خاص من القاهرة: أكد الكاتب الصحافي خالد غازي في بحثه لنيل درجة الدكتوراة في الصحافة الالكترونية العربية أن صحيفة ( ايلاف) تعتبر من أوائل الصحف الإلكترونية العربية، وقد صدرت من لندن في 21 مايو 2001، وتعد من أكبر المواقع الإخبارية العربية، وأوسعها انتشارا.. وقد قفز ترتيبها على المستوي العالمي، وقفز عدد زائريها منذ بداية عام 2005 حتى الآن لتحتل مكانة متقدمة بين المواقع الإعلامية العربية، مما يجعلها من المواقع الإعلامية المؤثرة في المنطقة العربية.

وقد حصل خالد محمد غازي على درجة دكتوراة الإعلام في الصحافة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الاولى من الجامعة الأميركية PHU عن أطروحته quot; الصحافة الإلكترونية العربية .. الالتزام والتجاوز في الخطاب والطرحquot;، والتي أشرف عليها د. شريف فتحي ، وقدم الباحث رسالته في نحو 452 صفحة، تضم مقدمة وتمهيداً وأربعة فصول، في كل فصل أربعة مباحث، وتختتم بالنتائج والتوصيات ، بالإضافة إلى موجز عربي وآخر إنجليزي، وتذيل الدراسة بالمراجع.

وقد أشادت لجنة المناقشة بالبحث وبجهد الباحث، وأمانته العلمية في اعتماده علي الكتب والمراجع والدوريات العربية والأجنبية، والتي تزيد علي 160 مرجعا، بالإضافة إلي القوانين والتشريعات المعمول بها في الدول العربية ، وجاءت الدراسة وافية تثري المكتبة العربية في هذا المجال، وتعد مرشدا علميا ومنهجيا أمام الدارسين وأصحاب القرار على السواء، وذلك لأهمية ما تضمنته من رصد وتحليل ونتائج وتوصيات.

وقد قسم الباحث الصحف التي تنشر بواسطة النشر الإلكتروني إلى ستة أنواع.
1- نسخ إلكترونية من صحف مطبوعة ورقيا معروفة باسمها وتاريخها، وما تقدمه مجرد نسخة إلكترونية طبق الأصل لما تقدمه الصحيفة الورقية 2- صحف إلكترونية تحمل اسم الصحيفة الورقية، لكنها تختلف عنها في محتواها وخدماتها وتوجهاتها، وتعتمد علي التحديث المستمر واستطلاع الرأي والتفاعلية.
3- صحف إلكترونية ليس لها أصل ورقي
4- مواقع إعلامية ويقصد بها الشبكات الإخبارية على الإنترنت ومواقع الأحزاب والتيارات السياسية والاقتصادية
5- الإذاعات والفضائيات التي تعني بتقديم تقارير إخبارية صوتية وتقديم خدمات نصية بصور وأشكال إيضاحية وساحة حوار تفاعلي مع المتلقي. 6- مواقع وكالات الأنباء العالمية والعربية التي تقدم خدماتها على شبكة الإنترنت بعدة لغات أو باللغة العربية، وتقدم تغطية لجميع الأحداث العالمية وتعرضها في الموقع.. إضافة إلى خدمة الأخبار والمعلومات التي تتواصل بها مع المتلقي عبر البريد الإلكتروني.

وصنف الباحث صحيفة (ايلاف) من النوع الثاني للصحافة الالكترونية ، حيث لا يوجد لها أصل ورقي . وأكد أن الصحف الإلكترونية التي ليس لها أصل ورقي أثبتت حضورها على المستوي العالمي في مجالات رصد الأحداث وصناعة الخبر، وتتبع الحدث، واستطاعت دخول منافسة قوية مع الصحافة التقليدية الورقية، واستثمرت عناصر ومؤثرات تعجز الصحافة الورقية عن استخدامها نظراً لطبيعتها، فاجتازات الحدود والأيدولوجيات عبر فضاء أرحب.

