يسأل كيري براون، المراقب البريطاني الخبير بأمور الصين: أي زعيم هو شي جين بينغ؟ بين أسئلة سياسية أخرى سيكون للإجابات عنها أكبر تأثير في الصينيين راهنًا.

&إيلاف من بيروت: لا بد أن الخوض في الشأن الصيني ليس بالأمر السهل، في الدولة الوحيدة في العالم الباقية على شيوعيتها، وفي ظل زعيم صيني يبدو من طينة مختلفة عن طينة من سبقوه في الزعامة، منذ ماو تسي تونغ.

وسيلقى بعض الأسئلة السياسية إجابات أعظم تأثيرًا في حياة عدد كبير من الناس في السنوات المقبلة، مثل: من أي طينة من الزعماء هو شي جين بينغ؟

منذ ظهور "السيد شي" في عام 2010 واعتلائه كرسي أمانة الحزب الشيوعي الصيني العامة، شغل السؤال الآنف الذكر تفكير المحللين الذين صار هاجس تحضير شخص جديد ليحكم الصين شغلهم الشاغل.

الزعيم والبابا
ما كان "السيد شي" معروفًا، بل زوجته المغنية الشعبية المتألقة كانت هي المعروفة. ولعبت التوجهات شبه-الليبرالية، مقارنة بمعايير الحزب الشيوعي غير الليبرالية، التي اتّبعها والده الراحل الذي كان من وجهاء الحزب دورًا في إظهاره، فأمّنت دليلًا واحدًا بين أدلة قليلة متوافرة على شخصيته، لكن تبيّن أنّها مضللة إلى حد كبير. فقد ترأس "السيد شي" أصعب حملة قمع ضد المعارضة طوال سنوات.

&

&

يخوض الكاتب كيري براون، وهو مراقب بريطاني مخضرم للصين، في شخصية "السيد شي" في كتاب "رئيس مجلس إدارة الصين: صعود شي جين بينغ" CEO, China: The Rise of Xi Jinping، يقترح طيّه طريقة واحدة لفهم زعيم الصين الجديد. لكن، كما يوضح، السيد شي هو أكثر كثيرًا من مجرد رئيس مجلس إدارة اقتصاد ضخم، مقارنًا دوره بدور البابا.

كتب: "إن هذا الأمين العام المسلح بالعصمة العقائدية، مثل البابا، هو مانح القوانين والمربي الروحي وصوت النقاء والصحة العقائديتين"، مشيرًا إلى أن البابا فرانسيس يحارب لغرس الإحساس بمفهوم الرسالة في الكنيسة الكاثوليكية التي فقدت الاتصال بجذورها الروحانية وشوهت شرعيتها فرضخت لسيطرة القوة المادية". وهذا، بحسب قوله، شبيه إلى درجة مخيفة بنضال "السيد شي" لإعادة هيكلة الحزب الشيوعي.

الأسئلة الصعبة

فهم المرء كيف يريد البابا إصلاح الكنيسة أسهل نوعًا ما من فهمه كيف ينوي جين بينغ تغيير الحزب وإصلاح شؤون بلاده؛ إذ يقول إن على القوى النافذة في السوق أن تؤدّي دورًا حاسمًا. لكن، هل يعني هذا أنّه يريد إسقاط الشركات الحكومية عن صروح الاقتصاد الصيني العالية؟

يبدو من الواضح أنّه يرغب في تطهير الحزب من الفساد الفظيع المتغلغل على كل المستويات: اعتُبرت حملته ضد الكسب غير المشروع الأكثر استدامة والأوسع مقارنة بأي حملة شنّها أي زعيم صيني منذ أن استولى الحزب الشيوعي على السلطة في عام 1949. لكن، هل يريد إدخال مبدأ الضوابط والتوازنات الذي سيصعب على الفساد أن يترسّخ؟ وصحيح أنّه يؤكد على أهمية سيادة القانون، لكن هل يعني ذلك أن على المحاكم أن تستقل في عملها عن الحزب، حتى في الحالات التي تنطوي على تهديد لحكم هذا الحزب وسلطاته؟ فقد مراقبون كثيرون الأمل في الحصول على إجابة بـ "نعم" على أي من هذه الأسئلة.

