&خلال السنوات الخمس الماضية، شهد المجتمع العربي ربيعَ أحداثٍ لم يتوقعها أحد أن تحدث بهذا الشكل الباهظ. فحرية التعبير التي حل حِراك الربيع الاجتماعي من أجلها، تحققت هنا أو هناك لكن بشكل هجين وباعث على الأسى؛ الرخاء الاقتصادي أصبح مطلبا عسيرا، الخوف منذ ظهور الزمر الإرهابية وأساليبهم في القتل والتفجيرات، بات مرسوما على كل الوجوه... هجرة بالملايين، انتشار الأمية، مدنٌ تهدّمَت، الخارطة في انزياح لا احد يعرف إلى أية هاوية. هذا ما حدث؟ كيف يمكننا أن نلقي نظرة نقدية على هذا الزلزال المسمى بالربيع العربي... لكي نستخلص صورة واضحة لمستقبل الربيع فيه يأتي بالنور وليس بالعتمة إلى عيوننا. طرحت "إيلاف" هذا السؤال على عدد من الكتاب، وها هي إجاباتهم:

الديكتاتور الأقل فسادًا!
الشاعر سمير درويش
منذ 11 فبراير 2011 وهناك إصرار لا يلين على خلق واقع جديد في مصر، جديد من حيث أسماء الأشخاص وملامحهم وطرق تعاطيهم مع الملفات المطروحة في الظاهر، لكنه يريد أن يصل- برضا أوسع- لنفس الغايات التي كان يستهدفها ويعمل عليها النظام السابق، وهو تطبيق حرفي لما ذكره نعوم تشومسكي في محاضرة علنية- موجودة على موقع يوتيوب- بعد تخلي الرئيس الأسبق مبارك عن إدارة الشأن المصري لمصلحة
المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي أفرز رئيسًا جديدًا من بين أعضائه يرث مبارك دون أن يرث تركته المثقلة بالهموم.
قال تشومسكي إن أمريكا والغرب لن يسمحا بإقامة نظام ديمقراطي في مصر، فهم يطبقون النظرية التي تقول إنه لو تهاوى الديكتاتور الموالي، فنحه جانبًا، وأطلق بعض العبارات عن حبك للديمقراطية، ثم أبدأ في البحث عن ديكتاتور أقل فسادًا من بين رجاله!
هذا السيناريو عمد إلى تضخيم المخاطر الداخلية والخارجية وتسويقها للبسطاء، حتى يصوروا رجلهم الجديد بصورة المخلص المنقذ، وكي يقبلوا الإجراءات التعسفية للنظام- من قبض عشوائي واختفاء قسري ومحاكمات سريعة غير عادلة- تحت غطاء الحفاظ على كيان الدولة وتماسكها، وذلك مصحوب بخطاب عاطفي ارتجالي لا يقدم حقائق ومعلومات وبرامج وخطط ومواعيد محددة للتنفيذ، بقدر ما يقدم أحلامًا وأمنيات، ويجد من يتحمس له مع ذلك!
على الأرض يدفع الفقراء ثمن عدم انهيار الدولة حتى الآن، فقد تم تخفيض الدعم على الوقود بأنواعه، وتخفيض ما ينفق على المواد التموينية التي تصرف على البطاقات للمحتاجين، واستصدار قوانين تخفض أجور العاملين بالدولة، وفي المقابل لم تمس أموال الفاسدين رغم أن الحراك الثوري كان يستهدفهم من الأصل، فلم يتم رفع سعر مشتقات البترول المستخدمة في المصانع استخدامًا تجاريًّا، ولم تسترد الدولة الأراضي التي باعتها لهم بأسعار متدنية بغرض الاستصلاح فحولوها إلى مباني وباعوها بأسعار خيالية كمنتجعات وفلل على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، ولم تستقطع ضرائب من أرباح البورصة، ولا الضرائب التصاعدية بشكل ظاهر ومؤثر، بل إن الأغنياء يتهربون من دفع ضرائبهم من الأصل، بينما تستقطع ضرائب الفقراء من المنبع!
والمتابع سيجد أن الدعاوى التي تساق لفعل ذلك هي نفسها التي كان يرددها نظام الرئيس المتخلي حسني مبارك، وهي الخوف من هروب رأس المال وإغلاق المصانع.. إلخ، رغم أن القاصي والداني يعرف أن الأرباح يتم تهريبها للخارج، وأن الدولة لا تستفيد بشكل كبير، ناهيك عن ما يحدث من مضاربات وغسيل أموال واستيرد سلع تافهة. في حين يضع العالم كله ضوابط للمستثمرين ورجال الأعمال بحيث تكون الفائدة متبادلة، وليست في اتجاه واحد كما يحدث عندنا.
لقد أعطى المصريون كل ما يستطيعون لنظام الحكم المالي، من أول التغاضي عن الأخطاء الكبرى التي لم يهضموها أثناء حكم الإخوان، حتى جمع الأموال بما يفوق التوقعات لحفر تفريعة قناة السويس، وهم يستهدفون مساعدته على إحداث طفرة حقيقية تساعد مصر على النهوض من عثرتها، ويكفي أن نعرف أن أكثر من ثلث مدخرات حفر التفريعة ليست محولة من أرصدة البنوك الأخرى، وإنما من الأموال المكنوزة في البيوت سواء على شكل أوراق نقدية أو مشغولات ذهبية وغيرها، وهو ما يعكس أمل المصريين في مستقبل أفضل لم تظهر بوادره حتى الآن.
لذلك.. فأنا اتصور أن المستقبل سينبني على تلك الشواهد الواقعية، فالشعب سيظل لفترة قادمة صابرًا، يبحث عن مبررات عدم إحداث فرق جوهري على الأرض، وسيتعلق بأي إنجاز ولو ضئيل حتى لا يظهر فشل انحيازه، لكن حينما يكتشف ذلك نتيجة موقف أو حادثة، وهي متوقعة، فإن ثورته ستكون على قدر تحمله: قاسية وصاعقة لا تبقي ولا تذر.
&
سؤال روايتي القادمة
الروائي والباحث د.السيد نجم
تصادف أن جاء التساؤل بينما موضوعه هو ما يشغلنى بالفعل منذ فترة، لأننى بصدد كتابة رواية تنشغل بما كان منذ 25 يناير وما أصبحنا عليه الآن.. وبالتالى سوف أحول جملة الصور الروائية التى سجلت والمحتملة فى أفكار للاجابة على السؤال الذى يحتوينا جميعا: وماذا بعد؟ لكن لكى نجيب يجب أن نتساءل عما كان وحدث وأفرز ما نحن فيه..&
نعم، حدث أن تحرك الشباب (المثقف) مع علمى بكل ما قيل حول التدريب والتمويل والدفع المعنوى الخارجى، ومع الإفتراض أو حتى الجزم بأنه صحيح ومرصود من جهات أثق بها، أقول أنه لولا أن البيئة الحاضنة من جموع الشعب، ما كانت حققت واحد على مليون مما تحقق.. إذن هناك مجتمع يموج بالرغبة فى التغيير، وجاءت الفرصة.