وقال الباحث إن quot; ايلاف quot; أخذت في توجهها الأخذ بأنها مشروع مستقبلي، يأخذ في اعتباره سرعة التواصل والاتصال، ويفترض أنه سيستمر اقتصاديا علي المدى الطويلquot;. وقد أكد على هذا ناشرها الكاتب الصحافي السعودي عثمان العمير فقال :quot; إنها مشروع إعلامي متكامل، تضم فيه الصحيفة بما لها من مداخيل وأصول وجذوع إلى منظومة شقيقاتها الإعلاميات الأخرى، إنها تدمج ذلك الألق الصحافي الذي يجده القارئ في الجريدة، بتلك الأنهار الإعلامية التي أصبحت متداخلة بينها وبين نفسهاquot;، مؤكدًا أن صحيفته أداة إعلامية مستقلة تريد نقل التجربة الحديثة في تقديم الخبر والمعلومة، دون حرج وبلا أية حساسيات، لا نسبية، ولا مفرطة في الارتفاع.. لا تنتمي إلى تيار، ولا تعبر عن حزب، ولا تقف مع دولة أخري، بل هي نافذة العربي إلي العالم، وجسر العالم إليه ، إننا نعتقد أن الصحافة شيء والرأي شيء آخر.. فإذا احترمنا الرأي وقدرناه ووضعناه في الاعتبار الذي يستحقه، فإن مهنة الصحافي لا قداسة ولا استشهاد ولا مزايدة فيها.. إنها ببساطة خدمة حضارية لملاح إنترنتي يحتاج إلى الإشباع.

وللصحيفة شبكة من المراسلين في مختلف العواصم، يتابعون الحدث ويقدمون مادة صحفية خاصة بإيلاف علي ساحات الحدث: السياسي والاقتصادي والثقافي والرياضي والاجتماعي.. ويشارك بالكتابة فيها نخبة من الكتاب العرب، ويعتمد الموقع بشكل أساسي على الكلمة المقروءة، بالإضافة إلى الصور المميزة، والصفحة الرئيسية تتميز بألوان جذابة، وبحجم صور كبير عالي الجودة.

ويحتوي الموقع علي العديد من الأبواب: سياسة، اقتصاد، ثقافات، صحة، رياضة، موسيقي، جريدة الجرائد، كمبيوتر وإنترنت، منوعات، أخبار 24 ساعة، مال وأعمال، كتاب إيلاف، ومن الأبواب التي تلاقي اهتمامًا خاصًا من حيث المساحة ومكان العرض في الموقع لإيلاف (باب نساء إيلاف، وباب الموضة) فقد غلب على الموقع ومن صفحة البداية تعامله مع المرأة، باعتبارها الأنثى واهتم بالموضة وأخبار الحياة الخاصة لنجمات الفن، سواء في العالم أو المنطقة العربية مع الحرص على وضع صور النجمات ذات التقنية والوضوح العالي والألوان الصارخة في مكان بارز في الصفحة الأولي لجذب نوع من الجمهور وتكون هذه الطريقة في التناول في مقدمة اهتماماته.

وعلي صعيد الخدمات سعى الموقع إلى أن يكون سباقًا في التفاعل الحي بينه وبين زواره، ومن هنا حرص علي توفير نافذة للصحة بالتعاون مع الشركة الأوروبية إيماك وقدم خدمة السيارات بالاشتراك مع أمبا AMPA وخدمة آخر الأخبار PSS بالإضافة إلي القوائم البريدية.

أيضًا يتميز الموقع بخاصية البحث ويقدم خيارين للبحث اللفظي، أحدهما بحث عام والآخر بحث تفصيلي. - البحث العــام : يغطي البحث العام فترة طويلة تعود إلى 8 أبريل 2004 ، وكان من الواضح من قراءة النتائج أن عملية البحث تجري في نطاق العنوان. - البحث التفصيلي : بحث تفصيلي حسب القسم، وتحديد مدة وتاريخ البحث أو بواسطة اسم الكتاب أو اسم المؤسسة. بتجربة البحث التفصيلي كانت نتيجة البحث تتوقف عند 14 أغسطس 2006، بما يعني أن عملية البحث تجري فقط خلال الشهور الخمسة الأخيرة من السنة المحددة، كنطاق للبحث التفصيلي وهي سنة 2006، وكان من الواضح من قراءة النتائج أن عملية البحث لا تجري في نطاق العنوان فقط، ولكنها تمتد إلي النص أيضًا.

وأكد د. خالد غازي في أطروحته للدكتوراة أن الصحافة الإلكترونية شهدت انتصاراً كبيراً بعد الحادي عشر من سبتمبر ، والذي أفاق فيه العالم على وقع كارثة الدمار والرعب في أميركا، فقد استطاعت الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، أن تنقل بالكلمة والصوت والصورة، ذلك الحدث التاريخي بدقة وكفاءة نادرة، بينما تعثرت بعض الصحف والفضائيات الكلاسيكية وفشلت في تلك المهمة.

