إيلاف: حين كان الأمير تشارلز طالبًا في الثامنة عشرة يدرس في مدرسة غوردنستون عام 1966 عُيّن "مرشد" الصف، كما كان يُسمّى وقتذاك.

يقول الروائي البريطاني وليام بويد، الذي كان طالبًا معه في الرابعة عشرة من العمر، إنه "كان واقفًا في مدخل السكن الطلابي عندما سأله تشارلز عن ضوضاء آتية من غرفة الاستحمام، فأجابه أن هناك نزالًا ممنوعًا بالملاكمة، وهذه أصوات الحاضرين". فعلق تشارلز بكلمة واحدة قائلًا: "غريب!"، ثم مضى في سبيله. 

ديانا محورًا
التق بويد مرات عدة بالأمير تشارلز رسميًا وبصورة غير رسمية، لكن ذلك اللقاء ظل حيًا في ذاكرته بسبب طريقته المهذبة في السؤال وسط أجواء من الفوضى والعنف. ويعتبر بويد أن سنوات تشارلز في المدرسة كانت من الفترات القليلة التي اقترب فيها من الحياة الطبيعية.

عدم استقرار شاب حياة الأمير تشارلز

تفاصيل حياة تشارلز العامة معروفة على نطاق واسع، والمؤرخة الأميركية سالي بيدل سمث تغطيها في سيرة حياته الجديدة التي صدرت أخيرًا تغطيها تغطية مستفيضة. لكن ما يثير الاهتمام أكثر هو حياته الشخصية الخاصة، حياة الفرد الذي يختفي وراء ألقاب عديدة. ومن الواضح أن قضية زواج تشارلز بديانا أميرة ويلز وطلاقه وموتها سيكون محور أي سيرة لحياته، التي تمتد نحو 70 عامًا.

فشل مسبق
كتاب "الأمير تشارلز: رغبات ومفارقات لحياة مستحيلة" Prince Charles: The Passions and Paradoxes of an Improbable Life لسالي بيدل سمث (596 صفحة طباعة دار راندوم، ويباع بحوالى 18.8$) هو تلك الصورة الشخصية النادرة لولي العهد البريطاني. وتكشف فيه سمث أن "تشارلز المسكين" كان اللازمة التي تتردد في مقابلاتها أثناء العمل على الكتاب. وهي تذكر القارئ متعاطفة مع الأمير بأن كل خطوة من خطوات حياته كانت "موضع تمحيص وتحليل"، بما في ذلك سعادته

ومعاناته، خياناته ومواقفه المحرجة، أخطاؤه وقراراته السديدة، وحدته ونجاحه، لا سيما "بحثه الدؤوب عن معنى وقبول وحب".

وكما قال تولستوي فإن الزيجات السعيدة كلها واحدة، ولكن كل زواج من الزيجات الفاشلة يكون تعيسًا بطريقته الخاصة. وزواج تشارلز بديانا كان فاشلًا من البداية، كما تذهب سمث.

مشكلة تشارلز الأولى أنه في العشرينات من العمر وقع في حب كاميلا شاند، الشابة التي لم تكن مناسبة له، بسبب "تاريخها"، أي عشاقها السابقين.

اضطراب نفسي
وحين دخل تشارلز عقد الثلاثينات أصبحت الحاجة ملحّة إلى إيجاد ملكة المستقبل، ومنها إنجاب ولي العهد. وبتشجيع من والده دوق أدنبرة، الذي كان له حضور متسلط في حياة الأمير الشاب، دُفع نحو العذراء المفضلة الليدي ديانا سبنسر ابنة التسعة عشر عامًا. كان تشارلز يكبر خطيبته 12 عامًا، لكنها تستوفي كل المواصفات المطلوبة.

ديانا كانت أيضًا غير متوازنة، بل وحتى معطوبة نفسيًا، وبعد الزواج الاحتفالي الشهير في عام 1981 سرعان ما بدأت حياتها تخرج عن السكة. كانت مصابة بالنهام العصبي، تعمد إلى إيذاء نفسها بنفسها، تراودها أفكار بالانتحار، تعاني من الرهاب، وأدى سلوكها إلى فشل زواجها، رغم إنجاب وليام وليًا لولي العهد، ثم هاري احتياطًا في خط التوريث.

