كنت قد ذكرت في أحد مقالاتي السابقة ضرورة أن يكون الدين للوجدان، وفي هذا المقال سأتحدث عن أهم سبب لجعل الدين للوجدان والنظر إليه بناءً على ذلك بالدرجة الأولى، فعندما يتم حصر الدين على الوجدان سنصنع بذلك سياجاً مهمته حماية الدين من أن يتحول إلى أيديولوجيا، ومن جملة الآثارالسلبية الناتجة عن تحول الدين إلى نظام شامل ومنطلق أيديولوجي، أن هذا الدين المؤدلَج سيُنتج لنا أشخاص متدينين في ظاهرهم ومضطربين في داخلهم، حينئذ يصبح هذا التدين مشوَّهاً ويتحول إلى فيروس ينتشر بسرعة ويُحكم قبضته على تصورات الفرد تجاه كافة قضايا الحياة صغيرها وكبيرها، إلى درجة أن الأمور التي فُطرت عليها البشرية تصبح محل تساؤل لديهم!
إن الدين عندما يؤدلَج تنتج لنا مفاهيم وأفكار شاذةلم تعرفها البشرية على مر العصور, ولا أدل على ذلكمن ابتداع ما يُسمى ب"الاختلاط" الذي أنتج لنا عقول تطالب بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه وفق مقاييس شرعية!!

وحديثي عن الاختلاط"الاختلاط في التعليم على وجه الخصوص" ليس من باب الترف، وإنما هو ضرورة وحاجة إنسانية فُطرت عليها البشرية، فنحن أولاًوآخراً جزء من هذا العالم، كما أن التعليم يعد الركيزة الأساسية والعنصر الأهم في نهضة الدول وتقدم شعوبها، فلا يليق بتلك المنظومة أن تتبنَّى أفكاراً رجعية كالفصل بين الجنسين تحت حجة الخصوصية السعودية أو سد الذرائع! وكأننا لسنا جزء من هذا العالم!

إن ذلك الطالب وتلك الطالبة، عندما يختلطون بعضهم ببعض في الحياة المدرسية سيؤدي ذلك إلى أن يفهم كل منهما طبيعة الآخر، وسيتعلمون الرقي في نظرتهم لبعضهم البعض، وأنهما مكملان لبعض، وقد تحدث عن ذلك العالم كارل يونج في نظريته في علم النفس التحليلي, حيث يرى يونج أن الإنسان في أصله ثنائي الجنس, أي أن الذكر لديه خصائص أنثوية تجعله يفهم الأنثى وينجذب إليها(أسماها يونج الأنيما), والأنثى لديها خصائص الذكورة التي تجعلها تفهم الذكر وتنجذب إليه(أسماها يونجالأنيموس), حيث أن الأنيما هي النمط الأنثوي للرجل, والأنيموس هو النمط الذكري للأنثى, ويؤكد يونج على أهمية التعبير عن تلك الخصائص للجنس الآخر لكي لا يحدث هناك خلل في النظرة للجنس الآخر وصعوبة فهمه أو عدم تقبله.

وإن أولئك الذين يرون أن الفصل بين الجنسين ضرورة شرعية أو إنسانية ,فإنهم بذلك يكونون قد خالفوا نظرة الإسلام للإنسان وقد أساءوا إلى إنسانيتهم, خالفوا نظرة الإسلام للإنسان من حيث أن تصور الإسلام عن الإنسان أن الأصل فيه هو الخير, والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة, وأساءوا إلى إنسانيتهم من حيث أن جعلوا الإنسان كالحيوان يحتاج إلى ضبط لأنه لا يستطيع أن يتحكم في دوافعه الجنسية! وهذه بالمناسبة هي نظرة سيجموند فرويد للإنسان, ولذلك تعرضت نظرية فرويد لانتقادات عديدة من أهمها نظرته السلبية للإنسان, رغم أن الأصل في الإنسان هو الخير, وهذا ما أكده العالم كارل روجرز, حيث يرى روجرز أن الناس في طبيعتهم خيرون ويحبون الخير, ولذلك يرى روجرز أنهم ليسوا بحاجة إلى الضبط الاجتماعي, ويعتقد روجرز أيضاً أن محاولة ضبط الإنسان هي التي تجعله يتصرف ويسلك تصرفات وسلوكيات سيئة.

أختم بهذا النص الرائع للأستاذ والإعلامي تركي الدخيل الذي ذكره في أحد مقالاته رداً على من طالب بهدم المسجد الحرام:

"من ناحية نفسية فإن كل مظاهر الكبت التي نراها منعكسة على الطيش لدى الشباب السعوديين نبت برعاية من مياه التشدد والتطرف. ولا نكاد نرى كل هذا الهياج تجاه المرأة في البلدان المنفتحة, يكفي أن أستدل بمقولة لعالم النفس فرويد الذي قال: (إن إخفاء البدن بصورة متزايدة يبقي حالة الهياج الجنسي في حالة تيقظ)! وهذا ما يشجع عليه الخطاب الديني المتشدد الذي يبدأ بالأنثى وينتهي بالأنثى! ويمر بهدم المسجد الحرام لمنع الاختلاط