إستنتاجات رئيسية : 

نخلص من كل الذي تقدم لواقع كوردستان منذ تقسيمها وحتى الان إلى استنتاجات كثيرة يمكن إيجازها بالأتي : ـ 

اولا ـ لابدَ من التاكيد على إن تجربة اكثر من مائة عام من نضال الشعب الكوردستاني من اجل حق تقرير مصيره، مليئة بالفشل الذريع والانتكاسات والتراجع والكوارث والحروب والخيانات وسحق كل محاولة للمطالبة بالحقوق المشروعة ، وان انتكاسة 16 تشرين الاول 2017 اثبتت من جديد بان (لعنة الجغرافيا ولعنة النفط ولعنة الخيانة بين ( الاخوة الاعداء ) هي السبب الرئيسي وراء الانتكاسات الكوردية، وان اعتراضات الخارجية ( الإقليمية والدولية ) على إجراء الإستفتاء من جهة، والاجتياحات العراقية وفرض العقوبات الجائرة على إقليم كوردستان و تعرض الشعب الكوردستاني في المناطق المتنازع عليها وخاصة في (طوز خورماتو وكركوك) الى التهجيرو الفرهود وحرق المنازل وتدميرها ( راجع التقارير الدولية ) والاقتتال الكوردي الداخلي خير دليل على ذالك ).

ثانيأ ـ ان الثروة النفطية الموجودة في كركوك هي خزان نفطي كبيرلا يمكن للحكومة العراقية التخلي عنها بأي حال من الأحوال، وعليه كركوك كانت ولاتزال نقطة الخلافات الدائمة بين اربيل وبغداد، وعليه علينا ان نكون جريئين وصريحين في النقاش العلني، لما يدور همسأ وفي الكواليس، من ان لب المشكلة، سواء فيما يتعلق بالإستفتاء او الإنفصال، هو مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها، وهنا اقصد الثروة التي توجد غالبيتها في تلك المناطق المغدورة، وبالتالي تعتقد بغداد ومعها الدول المجاورة ومنها ( تركيا وايران ) من خطورة الإنفصال وانشاء دولة كوردية مستقلة، تسيطر على كامل الثروة النفطية حيث يقدر الاحتياطي النفطي الموجود في حقول النفط الوسطى والشمالية والتي تتركز في كركوك بحوالي( 13 )مليار برميل، أي أنه يشكل حوالي 12% من إجمالي الاحتياطي العراقي من النفط، ويعد (حقل كركوك النفطي خامس أكبر حقل في العالم من حيث السعة، حيث يتراوح عمق آبار حقل كركوك بين 450 مترًا إلى 900 متر، ويقدر معدل إنتاج البئر الواحد( 35 )ألف برميل يوميًا، ولكركوك( 330 ) بئرا منتجة من اهمها حقول : بابا كركر، هافانا، باي حسن، جمبور وخباز) وتبلغ القدرة الإنتاجية لهذه الحقول نحو( 470 )ألف برميل يوميا، اضافة الى الغاز الطبيعي الذي يعد أهم مصادر الطاقة البديلة للنفط. 

ثالثأ ـ على الرغم من أن حق تقرير المصير بالنسبة للكورد، وبالنسبة للإقليم، هو حق مشروع مثل باقي الشعوب الأخرى التي أقامت أوطان قومية، إلا ان تطبيق هذا الحق على اراض الواقع، لا يمكن أن يمر بقرار كوردي ( من طرف واحد )، ولا يمكن أن تتشكل حدود «الدولة الكوردية المستقلة » بصيغة (فرض الأمر الواقع ـ de facto) 

بمعى ادق، بدون ( اتفاق مسبق مع الحكومة العراقية وموافقة الدول المجاورة ( ايران وتركيا وسوريا ) على إستقلال اقليم كوردستان والتي تخشى هذه الدول من انتشار عدوى الانفصال اليها اضافة الى دوافع ( جيوسياسية وجيواستراتيجية )، وبدون موافقة الدول العظمى وتحديدا واشنطن التي تخشى من ضياع مصالحها الاقتصادية في منطقة غنية بالنفط والغاز، حيث يمتلك إقليم كوردستان احتياطيات نفطية تقدر بـ (45 )مليار برميل، وغاز بنحو 5.7 تريليون متر ) ، بدون موافقة هذه الدول، سيبقى (حلم الكورد بكيان مستقل بعيد المنال كما اشرنا بالتفصيل في دراساتنا السابقة وتحديدا قبل اجراء الإستفتاء الكوردستاني والتي نشرت في (إيلاف ). 