واستطاعت بعض الموقع الإخبارية الإلكترونية العالمية أن تثبت حضورها وتفوقها وأصبحت كمرجعية إخبارية في الظروف الجادة والحرجة وأصبح من الطبيعي أن يلجأ إليها الفرد العادي والمهتم أو المختص في السياسة وغيرها، كمرجعية موثوقة المصداقية بعد أن كانت متهمة بالتواطؤ والتدليس.

ومثلما حدث على المستوى العالمي من ولادة مواقع إخبارية إلكترونية، تمخضت المنطقة العربية عن عدة مواقع إخبارية إلكترونية بعضها تصنع الخبر، ولا تكتفي بإعادة تصديره بعد التقاطه من الوكالات وشبكات التليفزيون والإذاعة , وأكد خالد غازي في خلاصة بحثه أنه نتيجة للتقدم التكنولوجي المتلاحق ، فقد تغير مسار إنتاج المعلومات ومعدل تدفقها ، وبالتالي أصبح من الصعب وقف هذا الزخم، وتحقيق ما يشبه بديمقراطية المعلومات ، والأقلال من تحكم الدولة في مسارها وتوجيهها ، بالاضافة إلى أن التحول من الكلمة المكتوبة أو المطبوعة إلى الصحافة إلالكترونية قد أصبح ظاهرة أكثر من كونها مجرد تغيير في وسيلة الاتصال ، فالصحافة الإلكترونية هي نتاج امتزاج الإعلام بالتقنية الرقمية، ورغم عمرها القصير حققت في نحو عقد من الزمان ما حققته الصحافة المطبوعة في عشرات السنين ، وتمكنت من تقديم مكاسب عديدة للمهنة الإعلامية ولجمهور القراء وكذلك لمستويات أخرى من المستفيدين مثل المعلنين والطبقة السياسية ومروجي الأفكار، والدعاة وسواهم، لكن هذه المكاسب ارتبطت ـ ومازالت ـ بتطور التقنية وانتشارها وبطبيعة الجمهور الذي يستخدمها.

وبرغم أن المؤشرات حول ذلك لا تزال غير مشجعة فإن كثيرًا من الباحثين جنحوا مبكرًا إلى الحديث عن هزيمة الصحافة التقليدية ونهاية عصرها . وفي هذا السياق المتنامي خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها : أولا : إن الصحافة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا استمرت نحو ربع قرن من التجارب الإلكترونية والشبكية ، وأصبحت تمتلك درجة من النضج والمعرفة بميزات النشر الشبكي الإلكتروني مكنتها من الوجود في شبكة الإنترنت بمجرد ظهورها، أما بالنسبة للصحافة العربية فالأمر مختلف ، حيث لم تكن لها تجارب سابقة في النشر الإلكتروني مثل تجارب التكست والفديوتكست وقواعد المعلومات الشبكية إلا لماما ، وبالتالي تأخرت في اللحاق بعالم الإنترنت.

ثانيا : انتشار استخدام الإنترنت قد فرض نفسه على العملية الصحفية ، بما في ذلك استقاء المعلومات من مصادر متعددة، وتوظيفها ثم تخزينها بعد ذلك في أوعية إلكترونية تمثل أرشيف المحرر بعد ذلك ، والاستفادة من الخصائص التي وفرتها النظم الرقمية وأصبحت دالة علي تميزها ، وبصفة خاصة التفاعلية والوسائط المتعددة والنص الفائق.

ثالثا : ليس كافيًا توفير الصحيفة الورقية علي موقعها الإلكتروني بنفس الشكل ونفس الصيغة فلا يزيد هذا الأمر على كونه نقلاً للصفحات المطبوعة إلى شبكة الإنترنت باستخدام نفس التقنية التي تستخدم في الصحيفة المطبوعة، وهي الماسح الضوئي ، ولا تحمل أية سمة جديدة سوى القراءة على الشبكة بجانب توزيعها اليومي للجريدة المطبوعة، وبالتالي لا تحمل السمات الخاصة بالصحافة الإلكترونية التي تتميز بخصائص تميزها مثل: -الفورية ومواكبة الحدث - الحدود المفتوحة - تغليب العالمية علي المحلية - التفاعلية - استخدام الوسائط المتعددة - خيارات التصفح والعرض - الأرشيف الإلكتروني الفوري - التكلفة المالية القليلة - تطوير المهارات المهنية للصحافيين.

