اسباب إصرار مسعود البارزاني على إجراء الإستفتاء: 
هناك جملة من الأسباب شجعت مسعود البارزاني على المضي قدماً في مغامرته غير مضمونة النتائج، واقصد مغامرة إجراء الإستفتاء على الإنفصال من طرف واحد، في الجزء السابق تطرقت الى بعض منها وفي هذا الجزء اتطرق الى اسباب مهمة اخرى يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1ـ اكتشف البارزاني مبكراً أن المواجهة الدموية الاخيرة التي شهدتها مدينة كركوك والمناطق المتنازع علیها بين القوات العراقية المساندة من المليشيات الشيعية التي تدعمها وتسلحها وتدربها إيران، وقوات البيشمركة كانت متوقعة جدا، وان القيادة السیاسیة الکوردیة کانت تشعر بالقلق من الميول والاطماع التوسعية للمليشيات الشيعية المدعومة من إيران والتي تقاتل لصالح المشروع الطائفي الإيراني وتحديدا في (المناطق المتنازع عليها) و التي وردت في المادة( 140 )(1 ) من الدستور العراقي، وتقع (غرب وجنوب وشرق إقليم كوردستان)، وعليه اعتبر البارزاني ان إجراء الإستفتاء في موعده المقرر( بالرغم من الضغوطات الدولية والإقليميه والداخلية لتاجيله ) يعد مطلبا وطنيأ ملحأ وذالك بسبب فشل الشراكة الحقيقية مع بغداد وتنصلها من تطبيق المادة (140 ) من الدستور العراقي. (راجع تصريحات البارزاني قبل اجراء الإستفتاء). 
2 اعتقد البارزاني ان الاطراف الدولية لاتعارض الاستفتاء وإنما ترى الوقت غير مناسب فقط. 
3 بعد ان سيطرت قوات البيشمركة على مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد، في خضم فوضى اجتياح تنظيم "داعش" الارهابي عام 2014، عمقت هذه الانتصارات رغبة البارزاني و القيادة السياسية الكوردستانية في الإنفصال وخاصة بعد ان بسطت قوات البيشمركة سيطرتها التامة على محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها.
4 اعتبر البارزاني طلب تأجیل الإستفتاء لعبة مخططة ومؤامرة مفبركة لااقل ولااكثر، كما اعتقد بان الفرصة التاریخیة للإنفصال باتت مھیئة في ظل المتغیرات الخارجية على المنطقة والانقسامات والخلافات الحادة في اوساط الاحزاب العراقية والتناقض بين اطرالمؤسسات الحكومة العراقية، وعليه رأى السيد البارزاني في اجراء الإستفتاء في موعده المقرر مقیاسا لحصول الإقليم على موطىء قدم ضمن الخارطة الجديدة والوضع الجديد وخاصة بعد انتهاء ( مسرحية داعش ) في العراق.