رابعأ ـ مضافا على ما ذكر أعلاه، نجد من المناسب الالتفات إلى نقطة مهمة للغاية الا وهي : بالرغم من التنافس الإقليمي الحاد بين تركيا وايران والموروث من الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية وتحديدا بعد معركة ( جالديران ـ 23 آب 1514 )،الا ان مصالح طهران وأنقرة تلتقي دائما في ضرب مشروع الإستقلال والقضاء عليه. 

خامسأ ـ الدروس المستقاة من التدخل الأمريكي السافر في شؤون الدول والشعوب لا تشير لا من بعيد ولا من قريب إلى أدنى بادرة أمل في حلول أية نسمة من نسمات الأمن والاستقرار الذي يحلم به الجميع. لان بكل بساطة أمريكا لا تراعي إلا مصالحها الخاصة انطلاقا من فكرة ( امريكا اولا).

سادسا : إن الأمن والاستقرار في كوردستان لايمكن أن تضمنه قوات التحالف التي تتزعمها الولايات المتحدة إلا بمقدار ما يفسح المجال لها ولحلفائها لتطمين مصالحهم. 

سابعا ـ يجب ان نعرف جيدا بان الإستقلال الاقتصادي بوابة للتحرر السياسي. 

خلاصة :

بعد هذا الاستعراض المختصر نقول، كلنا نتمنى أن نعيش في دولة مستقرة، ونرتاح من عناء سنين النضال الشاق والطويل مثل بقية الشعوب ، ولكن في السياسة دائما التمنى شيء والواقع شيء أخر، وعليه نؤكد ونقول ان بناء الدولة يتطلب اولا : 

تعزيز وتماسك الجبهة الداخلية، من اجل بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية من قبل قوى سياسية مؤمنة بجوهر العمل الوطني الديمقراطي من اجل تحقيق سيادة العدل الإجتماعي، اضافة الى تهيئة المناخ الملائم والمقومات والمصادر والموارد التي لا تكتمل عملية بناء الوطن بدونها ، اضافة الى ذالك، يجب ان نفهم ونقر بالحقيقة التي تقول : ان بناء الدول لم يعد بيد الحكومات والشعوب وحدها وانما هناك قوى عظمى ودول واطراف دولية ذات المصالح المشتركة تعمل تحت شعار (الديمقراطية، تنظيم المجتمعات وإستقرارها ـ طبعأ بالحفاظ على نفوذها ومصالحها في المنطقة ـ، أهمية الحفاظ على وحدة الدول وسلامة أراضيها، وتطبيق سياسات ازدواجية ماكرة صُممت من أجل اخضاع الشعوب بقوة من جهة وإبقاء مصادر البترول المنطقة في أيديهم وتحت سيطرتهم من جهة ثانية، اضافة الى ذالك ان هذه القوى الدولية لها نفوذها وسلطتها واجندتها في المنطقة، وتتعامل مع السياسات والقوانين الدولية حسب الخداع والمعاير المزدوجة والمكائد السياسية و العهود الزائفة (الموروثة عن الاطماع الاستعمارية الغربية في الشرق الاوسط )، وهذه النقطة هي من أهم معوقات ولادة الدولة الجديدة في الشرق الاوسط الحبلى والمحتقنة بل محترقة أبداً بالصراعات و المصالح والتناقضات والتشرذم السياسي والفوضى الأمنية والمذهبية والإثنية والقومية، وان اعتراضات الخارجية ( الإقليمية والدولية ) الاخيرة على الخطوات الإستقلالية الكوردية ( على الاقل في الوقت الحاضر ) والتاكيد على أهمية الحفاظ على وحدة العراق خير دليل على ذالك. 

ثانيأ ـ ان نكسة كركوك الاخيرة اثبتت من جديد، ان إستقلال كوردستان مرتبط بجملةً معقدةً من الاعتبارات التاريخية والجغرافية والجيوسياسية والاستراتيجية والديموغرافية والاقتصادية، لايكمن الغائها (بجرة قلم ولا بقرار ارتجالي). 

ثالثا ـ لاتزال الدول العظمى والكبرى تتعامل مع القضية الكوردية بمكيالين، فظاهريًّا كل الدول الاوروبية مع (حقوق الشعوب في تقرير مصيرها)، ولكن على أرض الواقع الأمور مختلفة تمامًا، وهو ما يعطي انطباعًا لدى الكثير من المحللين السياسيين أن هذه الدول ليس فقط (لا ترغب في إنهاء الصراع الدائر في منطقة الشرق الاوسط ومنها حل المسالة الكوردية حلا سلميا، بل تحاول جاهدا ولمصالحها (السياسية والاقتصادية والعسكرية) في المنطقة في مضاعفة تلك المشاكل التي تدفع الشعوب ثمنها ) .