ثم حدث أن بدت الثورة بلا (رأس) ولعلها أول ثورة فى التاريخ تبدو هكذا، حتى الثورة البرتقالية التى شبهت بها تزعمتها المعارضة.. فلما تولى المجلس العسكرى إدارة البلاد لم يجد من يتفاوض معه لتسليمه السلطة، ولا حتى مجموعة الشباب من رواد الثورة، لم تجمع بينهم وجهة واحدة ولا إرادة مشتركة.
وكان أن هيمنت قوى الإسلام السياسى على الساحة السياسية فى البلاد، لأنها القوة السياسية الوحيدة المنظمة سياسيا.. بينما فشلت فى إدارة البلاد وثار الشعب ثانية وحقق فى 30يونية ما أكده تحرك القوات المسلحة فى 3يوليو2013م، وبدأت مرحلة ثورية جديدة.
منذ تلك الفترة وبدت ظواهر يمكن رصدها بسهولة: أولها (التشويش) هل هو تعبير دال؟ ربما يتضمن فيما يتضمن.. الظواهر الإعلامية السلبية بالعموم وخصوصا "التوك شو" فى القنوات التليفزيونية الخاصة.. الإفراط فى التفاؤل إلى حد عدم الرغبة فى المشاركة العامة بالعمل الجاد.. مع اللهفة فى حصد ما تم من إنجازه سياسيا وإجتماعيا، بعد اسقاط نظام عجوز فاسد، ويتمثل عند العامة بتوفير العمل وزيادة المرتبات وتحسين الخدمات دفعة واحدة، وغيره.. وأيضا من مظاهر التشويش أن عبر البعض عن الفترة الإنتقالية التى نعيشها بأنها سيئة وما قبل الثورة أفضل! هكذا لوجود بعض المصاعب، ودون الصبر على تحقيق المزيد من الإنجاز ب"العمل" والخطط المتكاملة. ربما من الظواهر الدالة على التشويش وما يبرره أيضا، عدم وجود "الشعار" الذى يلتف حوله الجميع.
كما أن هناك وقائع محددة تشى بالتشويش، والذى تمثل فى أن نال البعض قدر كبير من الالم، بينما هو يمارس عمله الأمنى (مثلا).. هؤلاء رجال الشرطة الذين تم محاكمتهم بينما هم يدافعون عن أقسام الشرطة، ولم تكن المحاكمة الا لأسباب سياسية.. وغيره.
ولا يمكن تجاهل القوى المضادة للثورة الآن، منها: الخلايا النائمة التى تعد وقود الإرهاب وعملياته الفاجرة، سواء أكان فى سيناء أو غيرها، ولكننا نرى قدر الجهد الذى جعلها أقل أثرا عما قبل.. وأيضا هؤلاء ممن لم يمارسوا العمل السياسى وأصبحوا فى ليلة وضحاها من رجال السياسة بل وأعضاء مجلس النواب الجديد، على إعتقاد أن الصوت الزاعق هو الوطنية والوعى وفرض الحلول.. وعلى الرغم من تحسن بعض الضرورات الاجتماعية مثل توفير التموين الشهرى والخبز بالشكل الجديد، إلا أنه توجد فئة إجتماعية لا يتوفر لها هذه الخدمة.. ولننتبه لسكان المقابر والأحياء العشوائية، فهم وقود كل فوضى قبل كل ثورة.
وأخيرا أسجل بعض من رؤيتى الثقافية لمصر (والتى شرفت بعرضها على قيادات رفيعة بالبلاد) وهى تتضمن بعض العناوين، منها: دعم العنصر البشرى الإدارى- تعزيز المتاح من المؤسسات الثقافية- إعطاء الثقافة الرقمية والتقنية الجديدة ما تستحقه من إهتمام- وضع رؤية مستقبلية للوحدات الثقافية.
أن ترعى الجهود الثقافية التعاون مع الاعلام والتعليم بهدف تزكية الإنتماء والهوية ووضع أسس الأمن الثقافى مع الإيمان بالتنوع الثقافى.. ولا شك هناك خطوات يمكن البدء بها فورا مثل إنشاء مؤسسة جامعة لكل جهود ونشاطات وخطط الطفل، حيث الطفل هو المستقبل.. مع تزكية فكرة ما يعرف بالمتطوع الثقافى، وغيرها من الأفكار.
&
المستقبل، بلا مستقبل!
