الشخصية الاستكمالية هي شخصية مرضيَّة، وهي إحدى شخوص الاضطراب النفسي وليست أبداً السعي وراء الكمال.
الاستكمالي هو شخص ودود في ظاهره، لكنه في باطنه يُخفي عدوانية كبرى. فهو كالذي يحمل في يده باقة من الزهور يقدّمها للآخرين لكنه يخفي تحتها سكيناً مسموماً.
يبني الإنسان المصاب بوسواس الاستكمالية لنفسه واجهةً من الكمال المزيّف واللطف الزائد ومن خلف تلك الواجهة يُمرِّر عدوانيته المقنّعة. وهو كالمحارب الذي يخشى خوض صراعاته في السهول الواسعة فيلجأ إلى قلعته ليتحصَّن فيها ويرمي سهامه إلى خصومه من فوق أسوارها أو في اتجاه من يضعهم موضع العدو. "قلعته الحصينة" هي ادعاءاته الدائمة بأنه ليس ندَّاً لأحد بقوله المتكرّر: "أنا أقلّ منك شأناً بكثير".
يبدو الاستكمالي للمراقب الحيادي كشخص يعاني الشعور بالدونية لأنه يضع نفسه دائماً تحت خصمه في أي حوار أو في أي شكل من أشكال المواجهة مع الآخر، ويصغّر نفسه ليمتدح الآخرين ويتملَّق كل من يصادفه في الشارع ويصفه بأجمل ما في هذه الدنيا من قيمٍ، دون قناعة منه بذلك، وهو على الرغم من أنه يُظهر ضعفه وقلَّة حيلته إلا أنه يعتقد جازماً - في قرارة نفسه - بأنه عظيم كالإسكندر المقدوني! وبالمحصلة فإن الاستكماليين أشخاص مزيّفون وعدوانيون، مكبوتون يقفون على أرضية قلقة قد تشكَّلت من خلال الكبت والتربية المجحفة والإحساس بالغبن الاجتماعي.
هذا في ما يخص الاستكمال في العلاقات بين الأفراد، لكن ماذا لو كان الاستكمال يخص امرأةً تدير شؤون منزلها؟

المرأة "الاستكمالية
تحاول المرأة الاستكمالية ترتيب كلَّ شيء في بيتها تقريباً بما في ذلك زوجها وأطفالها من خلال كيفية معينة. وهذه الكيفية يتم تحديدها من خلال العصاب لا من خلالها هي، فلا تراعي فيها شروط النظافة والذوق الرفيع في الترتيب والاقتناء، فالأهم هو التقيّد في تثبيت الأشياء في مكانها (الأبدي) وعدم تحريكها وإبقائها ضمن الخريطة التي يقررها عصابها.
من الطبيعي جداً أن تهتم ربة المنزل بنظافة منزلها وأن تقوم بترتيبه بشكل يتناسب مع واقعها والوسط الذي تعيش ضمنه، لكننا هنا نتحدث عن شيء مختلف كلياً.
فمثلاً إذا قام أحدهم بتحريك شيء في منزلها من مكان إلى آخر تقع هذه المرأة فريسةً للحصر والغيظ، حتى تكاد تُشعر الآخرين بأن أحدهم قد قام بتحريك أحد الكواكب من مكانه في المجرة! ولن ترتاح أبداً إلا إذا قامت بإعادة هذا الشيء بيدها إلى مكانه السابق.
تقريباً، إن نمط حياتها يشبه السجن المؤبَّد مع الأشغال الشاقة. فما السبب يا تُرى؟
يلعب عصاب الاستكمالية، أو الشكل الذي يظهر فيه، دور "الميكانزم" أي آلية الدفاع الذاتي. فليس العصاب هو المشكلة الحقيقية بل هو تجليها الأخير.
إن أي عصاب أو وسواس هو نتيجة حتمية لاتّخاذ الأنا قرار المواجهة مع الحصر الداخلي الذي نشعر به.
يظن البعض، خطأً، بأن المشكلة هي في الوسواس، لكنه في حقيقة الأمر ليس سوى أوراق وأغصان الجذور السامَّة المختبئة في أعماق الذات.
يحتاج هذا النوع من الوسواس إلى جلسات علاج نفسيّ عميق تكون الغلبة فيه للإفصاح عن ذكريات قديمة وأحداث مؤلمة أكثر بكثير من استخدام الأدوية. ولا بدَّ أن يُتاح للمعالج النفسي لعب دور الغوَّاص في النزول إلى الأعماق واجتثاث تلك الجذور السامَّة.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.