مضافا على ما ذكر أعلاه، نجد من المناسب الالتفات إلى نقطة مهمة للغاية: يجب ان لاننسى ايضأ دور بعض الدبلوماسيين والمستشارين والخبراء الاجانب المقربين من القيادة السياسية الكوردستانية وتحديدا من البارزاني في إتخاذ وحسم قرار إجراء الإستفتاء في موعده المحدد، على الرغم من الضغوط والتحذيرات الدولية المتزايدة والداعية إلى تاجيل الإستفتاء، على أساس أن فرض الأمر الواقع على (بغداد وتركيا وايران والدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية سيجعلها ترضخ له، واعتبروا ان (ولادة كيان كوردي مستقل) في العراق بات امرأ واقعاً ( De Facto )، ومن بين تلك الشخصيات: الجنرال الأميركي المتقاعد، ( بيتر غالبريث )، الذي قال: ( إن استقلال كوردستان أمر حتمي وسيتحقق بالتأكيد)، والفرنسي، (برنارد هنري ليفي) والذي كان حاضرا مع زملائه الاخرين في أحد مراكز الاقتراع في إقليم كوردستان في يوم الإستفتاء، وصهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه( جاريد كوري كوشنر) والذي يتمتع بنفوذ كبير في السياسات الداخلية والخارجية للإدارة الامريكية الجديدة، والذي قال للوفد الكوردي في واشنطن قبل موعد إجراء الإستفتاء باسابيع:( إن للشعب الكوردي أصدقاء في البيت الأبيض )، والباحث الإسرائيلي والمحاضر في جامعة بار ايلان( ايدي كوهين) والذي قال نصأ: ( إن بلاده ستدعم إستقلال إقليم كوردستان مئة بالمئة، في حال الإعلان عنها، مشيرا إلى أن كوردستان ستكون نموذجا للتعايش بين كافة المكونات ) واضاف كوهين: ( أقول للدول الرافضة لإستقلال كوردستان، متى سيكون الوقت مناسبا لولادة الدولة الكوردية برايكم، ألا تكفي 100 عام من الظلم؟، و مهندسي إستراتجية إنفصال الكورد عن العراق السفير الأمريكي السابق لدى العراق، ( زلماي خليل زاد ) الذي يعد من اكثر المتحمسين لإنفصال إقليم كوردستان عن العراق لكونه في مقدمة الفريق الاستشاري الذي اقنع مسعود البارزاني باجراء الإستفتاء في هذا التوقيت، واوهمه بأن العالم كله سيقف معه ومع إقليم كوردستان. 
وقال ( خليل زاد ) لصحيفة( haberturk ) (2) التركية: (من الصعب أن يتراجع البارزاني عن قرار إجراء الإستفتاء إذا لم يكن هناك اتفاق بين واشنطن وأربيل وبغداد، وأن الاستفتاء لا يعني( إعلان دولة كوردية مستقلة على الفور)، ومن مصلحة كافة الأطراف أن يكون هناك اتفاق بين أربيل وبغداد ). 
وحول موقف تركيا من الإستفتاء، أوضح (خليل زاد ): ( أن تركيا رفضت في البداية إنشاء إقليم كوردي في العراق عام 1991، ولا شكّ في أن الجميع يعلم أن الإستفتاء يتعلق بالإستقلال، ولا أعتقد بأن تشنّ تركيا هجوماً عسكريا على الإقليم، فأنقرة وافقت واشنطن في الرأي عندما قالت إن (تأجيل الإستفتاء وليس الغائه ) سيكون أفضل، ورغم ذلك لا أعتقد بأن من الممكن أن يستخدم أحد القوة ضد الكورد ).
أنّ الأمر لم يقف عند هذا الحد، وإنما اطلق ( خليل زاد) تصريحات نارية اخرى بعد اعلان عن نتائج الإستفتاء،وقال فيها: ( ان قائد فيلق القدس قاسم سليماني موجود الآن في العراق من اجل دفع الحشد الشعبي للهجوم على محافظة كركوك والتصادم مع قوات البيشمركة).