الشاعر والمترجم محمد عيد إبراهيم&
قد يكون الحديث عن المستقبل ضرباً من صنوف الغيب، وهو أمر يستلزم من هم أصغر سناً، فهم الأقدر على التعامل مع ما يستجدّ من أمور سياسية أو اقتصادية أو علمية، لكنه أيضاً أمر قد يستلزم من هم أكبر سناً، حيث
أنهم قادرون على الرؤية من بعيد أو التشوف لما هو في غير مقدور الأصغر سناً، وعموماً، قد يكون الأمر شراكة كاملة بين طموح الصغار وعنفوانهم، وحكمة الكبار وخبرتهم التي تستغرق سنيناً لتكتمل أو تقترب من الاكتمال، حيث لا يكتمل إلا الميت.&
"يخجلني، وأنا في عمري هذا، أن أبشّر باليأس، أو أدعو الناس إلى القنوط"، هي حكمة الروائيّ الكبير "نجيب محفوظ"، في حديث نادر ترجمته مرة، مع أن أسباب اليأس وفيرة، ودواعي القنوط غفيرة، فلا يوجد نظام سياسيّ في مصر قادر على لمّ أيّ شمل بين المتناحرين، ولا يوجد نظام اقتصاديّ قادر على كفاية حاجيات الناس ولو بالحدّ الأدنى، ولا يوجد نظام تعليميّ قادر على مسايرة التطورات المتلاحقة بشكل مرعب في كلّ أنحاء المعممورة، والأدهى أنه لا يوجد نظام ثقافيّ قادر على جمع المبدعين والمفكرين في نسق واحد أو لنقل قريب أو متشابه، فكلّ منهم في قرية لوحده، الكلّ يضرب في الكلّ، وليس ثمة مهرب لمن يريد أن يتنحّى جانباً عن المعركة ليواصل مسيرته الجمالية في هدوء وسكينة.&
ناهيك عن المستقبل، الذي لا نعرف عنه شيئاً أيّ شيء، فلا استطلاعات واضحة ولا نُذر بيضاء ولا شمائل مبشرة عما قد يصل إليه الحال في مصر، فالمؤسسة السياسية تعتمد على منظومة الأمن فقط، وهي "فقط" غليظة تكبس رأس الجميع في عنقه حتى لا يستطيع النظر حوله، مع أنها منظومة فاشلة وثبت فشلها مرات، لكن العقل غائب في مصر، الرأس موجود، لكن بلا عقل أو بعقل أجوف، ونهاية هذا الحلّ هو انفجار العقد المربوط بهشاشة بين المواطن والدولة، وقد يخسر الجميع ساعتها كلّ شيء.&
لا أنفّر البعض، طبعاً، بل أضع الجميع كلٌّ أمام مسؤوليته، الدولة لها مسؤوليات، وكلّ منا له مسؤولية، وإن لم تتحد الأهداف أو تقترب الغايات، فلا أمل غير الحريق، أعاذنا الله منه، وجنّبنا الطريق إليه، وعموماً، قد يكون بين الرماد ثمة نور، وهو قطعاً سينبثّ من بين الشباب، هم الأمل والحلّ والعمل، إليهم ننقاد، وبهم نواصل الدرب، ولو إلى مجهول، لكنه درب ما، وهم من سيستكملونه لا نحن، فالزمن في صالحهم دائماً، وعليهم تنعقد الرايات!&
&
&
من الدهشة للرفض&
القاص والناقد أسامة جاد
مع نهايات القرن الماضي، كانت هناك فكرة مفادها أن معارف الإنسانية وكشوفاتها العلمية والإنسانية والحضارية في مسافة خمس سنوات فقط، تجاوزت جمّاع ما توصلت الإنسانية إليه عبر قرون كثيرة مضت. كنا فجأة
في حالة سيولة معرفية مدهشة، انفتح العالم فيها على بعضه، في ظاهرة غير مسبوقة، سمها العولمة، أو سمها حوار الحضارات أو صدامها. ولكن ما لا يختلف الكثيرون عليه أن ثورة الاتصالات، وبالنتيجة ثورة المعلومات الناجمة عنها، أفضت إلى حالة مدهشة، وقفت دول وحكومات أمامها بشعور من العجز، أو هي الشيخوخة التي أصابت جماعة حاكمة بالكامل، في مواجهة متغير واقعي أهم سماته التسارع التقني المدهش.
ربما كان هذا المعطى، التسارع التقني والمعرفي، مع ما وسمت بدايات القرن الحادي والعشرين نفسها به، من تحول قسري من بنية الإعلام الموجه إلى الإعلام الحر؛ في الفضائيات الخاصة أولا، ومن بعدها وسائل التواصل الاجتماعي التي ولدت اصطلاحا جديدا هو "صحافة الفرد" أو "إعلام المواطن"، حيث أصبح كل امرئ مصدرا للخبر، بعد أن كان موضوعا له؛ هذا التسارع كان أحد أبرز عوامل "الفوضى الإعلامية"، التي اعتمدت الشائعة، والرأي الفرداني، والهوى كعناصر مؤثرة وفاعلة في الحكم على أي ظاهرة والتفاعل معها. وهو أمر طبيعي جدا في الواقع. غير أن الفارق، بخصوصه، أن وصولنا، في المنطقة العربية، إليه، تأخر بعض الشيء عن المجتمعات الغربية، التي تعودت أن تصدر لنا اكتشافاتها بعد فروغها منها.
والمعنى أننا، عربيا، واجهنا هذه الفوضى "الخلاقة" بمفهومها السياسي والحضاري بعد سنوات من اكتساب الغرب مناعة معرفية تجاهها. وكان من الطبيعي جدا أن تتنحى أفكار وقيم وأنظمة، ثقافية وحضارية وسياسية، شاخت، كما ذكرت، لصالح وعي جديد بدأ يتخلق بشكل مباشر، بعيدا عن التحكم المسبق في المدرسة والبيت والمجتمع الصغير، بعدما أصبح جهاز في حجم قبضة اليد قادرا على وصل مراهق في قرية نائية بأقصى أطراف الأرض من خلال دعسة زر فقط.
هذه السيولة، كأي حالة سائلة، كان لا بد لها أن تأخذ دورتها وحراكها المنطقي، من الدهشة، للرفض، ومن ثم للقبول والاعتراف، وصولا إلى اكتساب القدرة المعرفية والمنهجية على التحليل والفحص، والبحث عن مشتركات انسانية جديدة، تراعي، بذاتها، السمات الشعبوية والمجتمعية الفارقة والمميزة لقسم من الأرض عن قسم سواه، وأعني فروقات اللغة والعرق والدين كعامل اجتماعي حاكم.
بالنسبة لمنطقتنا العربية فقد انتهى القرن الماضي، وبدأ القرن الجديد، على عملية ممنهجة لتخريب واحد من أهم الكيانات العربية، حضاريا وسياسيا وعسكريا، أعني العراق، بدعاوى كثيرة ليس أكذبها مسألة امتلاك الأسلحة النووية. غير أن السياق الذي جاء بعد ذلك كشف عن وجود مخطط عام، أو هو هدف، يتقصد كل الكيانات الحضارية الفاعلة والمستقرة في المنطقة، تلك الكيانات التي حملت هي نفسها، بترهلها وفسادها وشيخوختها المفرطة، عناصر سقوطها الذاتي، أمام نداءات التغيير ومسيرات الدعوة لإسقاطها، وأقصد أنظمة "الربيع العربي".
