لو اجرينا تقييما واقعيا ومنطقيا للذات الكردية استننادا الى تحليل الاحداث التي مر بها اقليم كردستان خلال نصف القرن الاخير منذ اقامة النظام الجمهوري في العراق، سنخرج باستنتاجات قاسية لا تسرنا ولا تقوينا نحن الكرد بل تؤذينا في عمق نفوسنا المجروحة، ولكنها تساعدنا في دراسة شخصيتنا المجتمعية لنستند اليها في تأمين حاضرنا ورسم مستقبلنا، ولغرض تسهيل الفكرة والرؤية سنعرض اهم السمات التي تميزت بها الاحداث التي لها ارتباطات سياسية مصيرية خلال العقود الماضية وخاصة السنوات الاخيرة وذلك استنادا الى قراءة عملية وواقعية، وذلك لتحديد الاخطاء التاريخية الاستارتيجية لشعبنا الكردي في العراق، والذي بات يدفع ضرائب باهضة بالدم والنفيس والغالي عن هذه الاخطاء دون مبررات واقعية وعملية ودون اسباب موجبة، وطوال مرحلة تاريخية حديثة تقارب قرنا من الزمن لا يقدر الكرد على الخروج منها بسلامة وتأني، وذلك بسبب السياسات الفاشلة والنفسيات الانانية والطبائع المريضة والمصالح الشخصية والعائلية الفاسدة والمارقة التي تتصف بها قادة الكرد بالرغم من تمتعهم بشعبية عفوية متسمة بجاهلية لا اساس ولا قاعدة لها من المنطق والتفكير السليم، والاخطاء هي:

(1) ظهور حركات واحزاب سياسية فاشلة لقيادة الحركة التحررية الكردية منذ بداية الحرب العالمية الاولى وامتدادا الى مرحلة ما بعد سقوط نظام البعث في العراق عام الفين وثلاثة، وانتهاء حركة التمرد الثوري في نهاية المطاف بتراجيديا مأساوية مسببة المآسي والويلات والكوارث للشعب الكردي بعشرات ومئات الالوف، ومسببةنزوحا وهجرا جماعيا باعداد كبيرة من العوائل والافراد الى الخارج والى دول جوار الاقليم.

(2) تميز قيادات الحركات والاحزاب بالطابع الانفرادي والدكتاتوري والعشائري البحت على مستوى الافراد، وافتقارها الى الرؤية الفكرية والسياسية والاستراتيجية والامنية والمستقبلية في العمل السياسي والعسكري والميداني وعلى الصعيدين الشعبي والحزبي، وتواصل استمرارية التفرد بالقيادة والمسؤولية دون اي اعتبار للكفاءة والمهنية والخبرة، وعلى العكس الاستناد الى تقاليد التوريث البعيدة عن الشرعية والمشروعية مثل ما هو حاصل في عائلتي البرزاني والطالباني وبقية العوائل المتسلطة في كردستان.

(3) تعرض الحركات الثورية الكردية الى انتكاسات مصيرية كاسحة فاقدة قدرتها على النهوض، مثل نكبات الثورة الكردية في السنوات (1975) و (1988) و(1991) من القرن الماضي، والانتكاسة الاستراتيجية في سنة (2017) بسبب اجراء استفتاء غير منطقي ولا عقلاني بتاتا بعيدا عن الحكمة والرؤية السياسية المستقبلية، وبسبب النكبة الاخيرة فقد الاقليم 51% من مساحة اراضيه ومواطنيه، وبسبب المغامرة والمقامرة والسياسة الرعناء التي انتهجها الرئيس اللاشرعي للاقليم تعرض شعبنا الكردي الى واقع اليم جدا حيث فقد من خلاله كل اوراقه السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية امام الحكومة الاتحادية في بغداد، وبات شعبنا الكردي يتعرض الى عقوبات جماعية معيشية وحياتية وصحية وتربوية من قبل السلطات العراقية وخاصة من قبل رئيس الورزاء حيدر عبادي، وبدلا من فرض العقوبات على السلطة الحاكمة في الاقليم وتقديم مسؤوليها وخاصة مسعود ونيجيرفان البرزاني الى المحاكم بسبب سياساتهم الفاشلة والفاسدة المارقة لجأ السيد عبادي الى فرض عقوبات شديدة الوقع والتأثير الحياتي على شعبنا وهم مواطنون للدولة العراقية وليسوا غرباء وهم اصحاب الارض من بداية ظهور البشرية على كوكب الارض.

(4) مرور احداث ومآسي النكبات والانتكاسات الحاصلة بسبب القيادات الفاشلة دون مراجعة او تدوين او تحليل او اعادة كتابة او حساب او مساءلة، والمؤلم جدا ان الشعب الكردي لا يملك ذاكرة حية عن طبيعة انتكاساته التاريخية المأساوية، وكأنها مجرد تسميات ماضية لا حضور لها بفعالية في وجدان وضمير الاكراد وخاصة ساستهم ونخبهم الاجتماعية والثقافية والاكاديمية، وللاستدلال على ذلك بقوة نجد ان الاحداث المأساوية التي ننتجت عن الانتكاسة الجوهرية التي تعرض لها الاقليم بعد الاستفتاء المشؤوم لم تعير لها اي اهتمام لا من قبل الحكومة ولا من قبل البرلمان ولا من قبل الاحزاب ولا من قبل الاوساط الثقافية ولا من قبل المنظمات والجمعيات المدنية، ولم تقم اية جهة معنية او غير معنية رسمية او غير رسمية باجراء دراسة ميدانية عملية او نظرية او علمية اكاديمية او استصقائية عن احداص ومرحلة ما بعد الاستفتاء، وذلك لاغراض التدوين التاريخي والتحليل السياسي والاجتماعي وتحديد الاسباب والمسببات للخروج منها بخلاصات واستنتاجات تفيد الكرد بصورة عامة وتنفع الاقليم في ملامح حاضره ومستقبله.