رابعا : لم يعد مفهوم الصحافة حكرًا على المؤسسات الصحافية بالمعني التقليدي في الصحافة المطبوعة، لذلك فإن الصحيفة الإلكترونية يجب أن تتميز بالاستقلال التام عن الصحف المطبوعة، حتي وإن كانت تصدر عن مؤسسة صحفية قائمة أو تحمل نفس عناوين إصداراتها. ويمتد الاستقلال ليشمل جميع المراحل بدءًا من التخطيط لإنشاء الموقع وأهدافه إلى تحرير المادة الصحفية، وتصميم الصفحات ونشرها على الشبكة ، تمت الاستفادة من خصائص النظم الرقمية في تصميم البرامج والمواقع بالتركيز على خصائص المتلقي وحاجاته، وتلبية هذه الحاجات وفق نظم التجول والاختيار والتفاعل والمشاركة التي توفرها هذه المواقع، بحيث يصبح الموقع أو المحتوي كما لو كان مخصصًا للمتلقي بذاته وتكون له الحرية في توجيه اختياراته وفق هذه الخصائص والحاجات، بما يؤدي بالتالي إلى تطوير العلاقة بالقارئ وتدعيمها.. بالإضافة إلى تصميم آليات تفاعل المستخدم أو القارئ، فإن الصحيفة الإلكترونية يجب أن تستفيد أيضًا من أدوات الاتصال المتاحة على الشبكة، حتي يتحقق في هذه العملية الاتصال ثنائي الاتجاه، أو متعدد الاتجاهات لتأكيد تفاعل القارئ مع الصحيفة والعاملين بها وأقرانه من القراء والمستخدمين لهذه الصحيفة وموقعها.

خامسا : يغلب على بنية المواقع الصحفية العربية - موضوع الدراسة - انعدام توظيف الوسائط المتعددة باستثناء مواقع قليلة جدا ، بعضها خاص بفضائيات عربية شهيرة ، وباقي مواقع الصحف الإلكترونية تعرض صوراً صماء دون تعليق أو دون وجود صور فيديو، أو إحالة مواقع أخري ، واستخدام أنظمة الوسائط المتعددة في الصحافة يمارسه حاليًا صحفيون كبار في صحف عالمية واسعة الانتشار مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، حيث يقدمون عروض فيديو أو صوراً مصحوبة بتعليقات ينفذها محررون صحافيون.

سادسا : العديد من الصحف الإلكترونية العربية والمواقع الإعلامية والشبكات الإخبارية علي الإنترنت يعيد نشر ما هو منشور سابقًا، مثل شبكة الأخبار العربية quot;محيطquot; فهي تعيد نشر ما تبثه الوكالات المشتركة بها، وتعيد نشر ما تنشره الصحف بعد تلخيصه، كذلك موقع quot;نسيجquot; الإخباري، وهذا يشير ضمنا إلى أن لدينا صحافة إلكترونية قائمة محكومة بتصور في الفعل ومرتكزة علي منظومة عمل، في حين أن الحاصل هو وجود بعض المنابر علي الشبكة على أساس من هذه الخلفية أو تلك، ولو سلمنا بأن إعادة نشر مادة منشورة أو تجديدها في وسائل أخري لها متصفحون علي الشبكة، لكن بنسبة أقل، فلماذا لا يذهب المتصفح للأصل بدلاً من الناقل ؟ وبالتالي فهذه المواقع الخاصة بالشبكات الإخبارية في حاجة ملحة للتطوير المهني ومواكبة الحدث، فمن وظيفة الإعلام توفير الخبر ومتابعته بوجهات نظر ورؤي مختلفة تثري التعمق في جزئياته واحتواء ملابساته .