غير أن ما تولد بعد سقوط تلك النمور الورقية كان أكثر صعوبة من تمييزه وفرزه لاستيعاب المسارات التي يمكن لنا أن نجيب من خلالها على سؤال المستقبل: ماذا بعد؟
ما أراه، شخصيا، أن هذه السيولة أمر صحي جدا، يصب في صالح قدرة المجتمع على استيعاب معطيات العولمة وآلياتها، بما يسمح لمجتمعاتنا بدخول اللعبة الكونية من جديد، كدول فاعلة، ومجتمعات مؤثرة ثقافيا وانسانيا وحضاريا. المسألة لن تكون هينة بالتأكيد، ولكنني أعرف بصورة قاطعة أننا أمام السؤال الأزلي: نكون أو لا نكون، قادرون على استنباط حلول مبتكرة جدا، تجعل منطقتنا على خريطة الألفية الثالثة، وضمن لاغبيها المركزيين.&
الأمر يتعلق بالحتم، بمرجعياته التاريخانية والجغرافية معا. ويتعلق أيضا بقدرة شعوب المنطقة على معالجة أسئلة بقائهم ومواجهة أزمات وجود متعددة عبرتهم، من حملات فارس قديما، وغزو الأحباش للجنوب العربي، مرورا بالحملات اليونانية والرومانية وسقوط الخلافة العباسية أمام الغزو التتري، وهجمات الصليبيين الممنهجة أيام المماليك، وصولا إلى الاستعمار المباشر في صورته الحديثة. كل ما في الأمر أن الآليات اختلفت، وأننا ما زلنا في مرحلة الدهشة والاستيعاب. غير أن فكرة الوجود، الإنساني، والثقافي، والحضاري، عميقة في الجينات، وقادرة على توليد العديد من الوسائل والأساليب التي سوف نستطيع، جزما، العبور بها إلى المستقبل.
&
مؤامرة أم ثورة؟
الكاتب والأديب محمد خليل:
يختلفون على ما حدث في مصر هل هو مؤامرة أم ثورة؟ ورغم أني أعتبر الموضوع جدلا ليس هذا وقته.. وأؤكد أن ما حدث كان مؤامرة خبيثة صادفت وواجهت غضبا مكبوتا في صدورالطبقة المغلوبة على أمرها من
المصريين ولسنوات طويلة مع نظام كان يعمل لنفسه ومصالحه وحوارييه الذين استولوا على ثروات الجغرافيا المصرية.. ومن ثم وجدها الشعب الذكي الصابر الغاضب فرصة كبيرة اهتبلها، وحولها إلى ثورة أصبحت حديث العالم وصارت معادلا موضوعيا لانتصارات أكتوبر التي ما تزال تؤجج النار في صدورالنظام الأمريكي وعصابات الصهاينة ويخططون للثأر- ليس بالضرورة في ميدان حرب بالسلاح - لكن بالحرب الإقتصادية.. وأساليبها كثيرة ومتنوعة باتفاقيات مثل "الكوميسا" التي تعتبر أحد وسائل التجسس والسيطرة والهيمنة على الصناعة والتجارة المصرية.. أو بطرق أخرى مثل التدخل غير المباشر في بناء "سد النهضة" والذي تحاول إسرائيل من خلاله &تحقيق أكثر من هدف وحلقة من حلقات الحرب النفسية التي تستهدف خنق مصر مائيا، وبالتالي عرقلة مسيرتها اقتصاديا ويخلق حالة عداء بين المصريين والأثيوبيين يصبح سببا لتأجيج صراعات عسكرية تكون فرصة لتدخلها للثأر من الهزيمة وإفشال مؤامرة التقسيم..
من حسن الحظ أن المؤامرة كانت السبب الرئيس لفتح بوابات المستقبل أمام المصريين.. انتبه الشعب للفرصة وقد لاحت أمامه ولا يمكن أن يفلتها أو يفرط فيها، فكانت الثورة الأولى وموجتها الثانية التي فتحت أبواب المستقبل ولملمت شتاتهم، ووضعت أمامهم خريطة طريق نجحوا في تحقيقها رغم محاولات إفشالها.. ورغم الصعوبات التي نعانيها وخاصة الفئات الأقل دخلا وفقرا أهيب &بالشباب صانع الثورة أن يصبروا &قليلا ويكفوا عن الصراخ، وينخرطوا في العمل حيث المستقبل ينتظرهم.. وعليهم أن يعرفوا أن السماء لاتمطر ذهبا ولا فضة.. لكن أيضا لابد من صناعة القدوة الحسنة &أمامهم وهي مسئولية كل أجهزة الإعلام ورجال الأعمال الجادين الذين يعرفون حق الوطن..
أرى الحكومة المصرية ستبذل مجهودا كبيرا للخروج &من المأزق الاقتصادي في المدة الباقية للرئيس السيسي، ودعما له في المدة الثانية لقطف ثمار الثورة.. وليتحقق ذلك لابد من دعم مجلس النواب بالتشريعات اللازمة والرقابة الصارمة.. وعلى السادة أعضاء مجلس النواب أن يجلسوا مع أنفسهم ويتقوا الله في هذا الشعب الذي منحهم ثقته ويتحملواالأمانة بإخلاص..
وبالطبع لن تهدأ إسرائيل لعرقلة المسيرة وتعطيلها على كل المحاور والمستويات.. لأنهم بارعون في استغلال الإقتصاد لتحقيق مآربهم للسيطرة على المنطقة العربية وصولا الى إحتلال سيناء التي قالوا عنها ووصفوها أنها "جثة هامدة" يمكن العودة إليها واحتلالها في أربع وعشرين ساعة.. واقرأ معي هذهالفقرة من خطة المؤامرة: إن فكرة إسرائيل الكبرى بمساندة أمريكا هي الطريق الوحيد لخلاص العالم العربي من الديكتاتورية والإستبداد ولطرد الحكام الفاسدين خارج البلاد.. فإسرائيل بمصادر البترول العربية والعمالة العربية الرخيصة بالإضافة إلى رؤوس الأموال والتكنولوجيا الإسرائيلية والأمريكية سيجعلون كل المنطقة تزدهر ويعم الرخاء على كل الشعوب العربية الفقيرة.. فهل رأيتم أكثر من هذا دليلا على المؤامرة التي تم التجهيز والإعداد لها منذ سنوات طويلة؟..
إذن فإن كشفها وإسقاطها هيأ الشعب لبناء دعائم المستقبل مع معظم دول العالم.. وخاصة شعوب الدول التي ترى مصر الآن نموذجا للوعي السياسي الذي يتسم بالصبروالإصرار.. وعندما يثور لا توقفه جبال أو فضاء أوأنهار.. ويضحي بلا ثمن أو مقابل غيرأن يكون مالكا لحريته وقراره.. أمريكا لن تكف عن تقديم الدعم الكامل لإسرائيل لتنفيذ حلمها وخططها.. وأرى في المقابل ضرورة تكثيف الهجرة إلى سيناء ودفع الشباب إلى هناك وتوطينهم ودعمهم بالمال ومساعدتهم في إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تجعل الإقتصاد ينطلق ويقضي على حلم إسرائيل.. أرى أن تمنح الحكومة الأراضي الصالحة للزراعة دون قيود أو شروط غير الرقابة على زراعتها وكذلك قطع الأراضي في المدن الجديددة لبنائها دون قيود أو شروط غير الرقابة على بنائها .. فهذا أفضل كثيرا من إعطائها لمستثمرين يقومون بتسقيعها أوبيعها لمن يملكون المال والأعمال.. &هذا أفضل كثيرا لتحقيق العدل والمساواة من ناحية.. وللقضاء على الإرهاب والفكر التكفيري والإرهابي من ناحية ثانية.
