تراهن اطراف عديدة ومن بينها دول عربية مهمة على المواقف الامريكية المتشنجة ضد ايران لاسيما المتعلقة منها بتقليم اظافر الأسد الإيراني والتصدي لتمدده السياسي والعسكري في عموم منطقة الشرق الأوسط دون التمعن في السياسة الامريكية على الأرض كما حدث خلال اجتياح القوات العراقية لأراضي كوردستان المغتصبة بتنسيق وتعاون كامل مع الحرس الثوري الإيراني وتحت اشراف قياداته التي لم تكن بحاجة الى إخفاء تواجدها في مدينة كركوك مع وجود الضوء الأخضر الأمريكي الذي يظهر بوضوح مدى التناغم بين السياسة الامريكية الحقيقية وبين توجهات ايران الإقليمية وسيطرتها شبه المطلقة على زمام الأمور والحكم في العراق.

كثيرة هي الأسباب الموجبة للسياسة الامريكية هذه ومنها ان الصراع السني الشيعي الذي اعيد اكتشافه واستغلاله يجب ان يستمر ولا يمكن للولايات المتحدة الامريكية ان تفرط باي من الطرفين لإبقائهما داخل الأطر التي تتفق ومصالحها ناهيك عن ان مجموع الحركات الإرهابية ولدت وترعرعت من داخل الحاضنة السنية على عكس التشيع الذي وقف علنا ضد الإرهاب المنظم واتخذ اشكالا أخرى للتدخل والتمدد هنا وهناك الامر الذي اضطر الولايات المتحدة الامريكية الى اصدار بعض القرارات حول حصار ايران الاقتصادي واتهام عدد من المسؤولين الإيرانيين بالإرهاب دون ان تتخذ اية إجراءات ملموسة ضدهم.

التناغم والتماهي الأمريكي مع جوهر السياسة الإيرانية يتجلى بوضوح في الدعم اللامحدود للسيد العبادي اذ يبدو انها وضعت كل ما لديها من بيض في سلته والذي يتجه بسرعة نحو بناء نظام دكتاتوري طائفي مزوق ببعض الشعارات الرنانة عن وحدة العراق ومحاربة الفساد وما الى ذلك مع ان أي مواطن عراقي اعتيادي يعرف حقيقة ان السيد العبادي لن يخرج مطلقا عن إرادة طهران والسياسة المرسومة له بحكم طائفيته وانتمائه الحزبي وكل مواقفه المرنة المسايرة لواشنطن هي لذر الرماد في العيون ومع ذلك تواصل مراكز القرار الامريكية تقديم العون والتأييد له حتى اذا اقتضى الامر التضحية بصداقة وثقة شعب كوردستان وما قدمه للمجتمع الدولي والإنساني من تضحيات في التصدي للإرهاب العالمي والسماح لقوات العبادي المدعومة إيرانيا باجتياح كوردستان ووأد التجربة والمشروع الديموقراطي فيها.

المراهنة على المواقف الامريكية النفعية والمصلحية بامتياز لن يحل مشاكل المنطقة ولا يخدم مصالح شعوبها ومن المفروض ان تعيد القوى الإقليمية النظر في طريقة تعاملها مع هذه المواقف بالاستفادة من التجربة الكوردستانية التي كانت احدى ضحايا هذه السياسة التي تتستر بالشعارات البراقة عن الديموقراطية وحقوق الانسان والعدالة ومبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون.

[email protected]