أيام الاسر في أثناء الحرب&الايرانية ـ العراقية، وتحديدا في صيف&عام&1985، وعندما کان الاسرى&العراقيون&في الاقسام الاربعة لکمب نامجو&في معسکر"برندك"&يقومون بأداء صلاة المغرب والعشاء في&القسم الاول للکمب،&فوجئ الاسرى بأسير وقد صعد على حين غرة على برج مراقبة يقع في وسط الکمبات الاربعة وکان متروکا لأنه کانت هناك أربعة أبراج مراقبة&خلف السياج الخارجي، هذا الاسير&صرخ بأعلى صوته: أخوان والله أنا لست بضابط مخابرات عراقي، لکنهم أجبروني تحت التعذيب بأن أعترف بذلك کذبا&وألقى بنفسه من أعلى البرج ليلاقي حتفه فورا.

في تلك الايام، کانت هناك ماکان قد سمي فيما بعد بقضية"الدکتور حسين"، حيث تم إتهام قرابة&300&أسير عراقي على إن&أغلبهم ضباط مخابرات عراقيين مندسين بين الاسرى والبقية ضباط کبار وطيارين،&وکان کاتب الاسطر من بينهم حيث&تم جعلي رغم أنفي"عقيد رکن مخابرات"&القصر&الجمهوري وزعموا إنني مسؤول&ملف الاکراد وأوربا ومرتبط بصورة مباشرة&ببرزان التکريتي،&وهذه التهمة جاءتني لأنني&قمت بالترجمة للصليب الاحمر الدولي لکوني کنت أجيد الانکليزية والعربية والکردية والترکمانية! يومها&وفي غمرة عمليات التعذيب الجسدي والنفسي للأسرى العراقيين&والذي نلت منه قسطا وافرا&هناك واحدة من الحالات التي کلما أتذکرها&وأرويها فإنني أتشتت بين الضحك والبکاء، إذ کان هناك جندي أسير من تکريت&في قسمنا کنا ندعوه"أبو شلال"،&وکان راعيا قبل أسره وأميا، وقد أجبروه تحت التعذيب بأن&يعترف بأنه&قائد مقاتلة"ميغ&25"، وطلبوا منه أن يرسم تخطيطا للطائرة وکتابة مواصفاتها والطلعات التي قام بها&ضد إيران والاهداف التي ضربها، وکان الرجل سريره الى جانب سريري&وکنت أکتب قصصا جاسوسية خيالية لکي أتخلص من الوحش&الدکتور حسين والذي کان مرتبطا بالمخابرات&الايرانية، فطلب مني أبو شلال هامسا:"استاذ نزار ممکن&ترسم طيارة"ميغ25" وتجاوب&على الاسئلة فأنا لاأعرف القراءة والکتابة"،&حينها لم صرت معلقا بين البکاء&والضحك.

هذه القضية کانت ستقضي على حياة الکثير من الاسرى لولا تصريح لجورج شولتز وزير الخارجية الامريکية&وقتها قال فيه أن الاسرى العراقيين في إيران يتعرضون لوجبات منتظمة من التعذيب الجسدي والنفسي من أجل إنتزاع إعترافات منهم. بعد هذا التصريح تم لفلفة هذه القضية ـ الفضيحة ـ العار على جبين النظام الايراني کله وأخذونا"أي المتهمين کذبا" الى معسکر قصر فيروزه لکي يخفونا عن أعين&اللجان&الدولية القادمة من أجل التحقيق في هذه القضية، ويومها زعموا بأن ماحدث أمر يربط بالدکتور حسين ولاشأن&للجمهورية الاسلامية الايرانية به، لکن السؤال الذي فضحهم أمام الاسرى کلهم هو: لماذا أخفونا&ولماذا لم ترد جمهورية الکذب والتعذيب والاعدام على تصريح شولتز&وتعترف بإرتکابها لتلك الجريمة وتکون بمستوى شجاعة السعودية&عندما إقرت بحدوث&جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي؟