&
&
عدم وجود مستقبل&
الكاتب الروائي السوداني أمير تاج السر
إن كان المقصود بما جرى، الأحداث السياسية والاقتصادية الأخيرة في المنطقة، فأنني أقول بكل صراحة، إن ما حدث في الوطن العربي، لم يكن سهلا لا على السلطات التي كانت تسيطر ولا على مستوى الشعوب، فقد كان مجرد تداول النكتة أو المزحة في الأمور السياسية، في بلاد مثل تونس أوليبيا، أمرا بعيدا عن الحدوث. الذي حدث أن ثمة ثورات قامت وأطاحت بديكتاتوريات راسخة، وحصلت الشعوب المعنية على حرياتها، لكن بالمقابل، ماذا حدث؟، في الحقيقة لم يحدث أي أمر إيجابي حتى الآن، فلا البلاد المعنية، استقرت ولا الشعوب المنتفضة، عاشت في رخاء، لقد حام الجوع والتشرد والخوف من المصير مرة أخرى، وترى تلك الهجرات التي تكتسي صبغة الموت غرقا أو جوعا، تحدث في كل يوم. هذا ما حدث ويستمر في الحدوث حتى الآن، أما المستقبل في ظل ذلك، فلا علامات جيدة تلوح منه، و شخصيا أعتقد في عدم وجود مستقبل حقيقي، وساطع ينتظر أحدا.
&
الأمن والسلام والاستقرار&
الروائي السوداني مهند رجب الدابي:
نحن في الذروة، جميع التوقعات تخبرنا بذلك، ولكن ما تم استخلاصه يكسر تلك النظرية التي بها نستعرف المستقبل، والذي هو كل ما يحدث بعد الحاضر بعيداً عن الماضي، ولكن هل يمكننا عبر الماضي التجول في
شرفات المستقبل؟، إذا كان يمكننا ذلك فنحن نمضي في الساعات والمواقيت دون معرفة منا بما يجري، بحسبان أن المستقبل أتٍ لا مفر منه، فالحتمية التي نطلع بها نحو المستقبل قد لا تشركنا فيه، فمحدودية الإنسان أصغر من مشاركة الكون الخلود.
تطلعات الجميع للمستقبل تدور حول مجموعة من الأفكار، تسودها العواطف وتتمثل في أشكال عُدة؛ أهمها الأمن، والسلام، والاستقرار، فبعد ما جري في مختلف الأحداث أصبحت تجليات المرحلة الكونية أقوي من الأحداث، لتعود العجلات تجرّ البندول الطبيعي ولكن ليس نحو القادم الصاخب، بل القادم الهائم في ظلال الأبدية، حيث ينعم المضطهد بالفكرة المجردة، والأضطهاد ليس حكراً علي فئة معينة، بمجرد ولوجك بوابة العالم فأنت متضطهد، فبعد اللاهوت أصبح الاستخلاص ترضيات، وجبر لكسور الطبيعة القاسية، ومحاولات للإستشراق، ليس علي المستوي الزمني فقط، بل علي مستوي الإدراك أيضاً مما يجعل الجميع يشعر بــ "بفوضي التطلعات".
حاولت الفلسفة القديمة التطرق للمستقبل والخلود، ولم تستخلص شيئاً أبداً، قبلها وبعدها الأديان، تناولت بطرق مختلفة نفس الأفكار، أملاً في استخلاص ما جري، وأستعداداً لمجابهة ما سيجري. آل الأمر إلي الجدل بين الفلسفة والدين، بين التطلع والاستخلاص، بين ما جري وما لم يجري.
ليس للمستقبل شكل، ولا ملامح، وهذه ليست تشاؤمية أو كآبة، بل هي ما لا يمكن وصفه ولا تفصيله. المستقبل مثل الفراشة في نظريتها "رفرفة جناحي فراشة في الصين قد ينتج عنها أعاصير وفيضانات في أقصي أمريكا"، فحدث بسيط تافه مثل أكل تفاحة قد يُولد عالماً مثل عالماً، وطالما أن المستقبل متفكك من تشعبات الماضي فإن الماضي أثره علي المستقبل بشكل لا يمكن أن يغيره الحاضر أبداً.
المستقبل في النسبية هو المستقبل المطلق، فمن غير الأمثل التقصي حوله، ومحاولة تكبيله بشكل مخروطي مدبب يصل إلي مكان معين بإنتهاء الخط الزمني لا يعني الوصول إلي قمة التطلع، فذلك الحدث رغم أهميته لا يمثل شيئاً بالنسبة لطلاقته، لذلك تظل من جديد التطلعات نحو المستقبل مجرد أفكار.
ما جري وما يجري، سيجري، طالما أنه حدث سيكتمل، ولكن نظرتنا التحليلية للحدث تتغير وفق الحالة النفسية التي تكوننا لحظة تأمل ما جري، وما يجري، لُغز المستقبل ليس صعباً، فالبعض أصبح نبياً بإستشراق بسيط، والمحيط الكمي للنتائج غير مقترن بحدوث ما جري، حتماً ستحدث الأشياء، وغموض فوضاها لا ينتج من الصدفة أو الدقة، بل في شيئاً ما جري، لذلك نحن نفكر فيما ماضي أكثر مما نفكر فيما سيأتي.
المجددون دائماً يفكرون فيما هو أتٍ دون أخذ فكرة قديمة تقول "أن المستقبل يشرق من الماضي بنفس الطريقة التي تجعل شمس اليوم الجديد تشرق من مكان إشراقها بالأمس" وهذا لا يقودنا إلا لمزيد من التوهان والضياع المرتهن بالبحث في شكله الطقوسي والشعائري، لذلك أري أن الغد يبدأ من الأمس، والمستقبل يبحث عن الحاضر، والذي يقف في المنتصف لا يستطيع رؤية المشهد من زاويته المُحايدة. لذلك استخلاص ما مضي، وما سيمضي، مرتبط بما يجري الآن، المستقبل بعد نهاية ما يجري سيكون قد تغير، واستخلاص المستقبل من ما جري، يعني في نظري التطلع، فقط التطلع.. للاشيء.