سابعا : تواجه الصحافة الإلكترونية العربية صعوبات كثيرة أهمها : - عدم وجود عائد مادي من الإعلانات أو الاشتراكات أو التسويق مثل الذي توفره الصحافة الورقية، فالمعلن مازال يشعر بعدم الثقة في هذا النوع الجديد من الصحافة - ندرة وجود الصحافي الإلكتروني المدرب والمؤهل للتحرير الإلكتروني وإلمامه بالتقنيات الرقمية المتعددة ، التي تحتاج إلي مهارة ودراسة وتدريب، كذلك متابعة الصحف الإلكترونية الدولية وطرق تحريرها ولا يتوافر ذلك إلا بإجادة الصحفي أكثر من لغة - تأخر دخول الإنترنت للعديد من الدول العربية وعدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة لمستخدميه - حتي الآن - بصرف النظر عن بعض الاستثناءات - غياب الانظمة والقوانين العربية التي تنظم الصحافة الإلكترونية ، مالها وماعليها ، لهذا يتعاظم الاهتمام بأمن المعلومات الإلكترونية وسلامتها ـ المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار والمعلومات الأجنبية التي أصدرت صحفا إلكترونية عربية، ومثال ذلك الـquot;bbcquot; والـ quot;cnnquot; وراديو مونت كارلو.

ثامنا : إن التحدي الأكبر أمام الناشرين للصحف المطبوعة هو الاستفادة من ثورة الإنترنت التي وصفت بأنها جنين ، إلا أنها تدمر وتعيد بناء كل شيء في طريقها ، وأن الصحف الورقية ستصبح واحدة فقط من عدة خيارات أمام مستخدم الأخبار مستقبلاً، وهذا ما يتطابق مع ما يقوله المدافعون عن قطاع الصحف الذين يقولون دائماً إنه في تاريخ الإعلام لم يحدث أن ألغت وسيلة جديدة أخري قديمة والدليل أن التليفزيون والإذاعة والصحف لاتزال جميعاً موجودة.

تاسعا : إن احتكار الصحف للأخبار ولي زمنه ، وأن التحدي هو نقل الأخبار في الشكل الذي يريده المستهلكون، وعلي أصحاب المؤسسات الصحفية والإعلامية التخلي عن الأحكام المسبقة والبدء بالتفكير في طرق جديدة ومبتكرة لجذب قطاعات كبيرة من القراء ، فأصبح من الضروري تطوير كيفية تفكيرنا بمنتجنا ، وفي كيفية التواصل الفعال فيما بين المحررين والمراسلين مع قرائهم ، فالسمة البارزة التي تميز ظاهرة الصحافة الإلكترونية هي الابتكار فلم تعد المواقع الإعلامية الإلكترونية تفرض علي قارئها أطراً معينة تنحصر في مصادرها ومعلوماتها هي فقط، بل أصبحت تمتد وتتشعب لتصل به إلي مصادر إعلامية أخري ذات توجهات ورؤي مختلفة.

عاشرا: إذا كان للعالم العربي موقف تقليدي يحد من تداول المعلومات والأفكار بشكل عام فإنه لم يكن من السهل أن تتم ترجمة هذا الموقف السلبي إلي إجراءات بالنسبة لشبكات المعلومات الدولية quot;الإنترنتquot; علي أن تلك الدول قامت بالعديد من الإجراءات التي تساعد علي إخضاع شبكة الإنترنت للتحكم والسيطرة من جانبها ولو بصورة جزئية، في عديد من الإجراءات نذكر منها : ـ فرض الهيمنة الحكومية علي البنية الأساسية المعلوماتية واحتكار تقديم خدمات الإنترنت، فمؤسسات الاتصال التابعة للدولة غالباً ما تحتكر الخطوط الهاتفية، وفي عدد من الدول فإن الشركات التي تديرها الحكومة هي التي تقدم خدمات الإنترنت للجمهور مثل دولة الإمارات ـ عمان ـ قطر ـ البحرين.