كان البعض يعتقد أن زواج تشارلز بديانا نتيجة حسابات باردة، ولكن سيرة حياة تشارلز، التي كتبتها سمث ومصادر أخرى تقول خلاف ذلك. إذ كان الزواج خطأ فادحًا في الحساب بنظر البعض، ونتيجة غطرسة قصيرة النظر من وجهة نظر البعض الآخر.

الوفاة الفاجعة
حاول تشارلز كل ما بوسعه لإنقاذ الزواج، ولكن محاولته لم تكن ناجحة. وسرعان ما انتهى الزواج من الناحية العملية ـ بغرف نوم منفصلة وانقطاع الحديث بينهما وتبادل الإهانات في العلن. وفي عام 1986 أحيا تشارلز علاقته مع كاميلا، التي أصبحت كاميلا باركر بولز، ولديها طفلان. اختطت ديانا طريقًا خاصًا بها. وبعد الانفصال جاء الطلاق، ثم فاجعة موتها بلا مبرر.

سمث تحرص في كتابها على معالجة تداعيات الحادث، الذي أنهى حياة ديانا في باريس، بدقة وحصافة، وفي الوقت نفسه تأكيد حزن تشارلز الصادق، ومحاولته الجادة للتخفيف قدر الإمكان من وطأة موت الأم على طفليها.

أثبت رحيل الأميرة الجميلة أنه كان نوعًا من التحرير لزوجها السابق، وكان بكل تأكيد الحلقة الأخيرة في المسلسل الملكي الذي شد أنظار العالم إليه. عادت حياة تشارلز إلى إيقاعها السابق، وفي النهاية تزوج بكاميلا التي تصورها سمث شخصية قوية وجذابة.

تأقلم طبقي 
بدا أن ولديه تعاملا مع فقدان أمهما وزواج والدهما بامرأة أخرى بطريقة تستحق الإعجاب. ولم يبدأ الأميران الشابان إلا أخيرًا بالحديث عن حزنهما في السنوات الأولى من موت والدتهما في إطار حملة من أجل التعاطي بتعاطف وإنسانية مع الكآبة والأمراض العقلية.

تقول سمث، المؤرخة الأميركية وكاتبة سيرة الملكة إليزابيث وديانا، إنها تفهم الطبقات العليا والأرستوقراطية البريطانية، بما فيها أفراد العائلة المالكة. 

وينقل سرد سمث هوس بريطانيا بالطبقات إلى حد المرض واستعلاء هذا النظام التراتبي الأجوف وأخلاقه الكسولة وسطحيته والإحساس بالامتيازات المطلوبة من الآخرين مع تحليل ذكي لهذا النظام الهرمي.

بوابة لشخصيته
يكتب الروائي البريطاني وليام بويد في مراجعته لكتاب سمث إن اللافت في تصويرها الأمير تشارلز هو أنه يظهر رجلًا ليس ملوثًا تلوثًا عميقًا بقيم الاعتداد في العالم الذي نشأ فيه، وإن تشارلز الذي تقدمه إلينا سمث شخصية مركبة وفرد مهموم، مخلص لديه أسئلة، وعلى حد تعبير سمث "مكافح فكري" لديه اهتمام عميق بالرسم والبستنة والعمارة. وهو نصير متحمس للبيئة. ماهر في الرسم بالألوان المائية ويحب الأوبرا، متأنق باحتراس ويحب الكوكتيل إذا كان قويًا.

صحيح أن تشارلز لم يحب سنوات حياته في مدرسة غوردنستون، ولكن سمث تلاحظ أنه ظل على اتصال باثنين من معلميه. تتيح هذه الآصرة إلقاء نظرة مثيرة على الأشياء العزيزة على قلب تشارلز، واستمرار علاقته بهذين الرجلين يكشف الكثير عن شخصيته.

وصادف أن الاثنين هما أيضًا معلما بويد الذي يصفهما في مراجعته لكتاب سمث بالقول إنهما صحبة ممتعة وعلى قدر كبير من الثقافة. وكما تشير سمث فإن تشارلز "أكبر وريث للعرش عمرًا منذ 300 سنة"، ولكن كتابها يوحي بأن البريطانيين يتطلعون إلى عهد "الملك تشارلز الثالث" بثقة صامتة.