وكتب (خليل زاد ) على صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر): ( يبدو أن التوتر، بما في ذلك احتمال وقوع اشتباكات بين القوات العراقية والقوات البيشمركة، آخذ بالارتفاع، فيما دعا( خليل زاد ) أمريكا الى التدخل لمنع وقوع اشتباكات بين اربيل وبغداد)، وأضاف: (يجب علينا أن نقنع أصدقاءنا وحلفاءنا الإقليميين وليس فقط بغداد بعدم اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد الإقليم، وأن نتوقع الحوادث الأمنية ونستعد لتقييمها بسرعة والعمل على تجنب التصعيد، وحتى في حال (عدم استجابة القيادة الكوردية لمطالب الولايات المتحدة فإن تبني مسار عقابي أو استراتيجية الانتظار والترقب لا يخدم مصالح واشنطن )، واستطرد ( خليل زاد ) قائلا: ( أن استمرار الضغط الأميركي من شأنه أن يساهم فقط في زعزعة استقرار كوردستان وتقوية الميليشيات التي تسيطر عليها بغداد وإيران، وسيكون لذلك تأثير مماثل على السياسات التركية والإيرانية مما يزيد من احتمال حدوث المزيد من الاضطرابات على نطاق أوسع في المنطقة ) 


ان تصريح ( خليل زاد ) وتصريحات كثيرة اخرى غير المسؤولة لشخصيات اجنبية بارزة في كبريات الصحف الصادرة باللغات الاجنبية شجعت البارزاني على المضي قدماً في مجازفة اجراء الإستفتاء غير مضمونة النتائج، اضافة إلى (جرعة الإلحاح الزائدة )من أطراف واحزاب کوردستانیة على وجه عام و كبار مستشاري البارزاني تحديدا، على ( ضرورة أجراء الإستفتاء في موعده المحدد،بحجة ليس أمام الإقليم خيار اخر غير إجراء الإستفتاء على حق تقرير المصير، باعتبار ان الإستفتاء هو ممارسة ديمقراطية حضارية تعتمد الحوار والتفاوض )، ولکن نسوا أو تناسوا أو لم يدركوا هؤلاء المستشارين والناطقين باسم رئاسة الإقليم، بأن الاقليم ( مطوق ومحاصر برا من جميع الجهات بدول مناوئة لإستقلاله)، وترفض هذه الدول وحكوماتها المستبدة الممارسات الديمقراطية لانها ( تعاني اصلا من أزمة هوية الدولة احادية القومية المفروضة على مجتمع متعدد القومية، والغاء الهوية القوميات الاخرى وحرمانها من ابسط حقوقها )...!! 
.
وكمراقب للشان الكوردي، لا استبعد اطلاقا موقف ودور( تركيا الخفية و التخريبية )ايضأ و الذي ظل محكوما بمصالحها ومطامعها وعدائها للحقوق القومية للشعب الكوردي (داخل وخارج حدودها ) و تحديدا دور وتخطيط ( اردوغان ) في تشجيع البارزاني لاجراء الإستفتاء، ولكن ليس من اجل (الإنفصال)، وانما ( لايقاع البارزاني في فخ كبير يصعب الخروج منه بسلام )، ليضرب اردوغان ضربته الغادرة والقاتلة (لترحيل الحلم الكوردي بالإنفصال إلى أجل غير مسمى ). وفعلا نجح اردوغان افندي في تنفيذ خطته ببراعة، وتحول الإستفتاء من فرصة للاقتراب خطوة من تحقيق حلم الدولة الكوردية الى ورطة كبيرة، وكبيرة جدا...!!

*( اتطرق باختصار في الجزء القادم، إلى واقع منطقة الشرق الاوسط، والعوامل الدولية والاقليمية والداخلية وتاثيراتها على إستفتاء إقليم كوردستان). 

يتبع 
ــــــــــــ
1 تنص المادة 140 من الدستور العراقي على تطبيع الأوضاع في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في المحافظات الأخرى مثل نينوى وديالى، وحددت مدة زمنية انتهت في 31 كانون الأول 2007، لتنفيذ كل ما تتضمنه المادة المذكورة من إجراءات، فيما أعطت لأبناء تلك المناطق حرية تقرير مصيرها سواء ببقائها وحدة إدارية مستقلة أو إلحاقها بإقليم كوردستان عبر تنظيم إستفتاء. 
2 يمكن الرجوع الى أصل الحوار المنشور حصريا في صحيفة( haberturk ) مع السفير الأمريكي السابق لدى العراق، (زلماي خليل زاد) على الرابط التالي: 
http://www.haberturk.com/dunya/haber/1617792-zalmay-halilzad-onumuzdeki-20-yil-suriyede-kurdistan-kurulmaz