(5) عدم اجراء مساءلة كاملة ومحاسبة شاملة للقادة والمسؤولين عن فشل الحركات السياسية والنكبات والانتكاسات التي حصلت لكرد طوال العقود الماضية، والسكوت المخزي عن كل الاخطاء والجرائم التي ارتكبتها القيادات الحزبية والعسكرية والسياسية بحق الشعب وبحق الانتكاسات المصيرية التي تسببوا فيه، هذا السكوت تبقى وصمة عار بجبين كل كردي اذا لم تجري محاكمة تاريخية واستحقاقية وعادلة للقيادات الكردية، وخاصة المشتركين في انتكاسات سنتي (1975) و (2017) وعلى رأسهم الرئيس اللاشرعي الفاشل للاقليم والمتنحي عن الكرسي راعي الاستفتاء المشؤوم.

(6) قبول الكرد بالفساد المارق اللامحدود للسلطة الباغية من الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني والعائلتين المتسلطتين للبرزاني والطالباني، وطوال اكثر من ربع قرن من الزمن من الحكم القاروني المفروض على الاقليم، وعدم الوقوف بوجه هذا النظام الفاسد الذي داس تحت اقدامه كل القيم والمبادي والشرائع السماوية والقانونية وسحق كل اللوائح المقررة للحقوق المدنية والسياسية الداعية الى تحقيق الحرية والكرامة والعدالة، وبالرغم من تعرض الاقليم الى انتكاسة عميقة سياسية واقتصادية وعسكرية بعد اجراء الاستفتاء لكن بقاء نفس النظام المتسلط الفاسد المارق في الحكم وصمة عار بحق الشعب الكردي، وخاصة على جبين الاحزاب الكردستانية التي تدعي الاصلاح والوئام، ويبدو ان كل الاحزاب المشاركة وغير المشاركة بالحكم مشتركة بالفساد القائم بالاقليم ومستفبدة من خلال مصالح وامتيازات مالية من السلطة الفاسدة القائمة، ولهذا لا نرى من تلك المكونات الحزبية اي موقف حاسم وجدي ضد السلطة.

(7) السكوت الشنيع للنخب الاكاديمية والحقوقية والقانونية والمهنية والاجتماعية والدينية والمدنية عن الفساد العملاق القائم في الاقليم، وعن الخروقات الدستورية والقانونية والانسانية والمدنية للطغمة الحاكمة، ادت الى تمادي وغرور مطلق للحزبين الحاكمين ولرجال السلطة في فرض اجواء سلطوية قرقوشية ظالمة شبيهة باجواء قراصنة البحر حيث لا شريعة ولا اخلاق ولا قانون لهم، والتعيينات الفضائية والمزورة الحاصلة باعداد خرافية هائلة بعشرات ومئات الالوف في الوظائف واوساط المتقاعدين دون استحقاقات قانونية وخدمية دليل فاضح على رعونة وغطرسة وعنجهية السلطة القائمة، ووصمة عار وخزي بجبين السلطة والحكومة ومسؤوليها من رؤسائها ووزرائها ومدرائها العامين ومدرائها الى اصغر مسؤول فيهم.

(8) الصمت المخزي لبعض رجال الدين والشخصيات الاجتماعية والمنظمات والجمعيات المدنية عن الاعمال والممارسات الفاسدة والمارقة للسلطة الحاكمة بالاقليم وازلامها، والسكوت المؤلم عن الحق الذي ينادي به كل الاديان السماوية والطوائف الدينية والمذهبية، والصم والبكم الكامل الحاصل عن العدالة المفقودة والغائبة من المفردات والمكونات الحياتية للمواطنين، وذلك من خلال فرض ممارسات وقوانين وارادات صاغرة لا شرعية وغير قانونية على افراد وشرائح المجتمع مثلما هو حاصل في فرض رسومات وضرائب فضائية على مواطني الاقليم وعدم فرضها على الاثرياء والاغنياء والمستثمرين الفاسدين المارقين، والمؤلم جدا ان هذه الحالة منالسكوت الجماعي باتت تتحول الى تقليد راسخ في اوساط المجتمع الكردي.

هذه باختصار رؤيتنا وقرائتنا المتواصعة لتحديد الاخطاء الاستراتيجية التي يتصف بها شعبنا الكردي في واقعها السياسي والاجتماعي، وذلك من خلال قراءة وتحليل النكبات والانتكاسات الحاصلة لكرد العراق، وخاصة انتكاسة الاستفتاء التي تسببت بواقع مأساوي بفعل السياسة الرعناء لقادة الاقليم وجهلهم لاصول الادارة والحكومة والسياسة العامة، ولهذا لابد من مراجعة للذات الكردية واعادة نظر شاملة بكل احوالنا للخروج من تلك الاخطاء القاتلة والمشاركة في اعداد مرحلة جديدة متسمة بالتعقل والفكر السليم للنهوض بشعب الاقليم بالسلاموالامان، ولتجديد الروحية الحيوية الفعالة لشعبنا الكردي، لكي نرسم ملامح مستقبل افضل لاقليم كردستان وللعراق معا.

(*) كاتب صحفي