خلال متابعتي لقضية إختفاء الصحفي جمال الخاشقجي وإتضاح موته فيما بعد والذي سبب لي الکثير من الالم،&هناك&3 إتجاهات"في المنطقة"&تکالبوا معا ضد السعودية ولئن کان کلواحد&منهم&يکتب بأسلوبه وطريقته الخاصة، ولکن الهدف واحد ومحدد والمجال مفتوح للکتابة وغير محدد أو مٶطر کما يحدث في بعض الاحيان في الاعلام الموجه بأن يوعز بعدم التصدي لهذا المجال أو ذاك، الجمهورية الاسلامية الايرانية التي رأت في هذه القضية منفذا ومجالا للتشفي والانتقام من السعودية، فإنها والحق يقال تصرفت بصورة حذاقة، إذ رسميا تجنبت إصدار أي تصريح نوعي ضد السعودية ولکنها في نفس الوقت حرکت&أقلاما ومواقع تابعة لها للکتابة ضد السعودية ومنح القضية بعدا وحجما أکبر من کونها قضية إغتيال وقتل صحافي، والموقف الترکي الذي يحتاج لوحده أکثر من مقال للدور النفاقي ـ التآمري والذي يظهر شيئا للسعودية ويبطن شيئا آخرا ضدها ويلعب في نفس الوقت على کل الحبال مع الاخذ بنظر الاعتبار تحالفه الوثيق والواضح مع حرکة الاخوان ضد السعودية&الاتصالات السرية التي أجرتها مع الولايات المتحدة الامريکية من أجل تحقيق أهداف وغايات على حساب&القضية، أما قطر التي تقود حملت لواء التشهير بالسعودية وأطلقت العنان للجزيرة کي&توجه للسعودية سهاما عکست من خلالها مقدار"العاطفة"الحقيقية التي تکنها لها، فإنها لم تبق إعلاميا اسلوبا ونمطا لم تجربه ضد"الشقيقة الکبرى"!

السکوت الرسمي الايراني لم يکن بدافع حب السعودية أو الحرص على العلاقات معها والعمل على إستثمار هذه الفرصة لرأب الصدع الحاصل فيها، وانما کان بسبب إن طهران أرادت أن تتبع مسار التصرف الاممي مع الرياض لأنها تعلم أن في جعبتها الکثير من الملفات الخطيرة جدا والقابلة للطرح والفتح في أية لحظة&وإن وضعها وموقفها الحالي&حساس وخطير&ولاسيما &إذا ماأخذنا بالاعتبار مواجهتها مع الولايات المتحدة الامريکية وأوضاعها الداخلية القلقة ووجود معارضة شرسة ضدها أثبتت قوتها وجدارتها في الداخل والخارج، &فالسکوت الايراني الرسمي کان بسبب الخوف من أن يتم إستخدام أي تصريح أو موقف رسمي ضدها فيما بعد، وبشکل خاص فإن مجزرة صيف عام 1988 التي أعدمت خلال فترة ثلاثة أشهر قرابة 30 ألف سجين سياسي من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق ممن کانوا أساسا يقضون&فترة&محکومياتهم ومع إن کل الادلة الثبوتية ضد طهران لکنها ليس لاتعترف لحد الان بإرتکاب هذه الجريمة"المثبتة ضدها"&علما بأن منظمة العفو الدولية إعتبرتها في حينها جريمة ضد الانسانية ويجب محاسبة مرتکبيها، بل وحتى تلجأ الى ترشيح أحد أعضاء لجنة الموت التي تحکم بالاعدام على هٶلاء السجناء في فترة قياسية لاتستغرق أکثر من ثلاثة دقائق لإنتخابات رئاسة الجمهورية الاخيرة، والانکى من ذلك إن المرشد الاعلى آية الله خامنئي هو الذي رشح هذا الجلاد الذي رفضه الشعب الايراني لدوره في هذه المجزرة تحديدا.

إذا ماکانت&السعودية قد تم إتهامها بجريمة قتل الخاشقجي والتي إعترفت ان أفرادا منها اقترفوها، فإن هناك عشرات الملفات والقضايا الاجرامية والاغتيالات والتصفيات التي قامت بها الاجهزة الامنية الايرانية بأوامر عليا ضد اناس ليسوا&معارضين فقط وانما حتى صحفيين وأدباء وفنانين ومفکرين، وإن قضية الجرائم المتسلسلة هي وصمة عار في جبين العالم الحر قبل الجمهورية الاسلامية الايرانية، فهنا تم تصفية أعداد&کبيرة من النخب الثقافية والفکرية والفنية لکونهم لايغردون في سرب"ولاية الفقيه"،&الى جانب تصفياتها لمعارضين سياسيين بارزين کالدکتور کاظم رجوي في جنيف والدکتور عبدالرحمن قاسملو في فينا والدکتور سعيد شرفکندي في برلين،کما إن جرائم الخطف والقتل عنوة وعلى سبيل المثال لا الحصر ماقد تم بشأن إختطاف 7 من المعارضين الايرانيين من معسکر أشرف في العراق وإقتيادهم عنوة لطهران ولايزال مصيرهم مجهولا،&کما إن إختطاف صحفي کردي من السليمانية&يدعى مولود آفند من قبل المخابرات الايرانية ولايزال مصيره مجهولا لحد الان، هو نموذج آخر لأساليب هذه الجمهورية والتي کانت آخر صولاتها بهذا المجال العملية الارهابية الفاشلة التي قامت بها ضد التجمع العام للمقاومة الايرانية في باريس في 30 من حزيران الماضي،&وأتساءل هنا؛ لماذا يلتزم المجتمع الدولي الصمت&ازاء کل هذه الجرائم البشعة ومع إحترامي وتقدير للراحل الخاشقجي، هل إن دمه أزرق أو من نوعية خاصة ودماء ضحايا طهران&مجرد ماء؟!