قام أحدهم بصياغة نظرية&بعنوان "&العقرب والضفدع&"&وسألني عن الرأي العلمي فيها وسردها على النحو التالي: توسل حيوان العقرب إلى الضفدع لكي يمتطي ظهره حتى يعبر ‏إلى الجهة الأخرى من البركة. وافق الضفدع وعندما وصلا إلى اليابسة لدغة العقرب وقفز إلى اليابسة ‏وغرق الضفدع في البركة. فوضع الرجل نظرية تقول "أن حيوان العقرب شرير ويجب قتله والقضاء عليه ‏وسحقه من الوجود" والدليل على صحة النظرية ما فعله العقرب مع الضفدع المسالم. ‏

فأجبت بأن هذه النظرية خاطئة فليس العقرب حيوان شرير وليس الضفدع حيوان مسالم لأن كل منهما قد ‏تصرف طبقا للإيديولوجيا الغريزية التي تحكمه. وأن الصفات الغريزية للحيوان لا يمكن وصفها بالصحيحة ‏أو الخاطئة لأنها ضمن الإيديولوجيا الغريزية الحاكمة لكل منهما.. فلكل منهما أيدلوجيا غريزية تختلف عن ‏الآخر وهو يتصرف بناء عليها، وبالمناسبة إذا جاء نفس العقرب إلى نفس الضفدع ـ بفرض أنه نجا من ‏اللدغة الأولى لفعل كلاهما نفس الشيء ذاته، وبالتالي لا يحق للمرء أن يصف العقرب بالشرير لأنه لدغ ‏الضفدع ولا ينبغي أن نلوم الضفدع لأنه مسالم لأن كل من العقرب والضفدع قد مارس مقتضيات وجوده ‏ووظائفه. أما إذا لدغ العقرب الإنسان فيلام الإنسان الذي لم يفهم طبيعة هذا الحيوان ولم يتدبر أمور الحماية ‏من لدغاته. لأن الإنسان الطبيعي الذي يمتلك العقل لا ينتمي إلى الأيدلوجيا الغريزية الثابتة التي للحيوان ‏وإنما إلى الأيدلوجية الفكرية المتغيرة التي للإنسان. ‏

فسألني ...وما هو الفرق بين الإيديولوجيا الغريزية والإيديولوجية الفكرية؟؟ فأجبته بأن الإيديولوجيا ‏الغريزية تتكون من منظومة غرائزية لا تعتمد على العقل بينما الأيديولوجيا الفكرية تتكون من منظومة ‏فكرية تعتمد على العقل وتتغير بتغير الوعي الإنساني. فالإنسان البدائي الذي كان يعيش طبقا للغرائز لم ‏يكن يعرف الفرق بين الزوجة والابنة ولا يعرف الفرق بين الصدق والكذب ولا يعرف الفرق بين سبب ‏وجوده على الأرض أو الهدف منه ... أما الآن فالإنسان ينتمي إلى ايدلوجيا الأفكار المتغيرة وهي منظومة ‏فكرية يتم فيها ترتيب الأفكار بطريقة مثلى تمكنه من تحقيق استحقاقات الخير والسلام والرخاء لنفسه ‏وللبشرية جمعاء. ‏

فعاد وسألني مرة أخرى... وهل توجد أفكار صحيحة وأفكار خاطئة؟ فأجبته "لا توجد &أفكار صحيحة ‏وأفكار خاطئة ولكن توجد ايدلوجيات صحيحة وايدلوجيات خاطئة"... وكما قال الفيلسوف فولتير "لا يوجد ‏شيء سيء في ذاته او طيب في ذاته وإنما فكر الإنسان يجعله أحدهما"..

فالأفكار مخلوقات مثلها مثل باقي المخلوقات فلا يمكن أن نصف الفكرة بالخاطئة أو بالصحيحة كما لا ‏يمكننا أن نصف العقرب بالشرير لأنه لدغ ضفدعاً لأن في هذه الحالة علينا أيضاً أن نصف الضفدع ‏بالشرير لأنه يلتهم الحشرات. وإن الأفكار هي التي تبحث عن العقل البشري الذي يستطيع أن يدركها ‏ويفهمها؟؟ وقدمت له مثالاً عن فكرة الجاذبية الأرضية التي كانت موجودة من قبل أن يوجد نيوتن بملايين ‏السنين ولكن عقل نيوتن هو من استطاع أن يقبلها ويفهمها في الزمن المحدد. ‏

