إن الله (سبحانه وتعالى) يوجه ويحرك&تاريخ البشرية ويدير حياتها على وجه الأرض، وقد يصل الانسان الى طريق مسدود فيفتحه الله بقدرته، وقد تصل البشرية الى حافة السقوط فتدركها الرحمة الربانية فتنقذها من التردي الى الهاوية. يقول تعالى: "وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون".&لقد&أحدث&الإسلام ثورة في القيم والمبادئ والأخلاق والذوق، بل ثورة في كل شؤون الانسان وتصوراته، ولقد قال الرسول (ص) يوم فتح مكة: "إن الزمان قد&استدار&كهيئته يوم&خلق السماوات&والأرض"، وكان يعني بذلك ان سيرة الانسان قد تغيرت ورجع الانسان الى فطرته السليمة التي فطره الله عليها.

لنا في حياة العظماء معين لا ينضب من الخبرة والعبرة والايمان والأمل، فهم القمم التي نتطلع اليها بشوق، والمنارات التي تكشح الدياجير من امام ارجلنا وابصارنا، وهم الذين يجددون ثقتنا بأنفسنا وبالحياة واهدافها النبيلة القريبة والبعيدة، ولولا هؤلاء العظماء الذين ضحوا بالغالي والنفيس لأصابنا القنوط في كفاحنا مع المجهول، ولرفعنا الرايات البيضاء معلنين استسلامنا. إلا اننا لم نستسلم يوما لليأس ولم نقنط من رحمة الله، فالنصر للحق ولو جاء متأخرا بشهادة الذين انتصروا من قبلنا، والإمام الحسين (ع) واحد منهم وهو معنا في كل حين وان قامت بيننا وبينه&وهدات&سحيقة من الزمان والمكان، فلا الزمان بقادر على ان يخنق صوته في آذاننا ولا المكان بماح صورته من اذهاننا.

قد يعتقد البعض ان الامام الحسين قاد المعارضة الإسلامية ضد الحكم الأموي بقيادة يزيد من اجل تولي الخلافة وهذا اعتقاد خاطئ، فالحسين سار على خطا ابيه الإمام علي&وأخيه&الحسن في هذا الأمر. والمعلوم تاريخيا ان الإمام علي قد نأى بنفسه عن الخلافة (وإن لم يخف حقه فيها) منذ البداية، أي بعد وفاة الرسول (ص) واختلاف المهاجرين والانصار حول احقية كل طرف منهم فيها. ولم يقبل الخلافة بعد مقتل عثمان إلا بعد الإلحاح والإصرار الشديدين من أغلبية المهاجرين والأنصار، وخوفه من وقوع فتنة كبرى قد تضر بالإسلام والمسلمين. أما الحسن فقد عزف عن الخلافة وابرم الصلح مع معاوية حقنا لدماء المسلمين ولكن الأخير نقض العهد.

الهدف الحقيقي من الثورة الحسينية هو التصدي&للانحراف&والظلم والاستئثار، وهي أيضا تمثل بداية التحرك الإيجابي والجدي للأكثرية المحرومة والمستضعفة، وقد تمكن الحسين بثورته الخالدة من تحقيق الأهداف التالية: (1) إشعار الناس بواقعهم المرير والسيئ. (2) التعبير عن الثورة الاجتماعية والإنسانية. (3) بعث روح جهادية ومبادئ نضالية واخلاقية جديدة في نفوس العامة من الناس.&(4) تأكيد مبدأ هام واساسي في الإسلام هو انه لا يجوز بأي حال من الأحوال ان يتولى أمور المسلمين أحد&-&مهما على مقامه&-&بغير رضاهم.

وقد&أعلن&الحسين هذه الأهداف في قولته الشهيرة التي لا تزال&تتردد في خواطر المجاهدين عن الحق في هذا العالم: "إني لم اخرج أشرا ولا بطرا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد، اريد ان آمر بالمعروف&وأنهى&عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق".&كلمات قليلة، لها ابعاد بعيدة حدد&بها الحسين&اهداف ثورته الخالدة في العقول والقلوب، فلا غاية له من ورائها إلا الحق، فهي ثورة الإسلام والإنسانية التي تترفع عن مستوى الأفراد والأشخاص والغايات الدنيوية، لذلك بقيت رمزا&مشعا&للاستشهاد&في سبيل الحق تعيش في ضمير الانسان ووجدانه ما بقي في الكون حق وباطل.&

من هذا المنظور، نرى ان ثورة الحسين ليست ثورة محلية&تمتد على مساحة الحركة الإسلامية في زمن محدود، وليست ثورة يطمح قائدها من خلالها الى الرئاسة&والزعامة والسيادة، او كسب المال والجاه. انها في الحقيقة ثورة إنسانية إصلاحية عالمية انعكست تراثا ساطعا ومجيدا، ونموذجا جهاديا على كافة الحركات الثورية في ذلك العصر وفي كل عصر حتى تقوم الساعة.

يقول الأستاذ عباس محمود العقاد: "انهزم&الحسين يوم كربلاء وأصيب هو&وذووه&من بعده، ولكنه مثل للناس في حلة من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في&تواريخ بني الانسان، وحسبه انه وحده في تاريخ الدنيا الشهيد ابن الشهيد".&