جمع سيروس كديفار ذكرايت طفولته الشاهنشاهية، وما رآه في آخر أيام الشاه الإيراني إلى ما بعد أشهر من ثورة 1979 الإسلامية، وما شهده في منفاه الغربي ليكتب مذكرات أرادها أن ترسم تفصيلات علاقته ببلد نفاه.

إيلاف من دبي: لا شك في أن الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 قلبت المشهد الإقليمي والدولي رأسًا على عقب. أبرز من صور هذا الانقلاب المشهدي كان سيروس كديفار، المؤلف الإيراني المنفي من بلاده، والذي اختار لندن مقرًا لإقامته، برسمه معالم تجربته الشخصية، إلى جانب تجربة مجموعة تناظره من الشهود العيان، في

مذكرات منفي إيراني في الغرب

لوحة فسيفسائية تصور إيران قبل سقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي وبعده، بطريقة جعلت من كتابه "وداعًا شيراز: مذكرات إيراني عن الثورة والمنفى" Farewell

Shiraz: An Iranian Memoir of Revolution and Exile (440 صفحة، منشورات الجامعة الأميركية في القاهرة، 40 دولارًا) رحلة لإعادة استكشاف الماضي الإيراني القريب الذي أرخى بظلاله على حاضر إيران ومستقبلها.

وراء الحنين
في أكتوبر 1999، زار كديفار قبر الشاه محمد رضا بهلوي في القاهرة، فافتحت طاقة الذكريات. شعر في اللحظة نفسها أنه مسكون بالحنين إلى عصر سابق، إلى طفولة محمية وشاعرية راودته في شيراز الأسطورية قبل ثورة 1979 الإسلامية. عاد إلى لندن، وقرر إجراء تحقيقه الخاص في سبب فقدانه بلده، فأمضى السنوات العشر التالية من حياته بحثًا عن شهود يروون تفصيلات الأيام الأخيرة من حكم الشاه.

"وداعًا شيراز" مذكرات في رواية، مقسومة في ثلاثة أقسام، تتعارض حينًا وتتقاقط أحيانًا. الأول، معنون "عن أشياء ماضية"، يرسم تفصيلات تعبيرية عن عائلة كديفار وعن سنوات نشأته وترعرعه وشهوده سنوات ما قبل الثورة في عهدي الشاهين البهلويين، رضا وابنه محمد رضا، إلى ما بعد أول الشهور التي تلت صعود الخميني وإسلامييه إلى السلطة بعد إسقاط النظام الإمبراطوري الذي حكم إيران طويلًا. 

الثاني، وعنوانه "منفى"، حكاية انتقال كديفار إلى منفاه الغربي وبحثه الفكري عن جواب لسؤال لاحقه طويلًا: "لماذا خسرت وطني؟". أما الثالث، وعنوانه "شهود وأحياء"، ففيه تقديم لمجموعة منتقاة من رجال ونساء كانوا في يوم من الأيام جزءًا من دائرة الشاه الضيقة، وشهدوا التبدل الإيراني الجذري، يروي كل منهم شهادته الخاصة عن تلك المرحلة المهمة من تاريخ إيران.

جواب ليس بسيطًا
منذ نشر كديفار كتابه هذا، بحسب ما يقول، السؤال الأساس الذي واجهه هو: لماذا كتبت هذه المذكرات. يقول: "يبدو هذا سؤالًا بسيطًا، ومع ذلك كافحت كثيرًا وبقوة للعثور على إجابة بسيطة. ردي الأولي هو أنني ألّفت هذا الكتاب من أجل تحرير نفسي من ذكريات لاحقتني منذ نحو أربعة عقود، أي منذ اضطررت إلى مغادرة وطني. وثمة رد آخر يمكنني أن أعطيه: كل جيل يتحمل مسؤولية سماع ما شاهده أسلافه من ذوي الخبرة، خصوصًا في أوقات الاضطرابات الوطنية العظيمة".

يضيف كديفار: "في ذاكرتي الكثير من الذكريات عن أيامي في شيراز. حين كنت صبيًا، كنت أحب الاستماع إلى أجدادي وأهلي وأفراد الأسرة الأكبر سنًا يروون حكاياتهم عن الماضي. من كان ليعتقد أن بعد الحوادث غير المتوقعة التي غيرت حياتنا بشكل كبير جدًا، سأكون أنا المستودع الوحيد لتلك القصص، والوحيد القادر على نقلها إلى جيل من الشباب الإيرانيين المولودين بعد عام 1979، وكثيرًا ما سألوني عن تفصيلات العيش في ظل حكم الشاه. وفي لندن، كان الناس من غير الإيرانيين يسعون إلى الخوض في تجاربي السابقة متسلحين بأسئلة تدول الإجابة عنها. فقد كان مطلوبًا مني أن ألخص حياة كاملة وتاريخ بلد في كلمات قليلة. السبيل الوحيد إلى هذا كله هو الكتابة، وهكذا كتابي وفيه مذكرات أحملها كل أوجه تاريخي".

إعادة نظر
يعدّ كديفار مذكراته باعتبارها إعادة نظر في الماضي، خصوصًا بالنسبة إلى الإيرانيين المنفيين خارج بلادهم، في تجربة ربما تكون ساخرة أحيانًا. في السنوات الأولى بعيد الثورة، عندما فر مليوني إلى ثلاثة ملايين إيراني من الثورة إلى أصقاع العالم، وصل معظمهم إلى أوروبا والولايات المتحدة، كانت صدمة البقاء على قيد الحياة بعد هذه الحوادث الكبيرة بمنزلة ملحمة شعبية، حميمة في تفاصيلها، ومثيرة للقلق. 

إن النظر إلى الوراء، إلى التاريخ الإيراني، مؤلمُ ومليء بالغضب والإحباط والإدراك المحزن بأن كديفار وأترابه ينتمون إلى جيل مقتلع من بلاده، ما يولد فيهم مشاعر مرتبكة، يجدها القارئ واضحة في مذكرات كديفار. 

سيروس كديفار

وبالنسبة إلى شخص لم يعد إلى بلده، يدرك كديفار تمام الإدراك أن إيران مكان اليوم غير إيران التي يعرفها. فعلى الرغم من كل أوجه القصور في النظام الحالي، يمكنه - باعترافه - أن يرى كيف تحسن تعليم الإيرانيين، وكيف وصلت بلاده إلى مستوى لا بأس به من الاكتفاء الذاتي، سياسيًا وفكريًا، وكيف يسعى الناس في إيران اليوم إلى حياة أفضل، وكيف تحوّلت دولته إلى دولة شبه نووية.

غلاف الكتاب

يقول: "في نهاية المطاف، إيران تخصّ الإيرانيين الذين يعيشون فيها. أما نحن الذين نعيش خارج بلادنا منفيين فترة طويلة، فلا يسعنا إلا أن نشاهد من بعيد، وأن نأمل أن نعود إلى بلدنا ولو يومًا واحدًا".