فإذا كان الإنسان لا يزال محكوما بالايديولوجيا الغرائزية فسوف يقبل الأفكار التي لا تتوافق مع العقل بل ‏تتوافق مع الغرائز، وإذا كان محكوما بالأيدلوجية الفكرية التي تتطور مع الزمان والمكان فسوف يقبل ‏الأفكار التي يقبلها العقل ويرفض الأفكار التي تتعارض مع التفكير الحر غير المقيد بثوابت الغرائز.‏‎&‎

‏ فعلى سبيل المثال إن جاءتك فكرة "أنك إنسان بار" فهل هي تقبلها أم ترفضها؟؟ في الحقيقة أن الإنسان ‏العاقل يجب أن يرفضها معللاً ذلك باحتمالية قبولها من آخرين وبالتالي لن يكون هو الوحيد الذي يمتلك ‏هذه الفضيلة... أما الإنسان الغرائزي العتيق فعلى الفور يقبلها معللاً ذلك بأنه يستحقها لأن ينفذ كل ‏الفروض والطاعات حسب معتقداته وبالتالي يتعالى على الآخرين معتبرا إياهم من الأشرار.‏

والآن إذا سلمنا بفكرة أن العقرب شرير ففي هذه الحالة من الواجب على كل أتباع هذه الفكرة أن يقتلوا كل ‏العقارب التي على سطح الأرض، ولكن هذا بالتأكيد مستحيل لأن العقارب سوف تختبيء في شقوق ‏الأرض والجبال الواسعة وتتحرك بحذر وتخطيط محنك من أجل الحماية وبالتالي فإن المطالبين بسحق ‏العقارب وقتلهم جميعا لن ينجحوا وسوف تستنزف طاقتهم في حرب بلا هوادة وايضا بلا فائدة.‏

‏ وإذا سلمنا بفكرة أن العقارب ليست شريرة فسوف نجد العقارب في كل مكان وقد انتشرت فوق سطح ‏الأرض فلم تعد في حاجة إلى الاختباء في شقوق الأرض وسوف يتضاعف أعداد القتلى من البشر ‏المسالمين الذين لم يفهموا بعد نظرية حيوان العقرب. ‏

فما هو الحل إذن يتساءل بعضهم؟؟ كيف نواجه خطر الأيديولوجيا الغرائزية التي تمثلها الجماعات ‏الإرهابية التي تقتل الأبرياء والمسالمين وتحارب الأوطان التي تنتمي إليها وتحارب الأوطان التي تهاجر ‏إليها وتحارب الأب والأم والأخ والصديق والغريب وكل من لا ينتمي إليها ؟ كيف نتعامل مع الأيديولوجيا ‏الغرائزية التي وحدت أشكال تابعيها فلا تستطيع أن تفرق بينهم كما لا تستطيع أن تفرق بين أنواع ‏العقارب؟ ‏

إن الدول التي تريد أن تنهض من تخلفها وتتقدم نحو الرخاء مطالبة أولاً بتطهير نفسها من العقارب النائمة ‏في جحور مؤسساتها وذلك عن طريق تغيير الخريطة الجينية لأفكارهم وهو ما يسمى بالمراجعات الفكرية ‏وهذا يحتاج إلى مجهودات عظيمة لأن هناك خطط شيطانية عالمية لتنمية الأيدلوجيات الغرائزية... ‏

الحكام الشجعان تقع على عاتقهم وحدهم مسئولية وضع آليات نافذة حازمة حاسمة لتقديم الحماية الفكرية ‏لشعوبهم بدءً من المراحل العمرية الأولى لتتحصن ضد تصرفات العقارب المميتة.. وعليها ايضاً أن ‏تسمح بتصادم الأفكار في كل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية لأنها هي التي تأتي بالاستنارة مثلها في ‏ذلك مثل تصادم الذرات الذي ينتج عنه النور... ‏

وعلى الحكومات العربية أن تتبنى برامج تنويرية في كل برامجها وأن تشجع التلاميذ في المدارس ‏والطلاب في الجامعات والعمال في مصانعهم بممارسة كل أنواع الفنون فهذا كفيل بأن يحميهم من سموم ‏العقارب ويدخلهم في الأيديولوجيات الفكرية التي تتطور وتنمو طبقا لتطور العلوم والفنون..‏

وفي نفس ذات الوقت كلما ظهر عقرب أو مجموعة من العقارب لممارسة غريزة اللدغ في أيا من ‏مؤسسات الدولة فعلينا بمساعدة الحكومات لكي تتمكن من سحقها تماما حتى تظل العقارب الأخرى في ‏باطن الأرض فتنتحر ذاتيا. "‏‎‎فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه‎"‎

[email protected]