طوال تاريخ الشعب الكردي كانت ثروته النفطية " نقمة " لم تتحول الى نعمة مثل سائر شعوب وأمم الأرض .. فطوال تسعة عقود من إكتشاف النفط في كركوك كانت هذه الثروة الوطنية تكرس لشراء أفتك الأسلحة لإبادة هذا الشعب. وحين إنتفض الشعب وسقط النظام الصدامي وعادت كركوك الى أحضان الكرد، كان الشعب يحدوه الأمل أن تتحول هذه الثروة الى نعمة فعلية . وتصاعدت الآمال حين إكتشفت حقول وآبار جديدة بإقليم كردستان وباشرت السلطة الكردية بتصديرها ، وراجت تصريحات تعد بأن هذه الثروة ستكرس لإحياء البنية التحتية بما يحول كردستان الى دبي ثانية ، وسيرفل الشعب بالسعادة والخير العميم .

ولكن للأسف بدلا من أن تتحول هذه الثروة لبناء أسس صناعة نفطية متقدمة تحول كردستان الى واحة من الإستقرار والتقدم وتؤمن للشعب حياة حرة كريمة ، تحولت مرة أخرى الى نقمة على الشعب وأدت أخيرا الى إفقاره وقطع رواتبه بسبب مغامرات وزير الموارد الطبيعية بحكومة الإقليم وخسارته للعديد من الدعاوى القضائية التي أثقلت ميزانية الإقليم ، وهناك تسريبات بترتب ما يقرب من 30 مليار دولار ديونا على عاتق الحكومة الحالية التي يجب أن تدفعها الأجيال القادمة..

في آخر مؤتمر صحفي أسبوعي كشف رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي " أنه في السنة الماضية 2017 تم تصدير ما قيمته تسعة مليارات دولار من نفط كردستان بحسب الأرقام الواردة من ميناء جيهان التركي " مؤكدا" أن هذه الإيرادات لم تدخل بحسابات حكومة الإقليم" ومتسائلا" عن مصير تلك الأموال وبحساب من تم إيداعها والى أين ذهبت تلك العوائد النفطية ، ولماذا لم تصرف لدفع رواتب موظفي الإقليم"؟؟!!

في كردستان ثارت في السنوات الأخيرة مناقشات ساخنة حول العديد من القضايا المتعلقة بعمليات تصدير النفط وبيعها في الأسواق العالمية . وبعد أن وقعت حكومة الإقليم ما يزيد عن خمسين عقد نفطي مع كبريات الشركات العالمية زادت الضغوطات من قبل الكتل البرلمانية بضرورة عرض تلك العقود على البرلمان للتعرف على كيفية تصرف الحكومة بهذه الثروة ، ولكن حكومة الإقليم رفضت وبعناد غير مبرر كشف تلك العقود أمام ممثلي الشعب ، فلا أحد يدري ماهية تلك العقود ومضامينها وعلام تم الإتفاق مع تلك الشركات ، ولماذا لاتكفي موارد بيع النفط لدفع رواتب موظفي الحكومة؟..

هذه الضغوطات مازالت تمارس من قبل أطراف المعارضة ، وفي آخر تصريح صدر عن وزير الموارد الطبيعية قال فيها " أنه لن يكشف عن مضامين تلك العقود النفطية التي وقعها مع شركات النفط ، لأن هناك شرطا جزائيا يفرض أنه في حال تم كشف مضامين تلك العقود ، فإن الشركات الموقعة على العقود ستلجأ الى المحاكم الدولية لإقامة الدعاوى ضد حكومة الإقليم".؟؟!!.

هذه أول مرة في التاريخ منذ إكتشاف النفط يتحدث وزير حكومي عن وجود مثل هذا الشرط الجزائي بالعقود النفطية . فالمعروف أنه في كل بلاد العالم بما فيها الدول التي تحكمها الدكتاتوريات ، يجب عرض أية عقود أو إتفاقات دولية أو إقتصادية على البرلمان للمصادقة عليها ، فليست هناك عقود سرية إقتصادية، لأن هذه العقود تتعلق بثروات الشعب ، وهي ليست إتفاقات أمنية أو مخابراتية حتى يتم التستر عليها ، بل هي تعاقدات حكومية خارجية يجب عرضها على مجلس الوزراء بالدولة قبل عرضها على البرلمان للمصادقة عليها ، ولا ندري من أين جاء وزير الموارد الكردية بهذه التبريرات غير المنطقية لعقد حكومي مع شركات أجنبية . ثم كيف يسمح مسؤول بالحكومة لنفسه كل هذ الإذلال والخنوع لشروط شركة نفطية يفترض أنها تستفيد من العمل بحقول النفط وتجني أرباحا طائلة من إستثمار هذه الثروة ، خاصة وأن معظم العقود التي وقعتها حكومة الإقليم مع تلك الشركات هي عقود مشاركة. 

ما فعله وزير الموارد الطبيعية بإقليم كردستان يعتبر لصوصية وسرقة واضحة وهدرا لثروات الشعب بوضح النهار ، وإلا كيف يجوز تسليم ثروات الشعب بيد شركات دون أن يعلم بها ممثلو الشعب بالبرلمان، فهذه ليست ثروة شخصية حتى يتم التصرف بها ، هذه ثروة أقر دستور البلاد أنها ملك للشعب ..

بهذه العقلية المريضة أدار مسؤولو الإقليم شؤون الإقليم ، وبهذه اللامبالاة تعاملوا مع ثرواته ولهذا أوصلونا الى حال عز علينا حتى ما يؤمن القوت لأطفالنا ويعيد صون كرامة الإنسان الكردي المبتلي بالدكتاتورية والحكم السقيم.