من يدفع الثمن ؟ : ـ 

اعتقلت شرطة أربيل، يوم الأحد المصادف 11 آذار 2018، الاكاديمي والكاتب والباحث المعروف الدكتور (فرهاد بيربال)(1 ) على اثر تهجمه لفظيا على الاحزاب والشخصيات السياسة في اقليم كوردستان ما أثار غضب السلطة والجهات المعنية في الإقليم , وعليه تم اعتقال ( بيربال ) وفق المادة ( 226) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969)(2 )

المادة( 226 )من قانون العقوبات العراقي غير نافذة إلا بتصديق البرلمان : ـ 

أكد الخبراء القانونيون في إقليم كوردستان والعراق على نقطتين أساسيتين، الأولى : ان (المادة 226 تم الغاءها بقرار من (مجلس ما يسمى بقيادة الثورة) بعد ان قرر مجلس المذكور بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/11/1986 ما يلي : (
اولا : يعدل نص المادة 225 من قانون العقوبات رقم ( 111 ) لسنة 1969 على الوجه الاتي :1- يعاقب بالسجن المؤبد ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة من اهان باحدى طرق العلانية رئيس الجمهورية او من يقوم مقامه او مجلس قيادة الثورة او حزب البعث العربي الاشتراكي او المجلس الوطني او الحكومة .وتكون العقوبة الاعدام اذا كانت الاهانة او التهجم بشكل سافر وبقصد اثارة الراي العام ضد السلطة .
2- ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس او الغرامة من اهان باحدى طرق العلانية المحاكم او القوات المسلحة او غير ذلك من السلطات العامة او الدوائر او المؤسسات الحكومية .
ثانيا : تلغى المادة 226 من القانون العقوبات .
ثالثا : ينفذ هذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية , التوقيع ( صدام حسين / رئيس مجلس قيادة الثورة ) 

أما النقطة الثانية فهي : في 10/حزيران/2003 صدر أمر عن (المدير الاداري للسلطة الائتلافية المؤقتة في العراق )ونشر في الوقائع العراقية بالعدد 3978 المجلد 44 في 17/آب/2003 علق العمل بالفقرة (1) من المادة (300) والفقرة (2) من المادة (225) كما أمرت السلطة الائتلافية المؤقتة بعدم إقامة دعاوى بعض جرائم الجنايات المنصوص عليها في المواد (81-84) والمواد (156-189) والمواد (190-195) والمواد (201-219) والمواد (223) و(224) والمواد (226-228) والمادة (229) والجنايات المذكورة بالمواد أعلاه تتعلق بجرائم النشر والجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي والجرائم المرتكبة ضد السلطات العامة وجريمة الإساءة إلى مسؤول حكومي ) . 

فيالسخرية الأقدار أن يحاكم شخص بقانون ملغي رسميا بقرار من (مجلس قيادة الثورة المنحل بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/11/1986)،والمضحك المبكي إنّ حتى هذه المادة (225) والتي تسمى زوا وبهتانا قانوناً بعرف استهتار النظام البعثي الفاشي ، هي لا تنطبق اطلاقأ على ما فعله الدكتور ( بيربال ) , وبهذا يكون قرار اعتقال ( بيربال ) باطل لاعتماده على قانون ملغي . 

تناقض المواقف والتصريحات : 

اكدت مديرية شرطة اربيل بعد اعتقال ( بيربال ) ، انها لا تتعامل مع “السيد الدكتور فرهاد بيربال” كمعتقل، بل انها وضعته في “مكان خاص” في معتقل شرطة اربيل .

والسؤال هو : اذا لاتتعامل مديرية شرطة اربيل مع (بيربال) كمعتقل, لماذا تم اعتقاله وفق المادة 226 الملغية اصلا من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ؟ اذا كان( بيربال) مصاب بأمراض نفسية ,أبى أن يتعالج منها رغم محاولات عائلته المتكررة كما اعلنت مديرية الشرطة لاحقا , اسأل واقول : 

لماذا لم يتم لحد الان احالته الى مركز او مصح للعلاج النفسي ليكون تحت اشراف طبي متاكمل ودقيق بدل ان يحجز في سجن التسفيرات ؟ لماذا لا تعتقل الجهات المعنية في الاقليم الاشخاص الذين يعتدون (لفظياً و جسدياً ) على النقابيين،الاعلاميين, الصحفيين , الأساتذة، وعلى المعلمين، الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة ورواتبهم المسروقة سلميا ؟ 

حرية الرأي والتعبير في إقليم كوردستان في خطر : 

ابدي استغرابي الشديد وامتعاضي من السلطة القضائية في العراق واقليم وكوردستان والتي تعمل وفق قانون شرعه الدكتاتور ( صدام حسين )لخنق حُرية الرأي والتعبير بحجج واهية , اضافة الى ان المادة( 225 )هي مادة مطاطية تُهدد حرية الرأي في العراق واقليم كوردستان ويُمكن أن تُستخدم ضد الجميع وتحديدا ضد الكتاب والصحفيين المستقلين الذين يوجهون انتقاداتهم اللاذعة لاداء السياسيين الذين يحتكرون السلطة والثروات ويورثون ابنائهم واقاربهم المناصب الحكومية والسياسية في الاقليم . 

اخيرا ان الاكاديمي والكاتب الاربيللي المعروف ( بيربال ) وامثاله يعيشون أغرابآ في وطنهم وفي زمن غير زمنهم وتاريخ غير تاريخهم, لهذا يدفعون ثمن جهالة السلطة التي لاتزال تعمل بقرارات النظام البعثي المقبور .

فهنيأ لنا بانتصارالديمقراطية , نعم , ديمقراطية اخر زمن ..!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ فرهاد بيربال مواليد اربيل 1961 , تخرج من جامعة السليمانية عام 1985 , حاصل على شهادة الدكتوراه في "تاريخ الأدب الكوردي" من جامعة السوربون الفرنسية في باريس, عمل محاضرا واستاذا في جامعة صلاح الدين –اربيل , شارك في عشرات المؤتمرات الدولية والندوات العلمية .. تخّرج على يديه العديد من حملة الماجستير والدكتوراه في التاريخ الكوردي القديم والحديث والمعاصر , وهوعضو مزامل ومشارك في العديد من المؤسسات الاكاديمية والجمعيات الثقافية والمراكز العلمية والمنتديات الفكرية والسياسية في العالم, ادار العديد من وحدات البحوث والدراسات وورشات العمل البحثية والمؤتمرات .. شارك في كتابة موضوعات مختزلة للانسكلوبيديا الكوردية والتركية , له اكثر من (40 ) كتابا منشورا وعشرات البحوث المنشورة في العربية والانكليزية والفرنسية والكوردية .. كما نشر المئات من المقالات الفكرية والسياسية والنقدية في العديد من الصحف الكوردية والاجنبية , ومن الجدير بالذكر ان (بيربال) معتقل الان في مركز الاحتجاز، المسمى بسجن(التسفيراتوالموقوفين ) في اربيل . 

2 ـ نصت المادة 226 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على انه "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية".