إبتسام الحلبي من بيروت: ذات يوم، وضع رجل قطعة حلوى في الخارج، فأتت نملة تتحري عنها فوجدتها أثقل من أن تتمكّن من حملها إلى البيت. فغادرت لتعود بعد قليل مع كثير من النمل. لكن، في تلك الأثناء، كان الرجل قد أخذ قطعة الحلوى، فلم تجد جماعة النمل شيئًا وعادت أدراجها. ثم وضع الرجل قطعة الحلوى مجددًا في الخارج فوجدتها النملة نفسها وهرعت لتعلم الأخريات، لكن قبل أن تصل المجموعة إلى المكان، أخفى الرجل قطعة الحلوى مرة أخرى. مخدوعة للمرة الثانية، إنقضّت جماعة النمل على النملة الأولى وقتلتها. هذا ما يحصل في فلسطين حيث تتحطم الآمال مرات متعددة قبل أن تتحول إلى يأس ثم إلى غضب أعمى.

لم يكن ذلك الغضب مخفيّا في كتاب "الطريق إلى الينبوع: الحياة والموت في فلسطين" The Way to the Spring: Life and Death in Palestine (منشورات بنغوين برس. 428 صفحة؛ 28 دولارًا. منشورات غراناتا. 14.99 جنيهًا استرلينيًا). وهذا كتاب راق ومؤثر عن محاكمة عائلة تميمي، وقصة ترمز إلى الحياة اليومية التي يعيشها كثير من الفلسطينيين. يتضمن هذا الكتاب قصصًا عدة، يتّسم قليل منها بالفرح، إذ تقع فيها مسؤولية قياس الأمور على عاتق شاب فلسطيني واحد.

المعاناة الفلسطينية في سرد راق ومؤثر

وضع الكاتب الأميركي بن اهرنرايخ كتابه هذا متذكرًا الشهور الطويلة والمتقطعة التي أمضاها في الضفة الغربية منذ بدء موجة الربيع العربي في عام 2011 حتى حرب اسرائيل الدموية على غزة في عام 2014. لكنه يعتبر الكتاب أيضًا قصة حب وأمل. يضفي اهرنرايخ (مؤلف روايتي "ايثير" و"ذا سوترز" اللتين لاقتا نجاحًا كبيرًا) لمسته الروائية إلى هذا الموضوع، متحدثًا عن قرية النبي صالح (48 كلم شمالي غربي رام الله مركز السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية) وهن عشرات المتظاهرين معظمهم من آل تميمي.

إلى الينبوع

الينبوع المقصود في عنوان الكتاب هو نبع ماء استخدمه آل تميمي وآخرون في النبي صالح عقودًا طويلة، إلى أن وصل أول المستوطنين الإسرائيليين في عام 1976 وأنشأوا مستوطنة أطلقوا عليها في ما بعد اسم "حلاميش".

ومع الاستحواذ على المزيد من الأراضي "لضرورات عسكرية"، توسعت مستوطنة حلاميش رويدًا رويدًا، إلى أن وضع المستوطنون يدهم على النبع نفسه في عام 2008.

في عام 2009، أطلق أهالي النبي صالح حركةً تحولت إلى سلسلة طويلة من المسيرات إلى نبعهم، فواجههم المستعمرون المسلحون، ثم الجيش الإسرائيلي، الذي أطلق الرصاص المغلف بالمطاط والقنابل المسيلة للدموع مباشرة على صدورهم ووجوههم، كما يروي الكاتب، (آل تميمي واهرنرايخ يحرصون على تسميته الرصاص المغلف بالمطاط بدلًا من الرصاص المطاطي، لأنه في الواقع يتكون من قلب فولاذي مغلف بالمطاط، ويمكنه أن يكسر عظام الفك وأن يخترق اللحم).

لم تحقق مسيرات النبي صالح شيئًا. لكنها استطاعت أن تجذب بعض الاهتمام الإعلامي، وأن تستقطب الناشطين والمراقبين، لا من إسرائيل فحسب، بل من كل أنحاء العالم. وبحسب باسم تميمي، كانت المسيرات "وسيلة لإخبار العالم بأننا نملك الحق في استخدام ثروات أرضنا، فالنبع هو وجه الإحتلال، والإحتلال غير شرعي، ولنا الحق في مقاومته".

في قفص

في وصف الكاتب لآل تميمي نجد الأمل والحب والمثابرة يومًا بعد يوم على جهد لا يأتي إلا بالفشل والإعتقال والإصابات... والموت. نرى قلق أفراد آل تميمي على بعضهم، منتظرين أخبارًا عن حالة أنسبائهم أمام المعتقلات والمستشفيات.

في ذلك أيضًا مدعاة للغضب. وفقًا لإهرنرايخ، العشيرة منقسمة حول التكتيكات، وثمة انقسامات متجذّرة بشكل أعمق في المجتمع الفلسطيني كله. فحكومة محمود عباس الذي استلم قيادة "فتح" بعد ياسر عرفات إثر وفاته في عام 2004، تثير حفيظة كثير من الفلسطينيين على خلفية تعاملها مع الإسرائيليين، وقبولها بأن تكون سلطتها محصورة بجزء من الضفة الغربية، حتى لو كانت النتيجة أن المحظيين سياسيًا في رام الله يحصلون على المال والوظائف. وفي هذا السياق، يقول باسم تميمي: "لا يهمّ إذا كان القفص من ذهب أو حديد، فهو يبقى قفصًا".

هناك كثيرون يعيشون أوضاعًا أصعب كثيرًا من التي في النبي صالح، ومنهم سعدات صبري، الذي يعيش في منزل مسيّج بالكامل بالتحصينات الإسرائيلية، ولا يمكنه استخدام البوابة للدخول إلى بيته أو الخروج منه إلا اذا سمحت له السلطات الإسرائيلية بذلك. كذلك الأمر في الخليل، المدينة الوحيدة في الضفة الغربية التي لا يزال الإسرائيليون يعيشون فيها، وحيث يتعرّض الفلسطينيون يوميًا لوابل من التدقيق والتفتيش والحواجز.

لا موضوعية

صحيح أن الكثير من الإسرائيليين يكره ما تفعله حكومتهم في الضفة الغربية، لكن عددًا كبيرًا أيضًا يدعم ما تفعله أو يتغاضى عنه لأسباب تراوح بين الخوف من الإرهاب وانعدام الثقة بالدول العربية المجاورة، والاعتقاد بأن البلاد الممتدة من النهر إلى البحر هي حقّ إسرائيل الشرعي.

ربما سيكرهون هذا الكتاب، فهو لا يسعى إلى التحقق من الطرف الآخر، أو حتى الإعتراف به (باستثناء إسرائيلي في الخليل يقول: "إذا أراد شخص ما أن يقتل سنسبقه إلى ذلك... ليس ديننا هو الذي يجلعنا ندير الخد الآخر لأي كان").

لم يقصد أهرنرايخ تأليف كتاب يتوخى الموضوعية؛ فهو يعتقد أن ذلك غير ممكن أصلًا. وبكل بساطة، أتى كتابه وصفًا مفصلًا للوقائع على الأرض من وجهة نظر فرد ينتمي إلى مجموعة من الفلسطينيين في الضفة الغربية.

أعدت إيلاف هذه المادة بتصرف عن «غلوبال ريسرتش». المادة الأصل على الرابط الآتي:

http://www.globalresearch.ca/the-way-to-the-spring-life-and-death-in-palestine/5541073