في المنطقة من خلال أذرعها الميليشاوية القوية في العراق وسوريا ولبنان واليمن منها ( ميليشيات الحشد الشعبي , تلك الميليشيات التي تدعمها وتدربها وترعاها أيران وحركة حماس، والجهاد الإسلامي، وميليشيا حزب الله والحوثيين في اليمن ) لتحقيق حُلم (الهلال الشيعي )(1 ) من جهة , و الوقوف بوجه ولادة الدولة الكوردستانية المستقلة والتي تؤثر على امنها القومي وتكون قاصمة لما يسمَّى بالهلال الشيعي . 

وهنا لابدَ من التاكيد على إن تجربة اكثر من مائة عام من نضال الشعب الكوردستاني من اجل حق تقرير مصيره ، مليئة بالفشل الذريع والانتكاسات والتراجع والكوارث والحروب والخيانات وسحق كل محاولة للمطالبة بالحقوق المشروعة , وان انتكاسة 16 تشرين الاول 2017 اثبتت من جديد بان لعنة الجغرافيا ولعنة النفط ولعنة الخيانة هي السبب الرئيسي وراء الإنتكاسات الكوردية عبر التاريخ , وان اعتراضات الخارجية ( الإقليمية والدولية ) على اجراء الإستفتاء من جهة , والاجتياحات العراقية وفرض العقوبات الجائرة على إقليم كوردستان و تعرض الشعب الكوردستاني في المناطق المتنازع عليها وخاصة في (طوز خورماتو وكركوك) الى التهجيرو الفرهودوحرق المنازل وتدميرها ( راجع التقارير الدولية ) , اضافة الى الاتفاق السري الذي جرى بين السيد (بافل الطالباني )، وزعيم مليشيا "منظمة بدر" في "الحشد الشعبي السيد( هادي العامري ) بشأن انسحاب قوات (بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني المعروفة بـ(قوات وحدات 70 ) من مواقعها في كركوك , وتسليم المدينة والمناطق المتنازع عليها للحشد الشعبي بدون علم الجهات الكوردستانية المعنية الاخرى , خير دليل على ذالك.

رسالة الوداع الاخيرة : 

بعد انتکاسة ١٦ تشرين الاول ، وما ترتب عليها بعد ذلك من إجراءات القطيعة وإغلاق الحدود وفرض الحصار وتموضع القوات العراقية والحشد الشعبي في كركوك والمدن والمناطق المتنازع عليها , وانتشار القوات الاتحادية في المعابر والمخافر الحدودية , ، أعلن السید مسعود البارزاني فى رسالتةً التي کانت مختلفةً من حيث المعنى والمضمون عن رسائله في السنوات الأخيرة، والتي لم تكن في حقيقة الأمر موجهة إلى ( يرلمان كوردستان ) بقدر ما هي موجهة إلى (بغداد والدول الإقليمية والدولية ) ,حيث اعلن البارزاني خلالها أستقالته من منصبه , وقال في رسالته التي تليت، في افتتاح جلسة مغلقة لبرلمان كوردستان : (بعد الأول من تشرين الثاني، لن أستمر في هذا المنصب، وأرفض الاستمرار فيه، ولا يجوز تعديل قانون رئاسة الإقليم، وتمديد عمر الرئاسة".

وطلب البارزاني من البرلمان اتخاذ الإجراءات لملء فراغ السلطة في إقليم كردستان بعد انتهاء فترته الرئاسية) ,ارسل البارزانی فی خطابه اکثر من رسالة ، فعلى المستوى الشعبي اکد بانه كان وسيبقى مقاتلاً في قوات (البيشمركة) , وإنه سيواصل العمل من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققتها كوردستان ، و أن (الخيانة العظمى )(2 ) كما سمّاها بالإشارة الى إقدام (جناح الطالباني ) على تسليم كركوك الى ميليشيا (الحشد الشعبي) التابعة لإيران هى التى أدت إلى الانتكاسة وفقدان قوات البیشمه ركه السيطرة على کرکوک والمناطق( المتنازع عليها) , وفي هذا اشارة واضحة الى الانقسامات والخيانات الكوردية والسائدة دائما في مسيرة الأمة الكوردية بدءً بمعارك (جالديران عام 1514 , مرورا بثورة الشيخ عبيد الله النهري ) (راجع الجزء الاول من المقال ) وانتهاءًا بنكسة 16 تشرين الاول 2017 . 

