هل نحن من نسير باتجاه الحب أم هي الرحمة من تأخذ بأيدينا في طريق أبعد ما يكون عن هذا الواقع، وبعيداً تماماً عن كل خيالاتنا؟!
نعم فالحب رحمة تلقى في قلب الانسان وتزرعه في عالم آخر، يكون التسامح فيه طريقاً واضحاً للوصول إلى الغاية، والأمل هو النور المشع كالشمس التي تشرق في صدر السماء.
الحب ليس اختياراً، بل هو هبه سماوية، لذا فحقيقته أكبر من أن تدرك بالكلمات والصور والأصوات، هو امتزاج الأرواح وتلاقيها رغم تنافر الطباع والأذواق والطرق، واجتياز الحدود الجغرافية والمسافة وجميع التفسيرات العقلية، انه هبة تجتمع من خلالها الارواح، وتذوب في بعضها قبل أن تتجاذب الأجساد وتلتقي في نقطة واحدة.
إنه باب من نور يفتح للباحثين عن الحياة الثانية في قلب الحياة الأولى، هو اكتمال الألوان واجتماعها في لوحة ربانية واحدة تختصر اللغات والمفاهيم والحدود والكتب. فالحب يجمل القلوب ويطهرها وينزع عنها آثامها، وهو الدافع النقي نحو الحياة وتقاسمها مع الآخر باكتفاء.
إنه الاختبار الأصعب للقيم والأخلاق وشهوات النفس ومتطلباتها التي لا تنتهي، فيه يبذل المرء جهده ما استطاع بإخلاص، وبدفع الأنا بعيداً عن طريق الحبيب من أجل ارضائه والفوز به إلى آخر الدرب، فيتجرد من الأنانية لقاء الحب والطمأنينة.
لذا كان فيه تربية ورحلة يكتب فيها ولادة جديدة لتلك النفس، التي ينساق المرء لرغباتها تحت جناح مظلم أو يدخل النور من بينه، فمن ذلك المخاض يخرج المرء كمولود نقي لم يمسه السواد ويلطخ بياضه، ولم يهمس الشيطان في اذنه بعد، فيصبح النور الذي يمتلئ به القلب هو الدليل والمرشد الذي يفتح آفاقه على الايمان بالقدر والخير والرزق، لأن الحب بأنواعه رزق يكتبه الله في صفحة خلقه مع اقدارهم.
ولأننا لم نختر اقدارنا فنحن لا نختار القلوب، التي نتمنى لو أننا نكون لها كنبضها، ولكننا نختار بكامل إرادتنا أن نهبهم حياتنا، وأن نضع أحلامنا بين أيديهم ليختاروا منها ما يشاؤون، وأن يمحوا برضا ما لا يناسبهم، لنخط معهم أحلاماً جديدة تكون بحجم المحبة والثقة والايمان، الذي يكبر بيننا وبينهم، بأن ارتباط الأرواح جزء من التقاء خطوط أقدارنا بأقدارهم، لذا يجب أن تقابل تلك الرحمة بالمصداقية كي يجد الأمان وطنه.