ليس براون وحده من خاض في هذه الأسئلة. فيبدو أن ويلي وولاب لام، مراقب آخر للشأن الصيني، قد ألّف كتابًا غنيًا بتفصيلات دقيقة: "السياسة الصينية في عهد شي جين بينغ" Chinese Politics in the Era of Xi Jinping، يصف فيه "السيد شي" بأنّه ماوي أكثر من كونه سائرًا على خطى دنغ شياو بينغ الذي زرع في الصين انفتاحًا على العالم الخارجي في أواخر سبعينيات القرن الماضي.

&

عهد السيد شي تحت المجهر

&

القانون والدستور

بحسب لام، لا يهتم جين بينغ بالتحرر السياسي أو الأيديولوجي، إذ استفاد من أمثولات التقلبات التي يمر بها أفراد ليبراليون في الحزب، مثل والده الذي زجّه الزعيم ماو في السجن، "فالسيد شي استبعد تمامًا أي خيار آخر غير سراط الاشتراكية المستقيم".

لقد صدر كتاب لام في عام 2015، ويغطي أقل من عامين من عهد جين بينغ، فلا يعود في الزمان إلى اجتماع اللجنة المركزية للحزب في أكتوبر 2014، حين شددت هذه اللجنة على أهمية سيادة القانون ودستور الدولة، وهو محور غير مألوف في تجمّع مماثل، ومثير للاهتمام نظرًا إلى ازدراء القادة الصينيين الظاهر للقانون والدستور في آن.

تبيّن أن "السيد شي"، في الواقع، مصلح أكثر مما قد يوحي به خطابه المتشدد المتكرر، وانتقاده المجتمع المدني، وحذره في التعامل مع الشركات الحكومية الجبارة. وثمة متفائلون يعلّقون الآمال على مؤتمر حاسم للحزب في أواخر العام المقبل برئاسة جين بينغ، حيث يتوقع أن تحصل تغييرات شاملة في قيادة الحزب والدولة، وأن تُحدّد أهداف الحزب للسنوات الخمس الباقية من حكمه (على افتراض أنه سيلتزم قاعدة عشر سنوات حدًا أقصى في منصب الأمانة العامة). وبعدما عيّن المزيد من حلفائه في المناصب الرئيسية، بدأ جين بينغ بتنفيذ ما وعد به: ترك الساحة لقوى السوق كي تمسك بزمام الأمور، وإخضاع السلطة لقانون غير متحيز.

القوة في الحزب

يفترض براون أن المحللين مخطئون في تعليق آمال كبيرة على إرادة جين بينغ الفردية في كتاب: "الحزب هو السلطة في الصين"، ولا يكون السيد شي "قويًا إلا من خلال الحزب، ومن خلال العمل ضمن الحدود التي يضعها الحزب. وعلى هذا الأساس، فهو ليس ماو، والحزب يؤمن بإنشاء دولة قوية وغنية ومستقرة ومحترمة". إن القوة العاطفية التي يتّسم بها هذا الهدف هي التي تمنح جين بينغ القوة التي يصفها بالحلم الصيني.

يقول براون: "خلافًا لماو، لا يمكن للسيد شي فرض الانضباط من خلال الإرهاب أو القمع، إذ أنه خادم لطموح الحزب الهادف إلى إحياء الصين مجددًا حتى تصل إلى العظمة التي كانت تتمتع بها في الماضي، وربما تتخذ الأمور منحى سيئًا بسهولة، إذا قرّر عدد كافٍ من زملائه أنه يجرّ البلاد في الاتجاه الخاطئ".

إذا كان براون محقًا، ربما يفسر ذلك لماذا يبدو الرئيس الصيني متردّدًا على الرغم من كل القوة الظاهرة التي يتسلح بها. يتطلب جعل الصين قوة عالمية محترمة تطوير نظام سياسي أكثر جاذبية في الصين. لكنّ الرئيس مكبّل بالخوف من الاضطرابات، لذلك يضيق الخناق على المعارضة بلا هوادة، لكنه يعترف في الوقت نفسه بأن جعل الصين غنية وقوية يتطلب تنفيذ إصلاحات اقتصادية صعبة يمكن أن تثير إضرابات واحتجاجات، مثل إقفال الشركات الحكومية أو تقليصها. إذًا، من ناحية حذره الدائم، يخطئ جين بينغ مرارًا وتكرارًا، ويعتقد محللون أن الفشل في الإصلاح يمكن أن يسبب المزيد من عدم الاستقرار، كما سيساهم القمع في ضمان تكريس الطاعة للحزب.

&

&

&