ما على المستوى الدولي ,اکد البارزاني في رسالته علی مقولة ذائعة الصيت ومنتشرة بشدة وتضرب للتدليل علي خيانة الدول العظمى وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية التي مارست عبر التاريخ سلسلة طويلة من الخداع والغدر والخيانة والوعود الوهمية تجاه الكورد , اكد البارزني ان (لا صديق للشعب الکوردي غير الجبل) وفي هذا إشارة ورسالة واضحة لتخلي الحليف الامريكي والمجتمع الدولي عن الكورد على مر التاريخ وخصوصا بعد الاتفاقات الدولية التي قسمته على اربعة اجزاء , من جهة , واستمرار النضال والمقاومة من جهة ثانية , باعتبار إن أول رصاصة انطلقت بالثورة الكوردية من جبال كوردستان . 

کما اکد البارزاني من خلال رسالته أن الإستفتاء لا يمكن محوه أبداً , باعتبار ان قرار الإستفتاء هو قرار الشعب الكوردستاني وليس لشخص واحد أو حزب معين , وفي هذا إشارة واضخة لشرعنة نتائج الإستفتاء بالرغم من الضغوطات المحلية والإقليمية والدولية لالغائها.

 

اسباب اصرار مسعود البارزاني على اجراء الإستفتاء : 

هناك جملة من الأسباب شجعت البارزاني على المضي قدماً في مغامرته غير مضمونة النتائج , واقصد مغامرة ( إجراء الإستفتاء على الانفصال من طرف واحد) منها :

1 ـ أحوال العالم العربي والشرق الاوسط ومعها الوضع الهش العراقي وظروف الحرب السورية والصراع مع ايران والفوضى والتدخلات الدولية و الحروب الأهلية والإرهابية في المنطقة وتحديدا في (العراق و اليمن وليبيا وسوريا ), والدعم العسكري والاقتصادي المُقدم من الغرب لقوات البيشمركة في معاركها ضد تنظيم الدولة، كذلك الدعم السعودي وخاصة بعد ان فجر السيد اللواء الدكتور ( أنور ماجد عشقي ـ مدير مركز الشرق الاوسط للدراسات بالسعودية )(3 ) مفاجأة غير متوقعة حول موقف الرياض من إستفتاء كوردستان والذي قال نصا : ( ان السعودية لا تقف أمام إرادة الشعوب، وأنا أرى أنه ( من حق الأكراد أن يكون لهم دولة ) ، وإذا كان هذا الأمر سيتسبب في مشاكل كبيرة في المنطقة، فيجب أن يؤخذ بحكمة بالغة ) 

واشار ( عشقي ) إلى : أن الحكومة العراقية أمعنت في تهميش الأكراد، كما أنها لم تلتزم بالدستور كما قال البارزاني، وقسمت العراق إلى أعراق وطوائف، وإذا استمرت الحكومة العراقية بنفس النهج فقد تقسم العراق لأكثر من قسمين) . 

وبطبيعة الحال، إن هذه الاسباب، إضافة إلى أسباب اخرى سيرد ذكرها في هذه الدراسة ، شجعت القيادة السياسية الكوردستانية على وجه عام والبارزاني تحديدا، لأخذ زمام المبادرة لاقتناص الفرصة التاريخية لفرض شروطه على بغداد لارغامها على قبول نتائج الإستفتاء كأمر واقع (للطلاق العقلاني الناجح ) بعد ان فشل الشراكة الاختيارية بين الإقليم والمركز , ووصلت العلاقة إلى نفق مسدود و التنسيق وصل لدرجة (تحت الصفر) , بسبب الصراع على المكاسب والصفقات المشبوهة والفساد وصعوبة تحقيق إنجازات كبرى في ملفات عالقة بين الجانبين منذ سقوط الصنم ولحد كتابة هذه الكلمات ، على رأسها المناطق المتنازع عليها و ملف قانون النفط والغاز وملف البيشمركة وملف الموازنة العامة والايرادات والممثليات والخ , لهذه الاسباب اعتبرالبارزاني إن الإستفتاء هو بديل ومفتاح لحل هذه الازمات العالقة والمستعصية بين الجانبين . 

