بين عامي 2015&و2016، قامت المحاكم الكندية بمقاضاة جيانغ& غوميشي الذي كان يعمل مقدم برامج إذاعية وتلفزيونية، بتهمة الاعتداء الجنسي على عشرين امرأة. ورغم أن المحاكم برأته في النهاية من التهم الموجهة له، فإنه ظل يعاني من تبعاتها على شبكات التواصل الاجتماعي.& فقد& تم فصله من عمله، وبات منبوذا حتى من أرب الناس إليه. وفي خريف عام&2018، قام الأمريكي يان بوروما الذي كان آنذاك رئيس تحرير الأسبوعية المرموقة"New York Review of Books"& بنشر قصة جيان غوميشي ، مشيرا في الآن نفسه بأنه من الأفضل التعامل بأقل قسوة وعنف مع المتهمين مثله بالتحرش والاعتداء الجنسي إذ أن الحكم بالسجن عليهم &قد تكون له حدود، أما التحريض عليهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي فيمكن أن يكون مدمرا، بل قاتلا.&

حال صدور المقال، راح القراء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي يهاجون يان بوروما بشراسة. والكثيرون منهم عادوا إلى مقالاته القديمة لكي يبحثوا فيها عن ما& يثبت كراهيته للنساء، واستخفافه بحريتهن، ومساندته لمن يعتدون& عليهن جنسيا.& ومن جانبها، هددت دور النشر الجامعية بسحب اعلاناتها الدعائية.& وأمام تلك التهجمات والتهديدات& العنيفة والمتتالية،& قام صاحب المجلة المرموقة بفصل يان بوروما من عمله...

مدافعا عن نفسه، يقول بوروما بإن هدفه لم يكن بأي حال من الأحوال الدفاع عن غوميشي، ولا التعبير عن مساندته له، بل كان يبتغي فقط أن يمنحه فرصة للحديث عن& نفسه خصوصا وأنه يعلم جيدا أن الأسبوعية التي يرأس تحريرها تعودت دائما وأبدا توخي النزاهة والحياد. لذلك كانت ترفض دائما أن تكون ناطقة باسم حركة سياسية أو أيديولوجية أو غيرها. ومن قبل كانت قد نشرت قصة الكاتب الأمريكي الكبير نورمان مايلر الذي كان قد طعن زوجته حتى الموت. فعلت ذلك ليس لتبرئته، وإنما لكي تطلع القراء على خفايا جريمته الشنيعة. ويضيف بوروما قائلا بأن صاحب الأسبوعية طلب منه الاعتذار لكنه رفض ذلك لأنه ليس متهما، وإنما هو كاتب أراد أن ينقل للقراء قصة رجل يعيش معاناة نفسية حادة بسبب التهجمات التي يتعرض لها في كل يوم. كما أنه يعتقد أن التحريض على من اقترفوا اعتداءات جنسية لن يكون مفيدا إذ أنه لن ينهيها أبدا تماما مثلما يحدث مع مرتكبي الجرائم العنصرية. وصحيح أنه قد يكون استهان ب"روح الفترة " التي يعيشها العالم راهنا بعد تكاثر الاعتداءات الجنسية، وأنه "ضغط على زر عاصفة الاستنكار التي ادلعت ضده، لكنه يعتقد أن شكلا من أشكال "تحدي" الرأي العام يكون أحينا ضروريا. أما توجيه التهم من دون اعتماد الجدل الواضح والصريح فيقود إلى امتثالية ناتجة عن الخوف. والخوف يغيّب الخطاب العقلاني والرصين.&

وما نحن نستنجه من قصة يان بوروما هو أن حرية التعبير ليست دائما مضمونة في أكثر البلدان تمسكا بالديمقراطية والحرية، عكس ما يتصوره المتحكمون في المشهد الإعلامي والسياسي& في تونس. وكثير من هؤلاء يعتقدون أن حرية التعبير التي أصبحوا ينعمون بها بعد انهيار نظام بن علي تبيح لهم أن يعفلوا ما يشاؤون، وأن يطلقوا ما يبتغون من كلام في أي مجال كان من دون حسيب ولا رقيب. وقد حدث في أكثر من مرة أن قام نواب في مجلس البرلمان بإطلاق عبارات بذيئة، وبشتم خصومهم من دون أن ينالهم أي عقاب. وفي وسائل الاعلام بجميع أنواعه، &&يتم يوميا باسم حرية التعبير،& &الاعتداء على هيبة الدولة، والحط من كرامة رجالاتها. وفي خطب المساجد، تطلق دعوات التحريض على العنف، ونشر الكراهية بين أبناء الوطن الواحد.&