&
أي رؤية لأي مستقبل؟
الكاتب السوداني خوجلي بشير
ماذا تري في الحاضر أو كيف تنظر للمستقبل؟ من أكثر الأشياء حيرة و إرباكا أن توجه السؤال الآتي لأي شخص متابع التحولات السريعة في حياة البشر على جميع مستوياتها من السياسي و الإقتصادي الى قضايا الثقافة
والأخلاق ومع ذلك ثمة رغبة دائمة عن الكشف عن مستقبل الإنسان و ربما يرجع ذلك لقراءة الراهن الذي في رائي لا يحمل كثير من البشريات هذا إذا تفائلنا وتحدثنا بدعوة ممهورة بالأمل عن مستقبل أفضل، ولكن من هو المعنى بالمستقبل؟ وهذا المستقبل في حدود هل نعنى مستقبل فردي أي مستقبلي أنا أو مستقبلك أنت أو مسقبل اي شخص؟ هل المستقبل فعل فردي؟ أم أن الأمر له أبعاد أكبر من كونه مستقبل في حدود الفردي، في اعتقادي أن أي حديث عن المستقبل هو حديث عن كل شئ يمكن أن يحتاجه الإنسان بشكل أفضل في مرحلة قادمة وأنه فعل في المقام الأول يخص فئة من الناس أشتركت في المصير والشروط التاريخية، وما بين التفكير في هذا المصير المشترك وراهن الظروف في تعقيدها السياسي والمعرفي والأمنى‘ إذن المستقبل والحديث عنه هو رؤية عن مجمل الحياة عن عالم متموج عن إحتمالات تبدو بعيدة، ولكن مع ذلك نصاب بقلق قدومها وأن الإنسان مرتبط بهذا القلق وقد كان سابقا علم العرافة والآن وبشكل راتب تطلع علينا دراسات وبحوث في علم المستقبليات مسقبل البيئة مستقبل الأمن العالمي مستقبل ومستقبل العلوم وحقوق الإنسان، ما أود قوله أن مستقبل الفرد صار عالمي، وهذه العالمية جعلت من المستقبل نداء يتوجه الى الراهن من حيث أن هذا الأخير تبدأ منه سياسة التخطيط وبه كل مفاتيح الآتي، وأيضا به نكسات محتملة قد تصيب المستقبل فماذا عن هذا الحاضر؟
فإذا كان السؤال عن من هو المعنى بالمستقبل؟ أظن من الناحية الأخلاقية ليس هم من سيعيشون في المستقبل وحدهم هم المعنيين، فهل هناك بعد أخلاقي ملازم لما هو اقتصادي وسياسي، وكيف ينظرون من هم الآن في مراكز القرار فنظرة هولاء للمستقبل لا تقل أهمية عن نظرة الشباب بل ربما تكون هي الأهم، ومن هنا يبدأ الحاضر في عمليات تقاطع وصراع أجيال وتفككات زمنية مرتبطة بإختلاف في اساليب تناول الحياة، ومما يصعد هذا إضطراب معظم الرؤي للمستفبل، وبذلك يحدد الحاضر بعض من ملامح المستقبل، فمثلا لدينا في الشرق الأوسط إزمات معقدة و عدم وضوح لأي رؤية مستقبلية فعلى الصعيد السياسي وحده الرؤية في غاية التموج والإضطراب، حتى قد يعجز الفرد عن التكهن إلى أين تسير الأمور، فهاك تعدد في الأصوات غير حميد ومسائل مثل السلطة والثروات والهوية والحريات والإرهاب، فكل ذلك خلق عتمة وضاب حول أي رؤية يمكن أن تكون مرشد نحو وضع أفضل، وهنا بالضبط فرض الحاضر على المستقبل نوع من الإلغاء و النفي، وقد يسأل بعضنا بعض أين المستقبل من كل هذه الإزمات المتكاثرة بشكل فطري، وكيف له أن يأتي مستقبل من"فوضي غير خلافة"، إذن من هو الذي يتحكم بالمستقبل رجال السياسة أم الدين أم اصحاب رؤس الأموال ام المثقف فكل هولاء العلاقات بينهم واهية و في حدود المصلحة الآنية والمستقبل فعل يحتاج الي إجماع ولا يمكن بعث مستقبل من رماد العزلة الآنية فالمستقبل لدينا زمن منعدم وأحسن الأحول مظلم حتى هذه اللحظة، إذن نحن نتحدث عن سياقة أمل كيف لحاضر مأزوم الى هذه الدرجة أن يتعرف إلى ملمح عن المستقبل او كيف لشاب شرق أوسطي أن يرى غده، فالأمر متعثر للغاية من حيث كمية تشابك القضايا وترهلات الحياة بل إنسداد تام في الزمن من حيث هو أفق لرسم خارطة طريق لحل القضايا الراهنة لصالح المستقبل، ولكن هل نحن مؤهلون الآن التفكير في المستقبل؟ هل سيسمح لنا فوارن هذا الحاضر أن نوظف الزمن من اجل السلام من أجل الإعتراف بدساتير دمقراطية أو كيف يمكن لشعب أو فرد كل حقوقه مصادرة من خلال جماعات في السلطة أو خارج السلطة أن يعرف شئ عن الأمل أو المستقبل، كيف يحدث بناء حقيقي في حاضر زائف و مخادع وعنيف وهكذا تتعارض كل الرؤى الإيجابية مع ما يحدث في ارض الواقع و كل هذا بالنسبة لنا سيئ و يشكل هاجس وبهذا المعنى وإذ لم يكف الحاضر عن تفلتاته وعنفه لا شك سنمتلك رؤية في حدود الخوف من أي مستقبل.
إشراقة محتملة ـ في كثير من التصورات عن المستقبل نظرات متفائلة عن عالم يوتوبي تسوده التقنية والرفاهية وإنتصارات على الأمراض وتحسين في الغذاء والأمن وفتح فرص عمل لا نهائية، بل هناك رؤى قفزت الى التحدث عن رحيل الإنسان من كوكب الأرض الى كوكب آخر، ومثل هذه الإشراقات ليست سيئة في حد ذاتها بل في منطقها الذي يتجاوز الواقع، وكأن مثلا ليس هناك بشر مازالوا حتى الآن في مناطق كثيرة من العالم يعانون الجوع والحروب والنزاعات والأمية، وفي إعتقادي أن مستقبل البشرية لا يمكنه الإشراق في عمق هذه الظلمات التى يعانيها الجزء الأعظم من البشرية في أفريقيا وأجزاء كبيرة من آسيا، فالإنحراف التفكير الجماعي عن مستقبل البشرية هو نفسه تأكيد على انحراف هذا المستقبل، إذن لابد يبدأ الإنطلاق من حلحلت مشاكل الأرض، وأن تكون هذه الإشراقة المحتملة للمستقبل بتركيزها على إنسان الإرض، وأن تنطلق من الحاضر أذ لا يمكننا أن نفكر في نهاية الأمراض عبر طب محتمل ويوتوبي ونحن نعاني من الموت بالميلاريا والإيدز، وما الى ذلك فالإشراقة الحقيقية للمستقبل هي تعديل حركة الواقع وتوجيه مسارها نحو السلام و الحفاظ على البيئة و إدارة موارد العالم بشكل عادل وعلمي.
