أحياناً أشعر أننا نحن اللبنانيين نعيش انفصاماً قسرياً، مستهله بنشرات الأخبار المسائية والتي تنهال علينا بكم من الأحداث الكفيلة بأن تعيش معها الكآبة، فهي تبدأ بهموم الناس ومآسيهم ولا تنتهي بالفساد السياسي الذي أصبح على عينك يا تاجر.

 فجأة تدق الساعة الثامنة والنصف أو التاسعة الا ربع حسب جدول برامج كل محطة وعندها تكون المحطات قررت أن تنقلنا إلى عالم آخر، إلى الطقش والفقش في برامج الترفيه، كما يسمونها، مع أشخاص آخرين، لنقل، إننا نراهم في لحظاتهم الفرحة... لن أدخل في التفاصيل هنا لأن هذه البرامج أزمة اجتماعية بحد ذاتها، ولكن أسأل أي حال هو حال غالبية اللبنانيين؟ الأول طبعاً، فلننظر حولنا، من منا لم يهاجر قريب أو أقرباء له، وتخرّج آخرون منذ سنوات وهم عاطلون عن العمل! والآن يضاف إلى الفئتين أولئك الذين يعيشون بطالة مقنّعة كالذين نسمع صراخهم مؤخراً على الشاشات لانهم قُبلوا منذ سنتين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية ولكن لم يعينوا بعد بسبب التوازنات الطائفية، بحسب التبريرات، ولكن لنقل لأسباب نجهلها لأننا في لبنان اعتدنا دائماً على أسباب معلنة وأخرى خفية لأي قرار سياسي! 

المضحك المبكي في الموضوع أن التوازنات الطائفية العتيدة تلك جعلت من الحكومة والبرلمان حلبة صراع، فكل طرف يحمل الدين أو الطائفة شماعة ليمرّر مصالحه الخاصة، فلنأخذ مثلاً ملف النفط والذي تعترض عليه الجهة المقابلة للجهة المعترضة على موضوع تعيين الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة!

نعم في لبنان أسهل شيء أن تجيّش الناس طائفياً وأصعب شيء هو أن يجدوا وقتاً لمراجعة حياتهم والتمرد على واقعهم الصغير. 

طبعاً كل ذلك مدروس فالسياسة المنتهجة هي تجويع الناس وعندها سيكون كل همهم كيف يؤمنون رزقهم كفاف يومهم، ويتغاضون أو لا يكون لديهم المجال للتفكير بالصفقات والكهرباء والنفايات وقانون الانتخابات.

قانون الانتخابات الذي فصلّه الحاكمون على قياسهم، طبعاً أخذهم بعض الوقت، تمديد لأنفسهم لتسع سنوات وشد حبال وعرض عضلات وطنية! 

 تسع سنوات كانت كفيلة، في أي بلد يحترم نفسه، أن يتغيّر كل الطقم الحاكم ونحن مازلنا لا ندري إن كان القانون سيخدمهم وبالتالي نمارس حقنا الدستوري أو يطالعونا بتمديد جديد!

أزمتنا كلبنانيين ليست هنا، أزمتنا أننا لم نتعلّم أن سياسيينا لم ولن يخدمونا كمواطنين، بل هم في الحقيقة يستخدمونا لخدمة مصالحهم!

 أجادوا على سنوات بالضرب على الوتر العاطفي، وخلق الخوف على الوجود، وبعضهم أجاد في إسكات المحتاجين بالفتات ليكرّس موقعه.. وبدل أن نتمرّد صار اللبناني يبحث عن نقطة قوة بأن يكون عنده واسطة مع الزعيم الفلاني أو العلّاني والأغلبية تتباهى عندما تحظى بهذا الامتياز!

 وهكذا يتكرر المشهد في كل المناطق وفي كل الطوائف!

هنا أود أن أسرد ما طالعني به صديق مصري بعد ثورة يناير، قال لي وقتها: "آباؤنا كانوا متعلقين عاطفياً بالرئيس ولذلك تحملوا القهر والعذاب لسنوات طوال، أما نحن فما عدنا متعلقين عاطفياً به ولذلك انتفضنا على الواقع وكانت ثورة يناير"! 

لا أدري إن كان اللبنانيون استسلموا للأمر الواقع أو صار هذا الواقع أمراً دمنوه ولكن على ما يبدو أن شبابنا لم يخرجوا بعد من التكبّل العاطفي للزعيم أو الرئيس، وقد لا يكون عندنا أمل في ذلك، فمصر التي انتفضت، بصرف النظر عن تبعات الثورة، ليس فيها ١٨ طائفة بزعماء محنكين تدربوا جيدا على شدّ الحبال الطائفية واللعب بعواطف الشعب ومشاعره!