تركيا اشتهرت بانقلاباتها العسكرية بمعدل انقلاب كل عشر سنوات بدءا من انقلاب 1960 ثم 1970 و انقلاب افرين 1980 وشبه انقلاب على نجم الدين اربقان عام 1997.

بعد كل انقلاب كان يتم تسليم الحكم بعد 2 3 سنوات من حكم القبضة الحديدية للعسكر مرة اخرى الى المدنيين اي الاحزاب والبرلمانات عن طريق الانتخابات.

تلك الفترة بين استيلاء العسكرعلى السلطة ومن ثم تسليمها الى المدنيين يمكن تسميتها بالفترة الانتقالية.

الانقلاب كان يأتي دائما نتيجة فشل الاحزاب والبرلمانات المنتخبة في تسيير ادارة البلاد بسبب التناحر والخلافات بين الاحزاب و التي كانت تؤدي الى الاخفاق في تشكيل الحكومات او الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية في البرلمان وحدوث الفراغ السياسي وتدهور شامل في الوضع الامني.

هذا الفراغ السياسي والامني مع التدهور الاقتصادي كان يفتح الطريق امام استيلاء العسكرعلى الحكم.

الجيش كان يتذرع دائما انه اضطر للاستيلاء على ادارة البلاد بسبب اخفاق المدنيين في ادارة الحكم.

الجيش كانت له يد طويلة في التآمر لتهيئة الظروف للانقلابات وذلك بمجرد انتشار الفكر اليساري او انتشار الوعي القومي الكردي او تقدم في حركة الاسلام السياسي في البلاد حيث كانت الدولة السرية تعمل جاهدة وبتخطيط على انتشار الفلتان الامني وتحريك ازلامه من السياسيين لاحداث فراغ سياسي.

في سبعينات القرن الماضي انتشرت الفوضى والفلتان الامني في عموم تركيا مع حكومات ائتلافية هشة بحيث لم يكن احد في جميع انحاء تركيا بما فيها العاصمة والمدن الكبرى يتجرأ بالخروج من بيته بمجرد حلول الظلام بسبب غياب الامن والاغتيالات والتصفيات.

في تلك الظروف من الانهيار الامني والسياسي والاقتصادي قام الجيش في 12 ايلول 1980 بالاستيلاء على الحكم اي انقلاب كنعان افرين دون طلقة واحدة.

من اهم التدابير والقرارت التي اتخذها العسكر حينها كان

ــ حل جميع الاحزاب السياسية بما فيه حل حزب الشعب الجمهوري الذي اسسه اتاتورك بالذات.

ــ زج جميع السياسيين من رؤساء الاحزاب ومعظم الذين احتلوا مناصب رفيعة في الدولة من الحزب الحاكم والمعارضة والصحفيين ووو... دون استثناء والذين تم تقديمهم الى المحاكم العسكرية لاحقا.

ــ منع جميع هؤلاء السياسيين من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات بدءا من انعقاد اول جلسة للبرلمان المنتخب بعد الفترة الانتقالية. عند وصول الرئيس تورغوت اوزال الى الحكم لاحقا اصدر عفوا عاما وعاد الجميع الى ممارسة العمل السياسي مرة اخرى.

باختصار كان الجيش التركي يستولي على ادارة البلاد عند استفحال الازمات وتدهور الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد ثم يأتي بدستور جديد واحزاب جديدة واعادة الاستقرار الامني واجراء انتخابات حيث يتم نقل السلطة الى المدنيين مرة اخرى.

الدستور الحالي للدولة التركية هو دستور انقلاب الطاغية الشهير كنعان افرين لعام 1982 وتم تبديل بعض البنود فيه قبل سنتين والذي بموجبه تم الانتقال من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي ولكن لازال تسعين بالمئة من مواده تقريبا هي نفس مواد دستور انقلاب افرين.

طبعا هنا لست بصدد الكتابة عن الانقلابات التركية ولكن القصد هنا هو الاستفادة من تلك التجارب التركية في الادارة والحكم عند اشتداد الازمات ودخول البلد في النفق المظلم وانسداد كل الابواب امام الحلول الساسية الملائمة لادارة البلاد حيث كان البلد يضطر للجوء الى فترة انتقالية على يد العسكر.

ارجو ان لا يساء الفهم بانني اؤيد الانقلابات اذ ان تلك الفترات الانتقالية التي كانت تحت هيمنة العسكر في تركيا كانت من أسوأ فترات الحكم قتامة من ظلم وسجن وتعذيب واعدامات وتصفيات وجرائم ضد الانسانية يصعب وصفها ببضعة سطور.

الاوضاع في اقليم كردستان اليوم هي أسوأ بكثير من الاحوال التي كانت تستدعي تدخل الجيش التركي للقيام بالانقلاب وانقاذ البلد من الانهيار الكامل.

الوضع في الاقليم هو الآن على شفا الانهيار وهناك خطورة جدية في ان يضطر ابناء الاقليم بالتوجه نحو بغداد لانقاذهم من شر الحزبين الحاكمين البارتي واليكيتي الذين حكما الاقليم لمدة ربع قرن و نشرا الفساد والنهب والمحسوبية ووو.....اللائحة طويلة ولا اريد التجريح او الشماتة.

الحزبان لا يمكنهم التهرب من المسؤولية فهم وحدهم ووحدهم فقط اللذان حكما الاقليم وشكلوا كل الحكومات وبالتالي يتحملون مسؤولية كل ما آلت اليه الاوضاع الحالية في الاقليم.

الاقليم ليس لديه جيش موحد للقيام بانقلاب بل هناك ادارتان في اربيل والسليمانية والتي تتشكل من اربع محافظلت وكل ادارة لها جيشها وآسايشها الخاص بها.

في الحقيقة الجيش والاسايش في الادارتين هي في الواقع ميليشيات حزبية. حتى الاحزاب المجهرية في الاقليم لها ميليشياتها.

الاقليم يحتاج الآن الى مرحلة انتقالية على غرار ما كان يحدث في تركيا بالانقلابات وذلك لتنظيف البلد وفتح صفحة جديدة لهيكلة الاقليم من جديد وفتح المجال امام شعب كردستان وقواه السياسية والشبابية والنقابية والمهنية والمثقفة المهمشة والمضطهدة حيث لم تعد هناك اية امكانية في اجراء تبديل اوتصحيح والبناء على ما هو موجود الآن في الاقليم.

المرحلة الانتقالية امر لابد منه لانقاذ الاقليم من الانهيار وحل جميع الاحزاب هي الخطوة الاولى على الدرب الطويل والحزين.

ولكن ليس لدينا جيش ولسنا دولة ذات سيادة.

اذن ماهو الحل؟

قد اعود الى الموضوع مرة اخرى ولكن الحل يبدو سرابا امام الحقيقة والواقع بكل اسف.


كاتب كردي

[email protected]