 

خاتمة البحث : 

لقد حذرت وحذر الكثيرون من الزملاء القيادات الكوردستانية من مخاطر (توقيت الإستفتاء على إستقلال إقليم كوردستان وقلت تحديدا : ان المطالبات باجراء الإستفتاء وتحديدا في هذا الوقت العصيب الذي يمر به الإقليم والعراق والمنطقة بشكل عام ما هي الا زوبعة مصطنعة للهروب من مواجهة المشاكل الحقيقية التي تنخر في جسد المؤسسات والوزارات في الإقليم وفي مقدمتها (الفساد الاداري والحزبي اضافة الى الازمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والفقر وانخفاض مستوى المعيشة الناتج عن تراجع الأداء الاقتصادي).

كما قلت : ان المواطن الكوردستاني يعانى الأمرين من سوء الأحوال المعيشية، وغلاء الأسعار فى الأسواق بشكل غير مسبوق مع تقليص الرواتب و إلغاء بعض الامتيازات وتأخير تسليم الرواتب، وفي ظل هذا الوضع السياسي والاقتصادي المزري (لن يحل الإستفتاء مشاكل الإقليم )، بل بالعكس يعمق الازمة السياسية والاقتصادية في الإقليم من جهة، ويزيد شدة التوتر بين (الإقليم وبغداد ودول المنطقة وخاصة تركيا وايران) من جهة ثانية، في الوقت الذي نحن لسنا بحاجة إلى المزيد من الأعداء ، يكفينا مشاكلنا، فالإستفتاء حسب الواقع الحالي الذي لا يبعد وصفه كثيرا عن الوضع الكارثي ( يجرنا إلى الوراء ويضعنا امام مشاكل وأحداث لا تحمد عقباها)، (وها قد حدث ما كنا نتوقع حدوثه ) .

نعم، لقد حذرت القيادة الكوردية مرارا كمراقب محايد للوضع الكوردستاني بشكل خاص وقلت : بان للجغرافيا السياسية دوركبير في انكساراتنا وتراجعا السابقة والحالية لان بكل بساطة ان إستقلال كوردستان لن يكون شأنا داخليا (عراقيا ـ كورديأ )كما يصوره البعض بل سيؤثر على كل المنطقة. وخاصة الدول الإقليمية ولكن دون جدوى...

اسباب فشل جميع المحاولات في إقامة دولة او جمهورية كوردستان المستقلة على مر التاريخ : 

ان حجم المؤامرات الدولية والإقليمية والمحلية التي تعرض لها الكورد على مر التاريخ والتقاء مصالح الدول العظمى مع الدول الكولونيالية الاقليمية المجاورة والتي ( تعاني من أزمة هوية الدولة احادية القومية المفروضة على مجتمع متعدد القومية، والغاء الهوية القوميات الاخرى وحرمانها من ابسط حقوقها من جهة، والاخطاء التي ارتكبها (قادة الكورد) منها : عدم تفاهمهم مع القوى الكبرى التي تسيطر على المنطقة، وعدم تجاوز الانقسامات الداخلية والاستعانة بالقوى المعادية لتبديل موازين القوى الداخلية والانشغال بالصراعات والتناحرات الداخلية ( الكوردية بين الاخوة الاعداء ـ وإحلال لغة الدم محل لغة الحوار والتفاهم، والاحتكام إلى منطق القوة بدلا من قوة المنطق )، وإهمال الاعتبارات التاريخية والجغرافية والجيوسياسية والاستراتيجية والديموغرافية والاقتصادية المرتبطة باستقلال كوردستان ، وعدم قراءتها لما يدور من حولها بعين فاحصة متمحصة والتفرط بما هو موجود على الارض ، اضاقة الى طغيان الطابع العشائري على الثورات والتمردات الكوردية ، حيث ظلت هذا الطابع حاضرا في الفكر والسلوكيات والقرارات السياسية وفي تفكير القادة الكورد الى يومنا هذا، وفي كل شيء، وتفاقم الصراعات بين امراء الولايات الكوردية وتعاون بعضهم مع حكومات الدول المعادية للكورد، لهذه الاسباب ولاسباب كثيرة ذاتية وموضوعية اخرى ( فشل جميع المحاولات في إقامة دولة او جمهورية كوردستان المستقلة على مر التاريخ) .