&
&
اختطاف الثورات والدين معا..
الكاتب والروائي السوداني عبدالغني كرم الله
كنت أحسب، إن الكواكبي، أو ابن رشد، لو مرا اليوم بطرقات المدن العربية، لألف الأول نفس الكتاب، ولم يزد، او ينقص سطرا، (كتاب الاستبداد)، هل نحن قوم نحب الثبات؟ وتصالحنا مع الظلم؟ وقد تفنن فقهاء
السلطان، عبر القرون الطويلة، من الدولة العباسية، والأموية قبلها، في سوق الرعية للإيمان بالقدر شره وخيره، "شر السلطان"، كقدر من الله، حتى صار الاذعان سلوكا طبيعيا، بل فضيلة وقدرة على الصبر والمكاره في الذهنية المسلمة؟ وفي الرقعة العربية منها؟
ولألف الثاني، ابن رشد، ذات كتابة "فهم المقال"، لثبات مفاهيمنا عن "التسيير والتخيير"، والقضاء والقدر، والنقل أم العقل، الشريعة أم الحقيقة؟ ذات الاشكاليات المفهومية، والمعضلات الفكرية، في العصر العباسي، كما هي الآن، وكأننا ياسعد لا رحنا، ولا جينا، فمتى نترك للفكر العنان؟ ومتى نسبق ماضينا "الذي نعيش فيه الآن، في قلب الحاضر المتجدد حولنا، وفي أعماقنا"؟.
حتى قيض الله لنا "الثورات الاخيرة"، مغامرات الخيال الكبيرة، الثورات العربية "حتى انيس منصور بوغت بها، وهو من مسئوليته الشخصية، ترقب الغيب البعيد والقريب كمفكر"، ولكنها ثورة نمت في الظل والعلم، وجنت ثمار باطنية في اللاوعي، شكلها كل وطني سالف وخالف،"الكواكبي، طه حسين، محمود محمد طه، العقاد، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، عبدالخالق"، وكل رواد التغير الفكري والادبي والفلسفي، حتى جاءت مباغتة، بأسلوبها العصري المحدث، &"الفيسبوك" في مكان "علاقات الانتاج"، التويتر والواتساب في مكان "النقابات التقليدية"، أي هنا عالم جديد، يجب أن يتسامى له الفكر القديم، ويتعصرن "وإلا هناك الكثير من المياة مرت تحت الجسر، كي لا نؤذن في مالطا.
&أي "فكر جديد، أو الكارثة"، على وزن "مجتمع جديد أو الكارثة"، لأن العاطفة اتقدت بالتغيير، ولكنها تحتاج لفكر تغيير يتقدمها، ويلبي حاجاتها الباطنة والظاهرة، ويحرسها، قبل أن تسرق وتختطف من اللص التاريخي للحياة العربية "فقهاء السلطان، والدين الملحد"، في حركات الهوس "المنظمة والممولة"، بصورة تجعلها تسرق كل دماء وعرق وفكر الثورات التي جرت، كما حدث في مصر، وليبيا، وشمال العراق وشرق سوريا.
صار الخيال التقني، والقفزة الفكرية "بعد أن صار العالم كله، أصغر من كف يد، هو مشروع ثورة يومية، أمتعاض يومي، في قلوب وعقول الشباب في طرقات المدن، ومدرجات الجامعات، حيث تتلاقح الافكار والرؤى، والافلام، والمناظر، والمسلسلات، أي صرنا نتفرج معا، كأسرة على انماط عيش الناس هنا وهناك، في كل الكوكب الارضي، وعلى شكل ومعمار المدن، وعلى صحفها، وبرلماناتها، والإنسان مولع بتقليد كل جميل، والنفس البشرية تحب المحاكاة، حتى في تكيفها مع الطبيعة، كما صارت القراءة ممكنة بلا رقيب "كل الاسافير"، ولذا اشتعلت "الثورة العاطفية ضد الظلم والجور"، (في مقام تغيير المنكر بقلبك، ثم لسانك، ويدك)، وتبقت الثورة الفكرية، التي تتوج هذه الثورة الصادقة في أعماقنا جميعا، وهنا يكمن تضافر المثقين والمفكرين في كل العالم، من اجل الحياة، وتحقيق حلم الإنسان "في الحرية، والسعادة والعدالة الاجتماعية" ووضع خاطرة طريق، ورسم فترة انتقالية، مدروسة، حتى لا تخطف الثورات، من جماعات ماكرة، تفوق ابليسها مكرا، وثروة ودهاء،
&بل حتى الدين (كمكون عميق للوجدان المسلم)، خطف من قبلها، وتأويلهم المهوس، فقد رأينا دين جميل، انجب ابن العربي، وابي حامد الغزالي وابن سينا، أي حتى الدين، تم اختطافه، وتشهويه، ما بالكم بالفكر العلمي، المختطف أصلا، فيجب استراد الدين منهم، لرجال دين عصريين، كالاستاذ محمود محمد طه، أو محاولات الراحل مصطفى محمود، كي نرى "لا تنقضى عجائبه"، بدلا من سجنة لفقهاء سلطان عبر كل التاريخ، "وحكاية الزيني بركات نموذجا"، حكائيا، بل الواقع (أغرب من خيالها المستبد) وحينها يكون الدين فكرة تسامح مطلقة مع الاشياء والاحياء، ومولد لنبع ثر من الدهشة الخلاقة، والمحبة الوارفة، (كما فجرها في النابسي، والحلاج، وابن العربي، وعبدالكريم الجيلي)، فهو حينها حب، لمطلق بشر "حين يدخل الجميع في دائرة الإسلام،"، اسلم لله مافي السموات ومافي الارض، بدل تكفير ساذج، ضار بالحياة والدين.
إن الطاقات الحياتية توسعت، ونمت، بل الحلم صار واقعا، ثم عرجت علوم النفس والاجتماع والحدس لأفاق وأحلام في النفس البشرية، لاتقوى على إشباعها، إلا في ظل ثورة فكرية، تطال كل شئ، حركاتنا، ونبضها، ودفق خيالنا، وكفى &مقولة ابن العربي دليلا، وتحسب أنك جرم صغير وفيك أنطوى العالم الأكبر، دليلا، على القدرات المرتجاة، اللامحدودة، لتفجير مواهب الإنسان.
