تابعت بدقة شديدة ما صدر عن الفعاليات والمؤتمرات، البرلمانية والرسمية، والثنائية والجماعية، التي عقدتها الأطراف العربية والإسلامية منذ صدور قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس، ولاحظت أنها محور التركيز والاهتمام الأكبر انصب على الرفض والشجب والادانة والاستنكار، مع اختلاف النبرة والحدة بين هذا البيان وذاك.

لاحظت أيضاً أن بعض الفعاليات العربية اتجهت إلى ما يوصف بسحب الرعاية الأمريكية لعملية السلام، فيما اكتفى آخرون بحث أطراف أخرى على ان تحل محل الولايات المتحدة في عملية السلام، بينما كررت غالبية البيانات المضامين والمحتوى ذاته.

ثمة إشكالية أخرى تضيف مزيد من التعقيد على الموقف العربي في التعاطي مع الأزمة، ويتعلق بموقف الشعوب، التي يقع الكثير منها تحت ضغوط أمنية ومعيشية تأثرت بسببها ردة الفعل حيال مصير القدس، ناهيك عن أن هناك ظروف أمنية في بعض الدول تحول دون السماح للشارع بالتظاهر خشية اندساس عناصر إرهابية وغير ذلك.

هذا الانكشاف الاستراتيجي يؤكد انحسار البدائل الاستراتيجية العربية في التعاطي مع الأزمة الراهنة بشأن وضعية القدس، وانا هنا لا أنشر الوهن ولا أضعف العزائم والهمم، ولكني أتحدث بواقعية بعد ما أدلى كل بدلوه كما يقولون.

ماذا نحو فاعلون إذاً؟ الواقع يقول إن هناك ازمة حقيقية في البدائل الاستراتيجية العربية المتاحة للتعاطي مع الأزمة، ولكن الموضوعية تقتضي أيضاً القول بأن هذه الأزمة ليست جديدة، وليست عابرة أيضاً، ولكنها الأشد صعوبة مقارنة بما سبق.

هناك تساؤلات تطرح على خلفية هذا المشهد، وفي مقدمتها موقف دول مثل إيران التي لا تكف عن انتقاد وتجريح الدول العربية بسبب ما مايصفه الملالي بالموقف "المتخاذل" حيال القدس، ولكن من دون أن يقدم أصحاب "فيلق القدس" الشهير أي بادرة عن رغبتهم في الدفاع عن هوية المدينة المقدسة، ولو حتى من خلال إطلاق رصاصة واحدة لإبراء الذمة! الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرفع سقف السباب والاتهامات لإسرائيل من دون إجراء فعلي واحد ضد تل أبيب!

هذا المشهد السريالي في التعامل مع أزمة قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يترجم واقع العرب والمسلمين، ولا ألوم هنا أحد أو اتهم هذا الطرف او ذاك بالمسؤولية عن القرار ولكني اتهم أطراف بعينها عن المسؤولية في تعميق جراح الأمة الإسلامية وإضعاف قدراتها الشاملة، ولو على الصعيد السياسي، من خلال إشعال الحرائق وصرف الأنظار ورسم الخطط التوسعية التي لا تستهدف سوى التهام مزيد من العواصم العربية والإسلامية والسيطرة على ثروات الشعوب ومكتسباتها!

من أبرز التحركات للرد على القرار الأمريكي ما اتخذته مصر في مجلس الأمن الدولي، حيث طرحت مشروع قرار "تحصيني" يشدد على أن "أي قرارات أحادية الجانب تخص وضع القدس ليس لها أي أثر قانوني ويجب إلغاؤها". وهذا المشروع في غاية الأهمية من الناحية السياسية ويمثل تحركاً سياسياٌ ايجابياً يحفظ للمدينة المقدسة هويتها ويعيد تأكيد المجتمع الدولي على موقفه الثابت حيالها. البعض ينتقد أن مشروع القرار لم يحدد الولايات المتحدة ولا الرئيس ترامب أو قراره بالاسم، وهذا ليس أمراً مهماً بالفعل طالما أن جوهر المشروع تضمن ما يؤكد على هوية القدس وفق قرارات الشرعية الدولية، بل إن التعميم في هذه الحالة ربما سيكون مفيداً لخدمة أي انتهاكات لاحقة لوضعية القدس القانونية والتاريخية.

هذا المشروع مهم أيضاً لأنه يوفر اختبار نوايا جديد لإدارة ترامب، حيث يضعها في موقف صعب، والأرجح أنها قد تستخدم حق النقض "الفيتو" ضد القرار في حال عرضه للتصويت في مجلس الأمن الدولي، لأن من الصعب عليها أن توافق أو حتى تمتنع عن التصويت على القرار والحبر الذي وقع به الرئيس ترامب قراره الجائر بشأن القدس لم يجف بعد.

السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون اعتبر إن "التصويت أو المناقشة لن ​​يغيرا الواقع الواضح بأن القدس كانت دائما وستكون عاصمة لإسرائيل"، مضيفا أنه "مع حلفائنا سنواصل الكفاح من أجل الحقيقة التاريخية".، وهذا الكلام ليس سوى تعبير عن القلق من تمرير مشروع القرار لأن الشرعية الدولية الحقيقية التي قد يحصل عليها ستنسف أي أثر لقرار الرئيس ترامب وتضع بقية دول العالم في مواجهة الحقيقية وبما يضعف أي مقدرة لإسرائيل على المناورة والسعي لاقناع دول أخرى بالسير على خطا الولايات المتحدة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لاسيما ان مشروع القرار يطلب من جميع البلدان "عدم الاعتراف بأي إجراءات أو تدابير تتعارض مع القرارات ذات الصلة". كما يدعو مشروع القرار جميع الدول إلى الامتناع عن فتح بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف وفقا للقرار 478 ".

لو استخدم ترامب حق الفيتو ضد مشروع القرار الجديد فإنه يغلق بالفعل أي فرصة لإدارته في حلحلة عملية السلام أو محاولة لعب دور الوسيط مجدداً، وهذا ما علينا أن ننتظره لنرى ماذا هم فاعلون في نيويورك!!