تبني وسائل متعددة للحد من التدفق المباشر للمعلومات ويدخل ضمن هذه الوسائل فرض الرقابة من خلال أجهزة كمبيوتر رئيسة تملكها الدولة Proxy Servers وتمر عليها محتويات الشبكة ، بما يتيح للدولة إعاقة مضمون معين عن الوصول للمستخدم النهائي للإنترنت، وهي وسيلة معتمدة علي سبيل المثال في اليمن والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، أيضاً في عدد من الدول مثل الأردن فإن الضرائب والسياسات السعرية للاتصالات تجعل تكلفة الوصول للإنترنت تفوق طاقة قطاعات واسعة من المواطنين علي تحملها، ويشكو مستخدمو الإنترنت في عدد من الدول بما فيها البحرين وتونس من خضوع بريدهم الإلكتروني للمراقبة ، وفي بلدان مثل الإمارات تتحكم وزارة الإعلام والشرطة فضلاً عن شركة quot;إنترنت الإماراتquot; في إصدار ترخيص للإنترنت، وقد أنشأت كل الحكومات مواقع متعددة علي الشبكة لكي يكون صوتها مسموعا وسط طوفان مصادر المعلومات البديلة، وتكتفي تونس بإنشاء مثل هذه المواقع التي تحوي معلومات رسمية ووصلات لوسائل الإعلام المؤيدة للحكومة بل ربما عمدت إلي تضليل الزائرين بإنشاء موقع يحمل اسم إمنستي quot;العفو الدوليةquot; ويقدم معلومات إيجابية فقط عن سجل تونس في مجال حقوق الإنسان ولا صلة له بتقارير العفو الدولية الحقيقية. ولا توجد في البلاد العربية عموما تدخلات تشريعية منفصلة تهدف إلي تقييد حرية الإعلام علي الإنترنت، فالتدخلات التشريعية لتقييد تدفق المعلومات علي الإنترنت محدودة ، حيث إنه في معظم البلدان العربية يمتد تطبيق نصوص قوانين العقوبات والقوانين المقيدة لحرية النشر والبث إلي مستخدمي الإنترنت ، أيضاً تونس الدولة العربية الوحيدة التي لديها أكثر تشريعات الإنترنت.