مؤمن بالفجر، بالنور، أرى سحر جمال التغير، &في رعش كل بيت شعر صادق، أو حكاية، أوموسيقى، هي شكل من أشكال الثورات الخفية، المتجانسة، المتضافرة مع قلوب أخرى، بعيدة عنها، وقريبة منها، فالروح كالمادة، تكره الفراغ، تتلامس في صف صلاة كونية، تحن للإجماع، ولو بعد حين، فلا نسيان في بال الحياة، مطلقا، (الأسد مجموعة خراف مهضومة)، علقنا الباطني، لا يغادر صغيرة، ولا كبيرة، إلا إحصاها، حتى يحين وقت ولادتها، عبر مخاض طويل "هو علامة صحة، وليس أحزان مرض"، في عالم الواقع.
&
فليعم السلام العالم
الروائية الاماراتية مريم الشحي
لكل أنسان في حياته هدف أنا من الذين لا يحبون العيش دون أهداف و تطلعات ولا أحبذ الأحتكاك أو العيش داخل دائرة من الأخرين &الذين لا يستشعرون أن يجب أن يكون لهم تطلعات في الحياة، تطلعاتي تتغير من حين إلى أخر ، ربما بسبب الوصول إلى الهدف الذي وضعتة أو بسبب الأمور المحيطة بي كالعائلة أو العمل، الدوائر المحيطة بنوعيها، المحيطة بقرب أو المحيطة بقطر أكبر، هي صاحبة التأثير الكبير في حياته المرء، تطلعت في السابق لأن أكون مريم صاحبة القلم، ولا أعني بالقلم هنا الكتابة الروائية لا بل الكتابة كتعبير عن النفس والروح، ومشاركة الأخرين الأفكار عبر النصوص أو الروايات، مع الوقت اختلفت التطلعات ربما بسبب الظروف المحيطة حاليا فكل كاتب هو أبن محيطه و بيئته، ولا يمكنة العيش بمنعزل ومعزل عن المحيط الدائر حوله، الأوضاع الإجتماعية والسياسية &وتلك التداعيات المصاحبة له، وهذا الإنحذار في بعض الأماكن يشكل تحديا كبيرا في روح كل مبدع وتطلعاته، فتجد الكثيرون وأنا منهم نختزل تطلعاتنا بهذا الوقت الراهن بأن يعم السلام في هذا الكون، المبدع ليس سوى روح محلقة في الأفق إن لم يكن الهدوء جزء من حياتة فهو يفقد اتزانه الإبداعي و يخبو داخل روحه..&
الماضي هو ركيزة مهمة يرتكز عليها كل أنسان واع، كل أبجدية و زوايا حياته ترتكز على الماضي، أعني ماضي الأنسان وشكل تفكيره وخطواته نحو الأمور، كل ذلك يشكل الماضي ركيزة مهمة منه، و يدعوه لأن يضع الماضي &كمرتكز مهم في حياته، وعليه فأنه يأخذ منه ما شاء من "حطب" ليبني به سلم الممستقبل الذي سيتسلقه ليعبر نحو أمنياته، الماضي هو ركيزة الزمن لكل مبدع مثقف، لذلك لا يجب أهماله أو إقصائه أو التخلي عنه، أنا تعلمت الكثير من الماضي وأظن أن الماضي هو المشكل الأول لوعي اليوم للخطو نحو الأفضل ليس نحو المستقبل فقط ، فالمستقبل ذاك الهاجس لا علم لنا عنه، لكن &نحن فقط نخطو نحو الأفضل بمعنى التعلم منه، المستقبل الضباب المعتم الذي يشبه الحالة الفاصلة بين الخذر والوعي، ضبابية الرؤية بها تدفعنا نحو البحث أكثر والتعلم أكثر والتأمل، تطلعاتي للمستقبل هي تطلعات مبنية على ضوء الماضي، لكن كما أسلفت في المستهل هنا أن السلام الذي أتمنى له أن يحل ويغطي العالم هو الوهج الأكبر الذي يسيطر على العقل مع بعض الأشياء المعلقة بالعقل كالكتابة ونبش المجتمع بشكل أجرأ، وفرض تقبل الأخر من العالم للنصف الأول، وعدم محاولة الأقصاء لأي طرف، فنحن أصبحنا نعيش في وقت لم نعد به واسعي الأفق والترحاب والصدر للأفكار، وهناك شريحة كبيرة دائم ما يكون شغلها الشاغل هو أقصاء الأخر واسكاته ظنا منهم بأن العالم مركزه هم فقط.
&
ليهدأ جنون العالم قليلاً
الروائية الاماراتية مريم ناصر&
الإنسان يتعلم مما حوله، من تجاربه الخاصة، من أخطائه، من الأشياء الجميلة التي يصادفها والتفاصيل التي يعيشها. ما يميز البشر هو قدرتهم على التأمل، على التفكر وتكوين فلسفتهم الخاصة في الحياة وما ينتظره ويتأمله في المستقبل.
وحين أتأمل كلمة المستقبل، على ضوء تجاربي الخاصة، أقول أن الحياة تحمل لي كل ما هو جميل وأستحقه، ولا أستطيع سوى الحلم بمكتبة ضخمة أختار منها كتباً لأقرأ وزاوية كتابة مبعثرة بالحبر والورق وآلات الكتابة ربما..
لكن حين أفتح عيني للواقع للأحداث السياسية الغريبة التي تجري من حولنا، ولجنون العالم المتعطش للحرب والدم والعبث أجد أن ما أتطلع له وأحلم به هو شئ واحد فقط: أن يهدأ جنون العالم قليلاً وأن يعم السلام !
أريد حقاً أن ينتهي هذا التوتر والقلق القاتل الذي يأكل من راحتنا ومن شعورنا بالأمان، على أنفسنا أو على أحبتنا هنا وهناك، أو حتى الأبرياء الذين تذهب أرواحهم بلا ذنب سوى جنون العالم وتعطشهم للقتل والموت العشوائي!
يقتلني فيما يدور من حروب أنهم لا يسفكون دماء الأبرياء فقط، ولكنهم يتطاولون على حضارات وثقافات وتاريخ ويدمرونها بغباء بقنبلة أو تفجير غادر!
رفقاً بالحياة، بالإنسان، بالتاريخ، بالثقافة، بالكلمة، بمساحة


مواضيع ذات صلة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف

أضف تعليقك

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.