بمناسبة مرور عام على تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه كرئس للولايات المتحدة الأمريكية، هناك مقالات وتقارير كثيرة نشرت في الصحف العربية والغربية حول هذا الموضوع، وقد تناوله بعضه بعقلانية بينما تناوله آخرون وفقاً لوجهات نظر ذاتية محضة وتحليلات تطفى عليها فكرة "التحليل بالتمنى" التي تمثل برأيي نوع من التلاعب والخداع.

يتصور كثير من المحللين العرب بأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قد دمر صورته وشعبيته داخلياً، وهذا الكلام ليس دقيقاً في مجمله، لأنه ينطوي على نصف الحقيقة فقط، وهي أن شعبية الرئيس ترامب داخلياً تشهد تراجعاً قياسياً، حيث بلغت في الأشهر الثلاثة الأخيرة متوسط يتراوح بين 32 38% بحسب استطلاعات الرأي المختلفة، وهذا صحيح ولكن معظم هذه القياسات قبل صدور قرار الاعتراف بالقدس أو مجرد التفكير فيه!

يربط بعض المحللين الغربيين بين تراجع شعبية ترامب وشعبية سلفه أوباما التي لم تتراجع طيلة فترة رئاستة عن 38%، وهناك تقارير تشير إلى أن شعبية ترامب خلال الأشهر العشر الأولى من رئاسته، هي الأدنى بين رؤساء الولايات المتحدة خلال العقود السبعة الماضية.

هذه الشعبية المتراجعة قد لا تعني شيئاً في النهاية بالنسبة لرئيس منتخب لمدة أربع سنوات، فضلاً عن أنه لا يثق أساساً في قياسات الرأي العام والاعلام الأمريكي ويتهمهما دائما بالكذب والتضليل، والعمل ضده، وبالفعل فقد وصف ترامب تلك الاستطلاعات بأنها كاذبة و"ملفقة"، وبالتالي من الصعب توقع تأثره بالأخبار التي تتحدث عن تراجع قياسي في مستويات شعبيته.

صحيح أننا، كعرب ومسلمين، نشعر بظلم وغبن شديدين جراء هذا القرار الذي أفقد الولايات المتحدة مسؤوليتها الأخلاقية بانحيازه لدولة الاحتلال، فضلا عن أن قرار ترامب بشأن القدس قد آذى مشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم حول العالم، وأن القرار يعتبر انتهاكاً صريحاً للقوانين والشرعية الدولية للمدينة المقدسة، ولكن من المنظور العلمي فإن هذا القرار لم يلعب دوراً كبيراً في تراجع شعبية الرئيس داخلياً.

الشارع الأمريكي لا ينظر إلى الرئيس ترامب بنفس منظورنا ولا يمتلك أولويات كالتي وضعناها لأنفسنا ودولنا، وبالتالي فهناك قائمة اهتمامات أخرى ترتب شعبية الرئيس في نظر الناخب الأمريكي، وقد لا يكون من بينها مواقفه وسياساته الخارجية، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط!

هناك جماعات ضغط قوية تتحكم في أولويات الرأي العام الأمريكي، والمسألة لا تمضي بموضوعية وشفافية كما يتخيل الكثيرون، فهناك مصالح مجمعات المال والنفط والأسلحة والجماعات اليمينية الأصولية، التي لعبت دوراً كبيراً في فوز ترامب بمنصبه.

صورة الرئيس الأمريكي الذهنية لها حسابات تختلف لدى الرأي العام الأمريكي عن نظيره في العالم العربي، عن تلك التي ينظر بها آخرون في العالم

لرئيس الدولة الأقوى في العالم، وهذا أمر بديهي. ففي حين كان الرئيس السابق أوباما مكروها في منطقتنا العربية بسبب فشل سياساته في سوريا وتجاه إيران وأيضاً بسبب دعمه للفوضى والاضطرابات التي أطاحت أنظمة عربية عدة وأنتجت مزيداً من الفوضى والعنف، فإن شعبية أوباما في العالم كانت مرتفعة داخليا في نهاية حكمه، حيث اظهر استطلاعان للرأي وقتذاك أن أوباما كان يحظى بشعبية وصلت إلى 60%، وهي نسبة تعد الأعلى مقارنة رؤساء الولايات المتحدة السابقين، وصنفت بعض الاستطلاعات أوباما في المركز الرابع من حيث ترتيب أعلى رؤساء الولايات المتحدة شعبية بعد رونالد ريغان وتيودور روزفلت وبيل كلينتون. وقد وصلت شعبيته بين الديمقراطيين إلى نسبة قياسية بلغت نحو 95% في حين قال 18 % من الجمهوريين انهم يوافقون على رئاسته للبلاد.

لن يسقط الرئيس ترامب من عرش رئاسة الولايات المتحدة بسبب قرارات شرق أوسطية مهما كان تأثيرها على الشعوب والدول والملايين في منطقتنا، والصعوبات التي تواجهها فترة رئاسته الأولى ناجمة بالأساس عن التحقيقات السارية بشأن ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لاسيما بعد تحول الاهتمام إلى ستيف بانون كبير مستشاري الرئيس سابقاً، ما يعني أن أجهزة الأمن والاستخبارات الأمريكية هي من يمتلك سلطة المضي في هذه التحقيقات أم اغلاقها تماماًن وهي الأجهزة نفسها التي لعبت دوراً بازراً في ترجيح الكفة باتجاه ترامب عندما أعلنت عن اختراق البريد الالكتروني للمرشحة الديمقراطية

هيلاري كلينتون، ووضعتها في موقف بالغ السوء امام الناخبين.

الخلاصة أن قرارات ترامب الخارجية ليست الأساس في توجيه مسار موقفه داخلياً سواء من حيث شعبيته أو من حيث مسار التحقيقات في ملف التدخل الروسي، فهناك أولويات أمريكية مغايرة ترسم مستقبل الرئيس في البيت الأبيض.