*( اتطرق باختصار في الجزء القادم إلى تكملة اسباب إصرار البارزاني على اجراء الإستفتاء ووقوعه في فخ الاصدقاء والحلفاء قبل الاعداء ) .

يتبع 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ اطلق الملك الأردني عبدالله الثاني بن الحسين اسم "الهلال الشيعي" على المشروع الإيراني الهادف لإنشاء طريق بري يصل بين إيران وسوريا مروراً بالعراق بهدف تأمين خط إمداد للنظام والميليشيات المدعومة إيرانياً وعلى رأسها ميليشيا "حزب الله" اللبناني.وذلك بهدف توفير الدعم اللوجستي للميليشيات الموالية لإيران في المنطقة. وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية، نشرت تقريرا ، أكدت خلاله تعديل إيران خط سير إمداداتها في سوريا، نحو 180 كيلومتراً باتجاه الجنوب في عمق الأراضي السورية، لتحاشي مواجهة قد تنشب مع القوات الأميركية التي تساعد في الحرب على "تنظيم الدولة"، وتدعم القوات الكوردية في( روز افا ), وحسب الصحيفة، فإن التغييرات الأخيرة أمر بها (قاسم سليماني )قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، و(هادي العامري) قائد ميليشيات "الحشد الشعبي"، و الطريق الذي اختير حديثاً يعبر من (دير الزور إلى السخنة وحتى تدمر، ثُمَّ دمشق، باتجاه الحدود اللبنانية )، حيث يمكن تحقيق الهدف الرئيسي لدعم ميليشيا "حزب الله" اللبناني عن طريق المقايضات الديمغرافية.

2 ـ بعد نكسة 16 تشرين الاول 2017 كشف النائب عن كتلة التغيير( كوران ) في البرلمان العراقي السيد (مسعود حيدر)، عن مضمون الاتفاق السري الذي جرى بين السيد (بافل الطالباني ـ نجل الرئيس الراحل جلال طالباني) ، وزعيم مليشيا "منظمة بدر" في "الحشد الشعبي السيد( هادي العامري ) وبإشراف رئيس الوزراء العراقي السيد (حيدر العبادي )، ووساطة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، (قاسم سليماني ) بشأن انسحاب قوات (بيشمركة الاتحاد الوطني الكوردستاني المعروفة بـ(قوات وحدات 70 ) من مواقعها في كركوك , وتسليم المدينة والمناطق المتنازع عليها للحشد الشعبي الذي شن هجوماً واسعاً بقيادة ضباط من «الحرس الثوري» على المدينة باستخدام أسلحة أميركية متطورة, وحسب نصريح النائب ( مسعود حيدر ) نص الاتفاق المذكور على : ( إعادة المناطق المتنازع عليها إلى الجيش العراقي". و"تسليم 17 وحدة إدارية (الأقضية والنواحي ومركز كركوك) من التي تديرها حكومة الإقليم بعد العام 2014 إلى السلطة الاتحادية، وإذا لم يتم تسليمها ستطالب بغداد بـ11 وحدة أخرى، كانت قد سيطرت عليها البيشمركة في العام 2003". كما أن "مركز مدينة كركوك سيكون تحت إدارة مشتركة، وسيدير الأكراد 15 حياً فيما تدير باقي المكونات الأحياء الـ25 الأخرى، وستستمر هذه الحالة ستة أشهر". كما "ستدير الحكومة الاتحادية المقرات الحيوية (المطار، وقاعدة k1، والمنشآت النفطية)". و"فتح حركة الملاحة الجوية الدولية في مطار السليمانية". على أن "تقوم الحكومة الاتحادية بدفع رواتب الموظفين في السليمانية وكركوك". و"تشكيل إقليم (حلبجة-السليمانية-كركوك) وتشكيل حكومة للإقليم الجديد ) .

3 ـ اللواء الدكتور المتقاعد أنور ماجد عشقي هو ضابط استخبارات وجنرال متقاعد من القوات المسلحة السعودية وعضو مجلس الشورى السعودي السابق، وحاليا مستشار باللجنة الخاصة بمجلس الوزراء السعودي و رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالشرق الأوسط في مدينة جدة .