تكتسب الزيارة التي يقوم بها قداسة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، رأس الكنيسة الكاثوليكية، إلى الامارات أهمية استثنائية في ضوء اعتبارات وعوامل عدة، أولها أن الزيارة هي أول زيارة باباوية للخليج العربي، بكل ما يعنيه ذلك على الصعيد التاريخي والروحي والعلاقة بين الدين الإسلامي والمسيحي واتباعهما في مختلف ارجاء العالم.&والعامل الثاني أن هذه الزيارة ليست من النوع البروتوكولي بل تتضمن فعاليات ولقاءات في غاية الأهمية، منها المشاركة في اجتماع خاص مع أعضاء مجلس حكماء المسلمين، الذي يضم مجموعة من كبار العلماء المسلمين حول العالم برئاسة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والمشاركة في فعاليات الملتقى العالمي للأخوة الإنسانية، واللقاء والملتقى بشكل عام يمثلان محطة فاصلة ومنعطف مهم في مسار الحوار والتقارب بين الأديان، لاسيما في ظل التوجهات التي يحملها كل من فضيلة شيخ الأزهر الإمام الدكتور أحمد الطيب وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، بشأن أهمية نزع فتيل الصراعات والمؤامرات التي تحاك بهدف الوقيعة بين الإسلام والمسيحية وإشعال صراعات بين الحضارات والثقافات واستدعاء الخلافات من أدراج التاريخ بزعم الدفاع عن الإسلام أو المسيحية.

والعامل الثالث أن الزيارة تأتي في بداية عام التسامح في دولة الامارات، حيث تدشن الدولة جهودها المكثفة من أجل مأسسة دورها ورسالتها العالمية في نشر التسامح والتعايش بين البشر، ولا شك أن مشاركة البابا في هذه الجهود يمنحها زخماً إضافياً ويؤكد عالمية الرسالة ومدى ما تحظى به من دعم من رموز العالم الدينية والروحية.

والعامل الرابع أن لقاء رمزي التسامح والاعتدال في العالم الإسلامي والمسيحي، فضيلة شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، تمثل ترجمة لجهود ودور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث يقوم سموه بدور كبير في نشر التسامح والتعايش عالمياً، وتحويل الامارات إلى عاصمة لهذه القيمة الإنسانية والحضارية الفريدة، التي تمثل الحصانة القوية ضد التطرف والإرهاب والكراهية والتحريض، حيث لا يخفى على أحد دور سموه في تكريس ثقافة التعايش وإيمانه القوي بهذه الرسالة، وسعيه المستمر لمأسستها بما يضمن استدامتها وتعميم فوائدها في العالم أجمع.

العامل الخامس يتمثل في الرسالة التي تنطوي عليها زيارة البابا فرانسيس إلى دولة الامارات، حيث سيحضر قداسته القداس والصلاة البابوية التي سيحتضنها ملعب مدينة زايد الرياضية، وسط حضور أكثر من&120&ألف شخص، يتقدمهم العديد من المسؤولين الحكوميين، وهو قداس سيذاع على قناة الفاتيكان، أي أنه سيحمل رسالة سلام إلى العالم أجمع، وسيكون لهذا القداس أثر تاريخي بالغ في التقريب بين الإسلام والمسيحية والتعريف بالقيم الصيلة للدين الإسلامي الحنيف، ولاسيما ما يتعلق بقبول الآخر والانفتاح عليه والتعايش معه.

بابا الفاتيكان، فرانسيس الثاني، أحد قادة التسامح ورموزه وداعية من أهم دعاة السلام في العالم على مدى العصور، فقد عرف بحرص قداسته الشديد على المحبة والاخاء ونشر السلام، وتأكيده المستمر على ضرورة رعاية اللاجئين والنازحين وضحايا العنف والحروب والأزمات والكوارث، فهو يمثل قلب الإنسانية النابض، وتتلاقى مواقفه وقناعاته الإنسانية والحضارية مع قناعات وقيم شعب الامارات وقيادتها الرشيدة، التي تؤمن بنشر الخير ومساعدة الآخرين من دون تفرقة بين لون وجنس وعرق، وهي قيم متأصلة في شعبنا منذ غرسها المغفور له بإذن الله تعالى القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

وقد وصف البابا أرض الامارات في رسالة مصورة بأرض الازدهار والسلام، ودار التعايش واللقاء، التي يجد فيها الكثيرون مكاناً آمناً للعمل والعيش بحرية تحترم الاختلاف، وقال&"لقد صدق طيب الذكر&الشيخ زايد&مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة حين قال إن الثروة الحقيقية ليست في الإمكانيات المادية وحدها وإنما الثروة الحقيقية للأمة تكمن في أفراد شعبها الذين يصنعون مستقبل أمتهم، الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال"&فجاءت هذه الرسالة الطيبة بمنزلة تعميق لجسور الحب والمودة القائمة بين شعب الامارات وقيادتها وقداسة البابا، الذي يكن له العالم أجمع كل التقدير والاحترام.

مرحباً بقداسة البابا وشيخ الأزهر في أرض السلام وعاصمة التسامح في العالم، في زيارة تثبت رسالة الامارات الحضارية، وتؤكد أن الدولة التي تستضيف اليوم أكثر من مائتي جنسية لا تعيش حالة طارئة من التسامح والتعايش الانساني، بل تؤمن بجوهر رسالتها وتعمل جدياً على نشر قيمها ومبادئها عبر تقديم القدوة والنموذج، في وقت تحتاج فيه منطقتنا والعالم أجمع إلى إشاعة النموذج الاماراتي في مجتمعات تفشت فيها الكراهية والتعصب والعنف والإرهاب.