لم يكن ختام الإستفتاء فيه أى "رائحة مسك" : 

عكس المقولة "ختامها مسك"، التي طالما تشير إلى نهاية تفوح منها رائحة المسك والسعادة والفرح، لم يكن ختام الإستفتاء فيه أى "رائحة مسك" بل على العكس تماما فبدل رائحة المسك، انتشرت رائحة البارود في الاجواء بعد ان احرقت المدافع الثقيلة وصواريخ ابرامز الامريكية بيوت الابرياء في المناطق (المغضوب عليها ) وفق المادة 140، من الدستور العراقي (الميت اصلا )،وحسب تصريح وزارة الهجرة والمهجرين العراقية،، إن نحو 120 ألف شخص نزحوا من محافظة كركوك وقضاء طوزخورماتو (تابع لمحافظة صلاح الدين) منذ بدء القوات العراقية حملة عسكرية على هذه المناطق في 16 اكتوبر الماضي، وأضافت الوزارة في بيان لها، أن النازحين فروا إلى محافظتي أربيل والسليمانية. 

لااريد ان اخوض اكثر في اسباب فشل الإستفتاء، فقد كتب عن ذالك الكثير، وبامكان المرء ان يضيف ما شاء له اجتهاده من اسباب ذاتية وموضوعية، لكن ذالك لن يغير من الامر كثيرا، فالمهم الان اكتشاف (طريق النهوض )وفهم الحقيقة التي تقول ان السياسة هي فن الممكن وخارج الممكن تبدأ المغامرة نحو المجهول بالضبط كما حدث قبل وبعد الإستفاء.

اخيرا : علينا ان نعي ونفهم اصول اللعبة جيدا : ان امريكا، تنظر إلى العراق والشرق الاوسط بشكل عام من منظور مصالحها، وليس من منظور مصلحة الشعوب المضطهدة ، علينا ان نفهم بان الدول العظمى تضع كل شيء خلفها من أجل مصالحها،وعليه تجعل من أعداء الأمس أصدقاء اليوم، وتتخلي عن أصدقاء اليوم من أجل أعداء الأمس . 

والأسئلة التي تطرح نفسها في نهاية البحث هي التالية: اين نحن الكورد من قواعد واصول اللعبة السياسية ( الدولية والإقليمية والمحلية ) ؟ إلى متى نعول على امريكا وحلفائها في ترتيب أوراقنا الداخليةالتي بعثرها الإستفتاء ؟ متى يخرج الإقليم من قيود التبعية الاقتصادية والسياسة الإقليمية القاتلة ويعمل لتخطيط مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة ؟ متى نعي ونفهم ان في السياسة لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة ولكن هناك مصالح دائمة ؟ متى نفهم بان الدولة لاتُبنى بالسياسة فقط بل بالاقتصاد والتنمية البشرية وتطوير الذات والوحدة الحقيقية بين ابناء الوطن ؟ 

 

انتهى

ـــــــــــــــــ

مصادر البحث :

A HISTORY OF IRAQ – Charles Tripp-1 
2 ـ كورد وكوردستان للعلامة محمد امين زكي المجلد (الاول والثاني والثالث ) مطبعة دار السلام ( بغداد ) 1350 هـ 1931 م
3 ـ م. س لآزاريف تاريخ كوردستان.
4 ـ الكورد والمسألة الكوردية الدكتور شاكر خصباك منشورات الثقافة الجديدة.
5 ـ منذر الموصلي، الحياة الحزبية في كوردستان.
6ـ فلاديمير ايليتش أوليانوف لينين، مسائل بناء الاشتراكية والشيوعية في الاتحاد السوفيتي موسكو دار التقدم.
7 ـ كردستان ودوامة الحرب الدكتور محمد احسان.
8 ـ سنوات المحنة في كردستان اهم الحوادث السياسية والعسكرية في كردستان والعراق من 1958 الى 1980 المحامي شكيب عقراوي
9 ـ حنا بطاطو العراق، الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية، الكتاب الاول.
10 ـ لازاريف، المسألة الكردية (1917-1923)
11 ـ لقاء الكاتب مع سكرتير الحزب الشيوعي العراقي السابق الراحل ( عزيز محمد ) 2016.
12 ـ ملحق مذكراتي (الشاعر الوطني الكوردي الكبير احمد دلزار الجزء الاول والثاني)
13 ـ خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان للمؤرخ محمد أمين زكي (1880 – 1948) 
14 ـ البارزاني والحركة التحررية الكردية الجزء الاول مسعود البارزني.