حادي عشر : ضعف التشريعات الخاصة بالصحافة الإلكترونية في العالم العربي، فلم نجد بعد بنية من القوانين الخاصة بهذا اللون الجديد من الصحافة الذي يعد صوت المستقبل، وهذا يعني أننا متخلفون عن الركب ولا نواكب الأحداث فضلاً عن أن نسبقها بل نتأخر دائماً عن ملاحقة الحدث وننتظر حتي تقع الكارثة، ومن ثم فإننا ننشغل بالأمور غير الجوهرية من خلال ضعف بنية التشريعات لهذا الوليد الجديد، كذلك فإن كثيراً من الدول تكيل بمعيار واحد لنمطين مختلفين من الصحافة بمعني أنها تطبق تشريعات الصحافة المكتوبة أو الورقية علي الصحافة الإلكترونية مما يعني عدم الاستقلالية والتمييز، صحيح أن الصحافة واحدة من حيث هي حرفة لكن آلياتها وأدواتها ومفاهيمها أصبحت مختلفة، الأمر الذي يعني المطابقة في البداية وضرورة الفصم والاستقلال في النهاية، ومن ثم فتطبيق تشريعات الصحافة المكتوبة أو الورقية علي الصحافة الإلكترونية هو نوع من التقصير لابد من تداركه الآن، وفي الكثير من الدول العربية لا توجد قوانين أو تشريعات خاصة بالصحافة الإلكترونية لكن السلطة الحاكمة تكيف بعض نصوص القوانين لتكميم هذا النوع من الصحافة بالحجب أو المصادرة مما يؤدي إلي القضاء عليه ومن ثم خسارته في النهاية كما هي الحال في تونس وسوريا. إن ظهور ممارسات تعسفية من قبل بعض الحكومات في سن قوانين عاجلة لكبح الممارسة الصحفية في الصحافة الإلكترونية يعني أن سن هذه القوانين يأتي بالسلب علي واقع الصحافة الإلكترونية لا الإيجاب، وقد لوحظ أن التشريعات إن وجدت تكرس نوعاً واحدا من المفاهيم وهي المفاهيم التي تخدم أهداف السلطة وليست أهداف الصحافة أو المجتمع أي أنها تشريعات أحادية الجانب وهذا يفرغ فكرة التشريعات من جوهرها ويخليها من مضامينها العامة التي وجدت من أجلها، وهكذا تبدو التشريعات احتكارية لا تتفق مع مفاهيم العالم المتحضر. كما يلاحظ التشابه الشديد بين تشريعات الدول العربية فيما يخص الصحافة الورقية أو الإلكترونية ولا يكاد يوجد اختلاف إلا في الصيغ والقوالب اللغوية وصك المصطلحات وهذا يعني أن الوطن العربي ـ ككل ـ هو وطن واحد أو بلد واحد وإن تعددت صوره، فهو وطن السلطة الحاكمة لا الشعوب المحكومة وهذا يعني أنه ككل في حاجة إلي قدر من التحرر الجاد لتحقيق المفاهيم الحقيقية للتقدم والنهضة في عالم لا يكف عن التحرك للأمام. ويوصي الباحث خالد محمد غازي في ختام رسالته بالآتي : - طرحت دراسة الصحافة الإلكترونية نوعا جديدا من الصحافة هو quot; صحافة المواطن quot; يتميز بالتفاعلية والتواصل الفوري بوسائل وطرق متنوعة تكسر حواجز الصمت في سرعة نقل الحس الشعبي تجاه الحداث والمواقف والشخصيات وهدم اللغة الرسمية والفوقية و حرية طرح المواضيع الحساسة والخطيرة ، الأمر الذي يستدعي توافر قسط من الرسائل والدراسات العلمية حول هذا الموضوع بالذات. ـ ضرورة وجود تشريعات كضابط للممارسة الصحفية الإلكترونية في الدول العربية، وإن عدم وجودها يخلي المسألة من الضوابط الفاعلة ويجعل هناك خروجاً عن القيم والأخلاقيات والآداب العامة في مجتمعنا ، وهذا يعني في النهاية وجود ابتذال وانفلات واضحين في الصحافة الإلكترونية تميزت به لعدم وجود الرقيب أو التشريعات الخاصة ومن ثم تدهور العمل الصحفي في النهاية وتحوله إلي معول هدم أخلاقي بشكل أكثر سفوراً، كما أن التشريعات حينما تصطبغ بالصبغة الدولية بشكل يتكئ علي اتفاقيات دولية عالمية تنتمي لفترات سابقة فإنها لا تسير علي الخط المهيأ لها بل تنحرف عنه، إلي أن تنفصل عن أرض الواقع وتصبح مجرد بنود موقع عليها دون تفعيل جاد علي أرض الواقع، إن الهدف من التشريعات هو ضبط العمل الصحفي والوصول إلي أعلي صورة فاعلية لا جعلها حجر عثرة في طريق الصحافة، وهذا هو ما تحتاجه الصحافة الإلكترونية في عالمنا العربي في الفترة الحالية والمستقبلية كي تكون صحافة بحق وليست مجرد تكرار لعهود غابرة في عالم الصحافة الورقيةbull; - ضرورة تفعيل مواثيق الشرف المهني علي الصحافة الإلكترونية ، فميثاق الشرف هو الجانب الأخلاقي في المهنة وهو متفرع عن عقيدة الأخلاق في كل الثقافات والديانات ، وهو مظهر من مظاهر المنظمات غير الحكومية نشأ في الغرب ثم انتقل إلي الشرق، وهو فكرة فعالة غير أنه مما يقلص من فاعليتها انتشار أنظمة الحزب الواحد والعشيرة الواحدة والزعيم الأوحد ومن ثم فقد تبدو فكرة مرتبطة بمناخ حضاري حتي تتأسس في بنية سليمة وتعتبر مواثيق الشرف والقوانين ثنائية بارزة، فالمفترض أن القوانين تحمي مواثيق الشرف وأن مواثيق الشرف تكمل القوانين، لكن حين تتباعد المسافة بين طرفي الثنائية فهذا يعني أن المجتمع في أزمة، وقد رأينا أمثلة عديدة لمواثيق الشرف المهني لدي أكثر من جهة ومؤسسة محلياً وعالمياً تبين مدي احترام قداسة العمل لدي هذه الجهات والمؤسسات، ولا يبقي من كل ذلك إلا التطبيق. - إن التحلي بالأخلاق في العمل الصحفي هو فن وإحساس في المقام الأول، فلا أحد فوق مستوي الشبهات أو خارج نطاق المحاسبة، إلا بما يمليه عليه ضميره وحسه الداخلي أولاً ، ومن هنا قد نجد صوراً عديدة يتم فيها التجاوز المهني في الخطاب والطرح، لأن الصحفي لم يلزم نفسه بها ولم يلزم نفسه بالحس الخلقي من الأساس. - ضرورة إعلاء قيم الحريات الصحفية في ظل حماية قانونية ودستورية للصحفي والمجتمع أيضاً، والاستفادة من تجارب دول العالم المتقدمة في هذا المجال، ولا تتم النهضة أو إعلاء لقيمة ما مرة واحدة، بل يجب أن نبحث في صورة دفعات وإلا فلن نعثر علي شيء. - ضرورة التعمق في دراسة بنية تطور الصحافة الإلكترونية العربية التي تتطور وتزدهر كل يوم ، علي أن تتم الاستفادة من التجارب المتميزة عالمياً في هذا المجال.