&
ترجمة&كامل السعدون

في الذاكرة قصة لا أستطيع الأخبار عنها إذ لا أملك الكلمات الدقيقة القادرة على ايصالها، لا املك الكلمات وأن ملكتها فهي ليست مما يفي بالغرض، وواقع الحال فالقصة تقريبا منسية لكنها ترد أحيانا على ذاكرتي فأعود للقلق والتوتر وقلة الفهم لهذا الذي رايته وعجزت عن تفسيره.
القصة تخصّ ثلاثة رجال في بيت في شارع.
واقسم أني لو تمكنت من عرض تلك القصة لما ترددت بغنائها في الشوارع والطرقات.
رباه.. كم أود أن أهمس بها في أُذان النسوة من الأمهات...!
الرجال الثلاثة يعيشون في غرفة في بيت، أولهم شاب دائم الاهتمام والعناية بمظهره وهو كثير الضحك. أما الثاني فهو رجل ذو لحية بيضاء طويلة وهو في غالب الأحيان في حالة شك لدرجة أنه يعاني من قلة النوم بسبب استسلامه لشكوكه.
&الرجل الثالث له عيون تقدح شررا وهو يتحرك بعصبية حاكا كفيه ببعضهما بينما هو يتمشى في الغرفة.
الثلاثة ينتظرون...ينتظرون.
لا أدري ماذا ينتظرون؟
&في الأعلى في الطابق العلوي من البيت، هناك امرأة واقفة عند نافذة، المكان شبه معتم، وهي تقف وظهرها الى الجدار.
هذا هو الأساس والقاعدة التي تنطلق منها تلك القصة، وكل ما أعرفه هو عصارة هذا المشهد الخاص لهؤلاء الناس.
مما أتذكره أن رجلا رابعا حل في البيت وهو رجل ابيض صموت كما البحر في الليل. اقدامه على الأرض الحجرية للغرفة التي يسكنها الرجال الثلاثة لم تكن تسمع البتة.
الرجل ذو العيون الشريرة كما الشياطين، أمسى كما المرجل المضغوط أو الحيوان الواقع في فخ، الرجل ذو اللحية البيضاء أصيب بالعدوى من عصبية ذو العيون الخبيثة وصار ينتف لحيته.
الرجل الأبيض صعد الى الطابق العلوي الى حيث المرأة التي كانت تنتظر.
كم هو هادئ هذا البيت، كم هي صاخبة الساعات الجدارية في بيوت الجيران.
&المرأة في الطابق العلوي تتوق للحب، إنها جائعة للحب بكل أعماقها، تود أن تُخلق بالحب من جديد. حين حل الرجل الأبيض في محيطها قفزت الى الأمام، افترت شفتاها عن ابتسامة عريضة.&
الرجل الأبيض لم يقل شيئا. ولم يحمل وجهه أي تعبير عن نقد أو عدم رضا. كانتا عيناه كما النجوم،& محايدة.. باردة.. وبعيدة.
في الطابق الأرضي، شرع الشريرُ ذو العينين الخبيثتين بالجري والنواح بأعلى صوته كما الكلب الصغير الجائع، أما الملتحي ذو اللحية البيضاء فجرى خلفه محاولاً اللحاق به لكنه شعر بالتعب وغلبه الشك فاستلقى على أرضية الغرفة ونام ولم يستيقظ ثانية ابداً.&
أما الفتى الضاحك فقد استلقى هو ذاته على الأرض وهو يكركر ويلعب بلحيته السوداء الحديثة النمو.
لا املك كلمات لتوصيل ما حدث في القصة.&
لا أستطيع البتة التحدث بالقصة. الرجل الأبيض الصموت يُحتمل أن يكون قد قضى نحبه، المرأة التواقة للحب أظُنها عاشت.
كلا الرجلين ذو اللحية البيضاء الطويلة والرجل ذو العيون الشريرة، كلاهما أربكاني وشوشا دماغي. أفكر وأفكر ولا أصل لقرار بشأنهما ولا أستطيع فهمهما البتة.
وحين لا أفكر بالإثنين أجدني أفكر بالثالث الفتى المشغول بذاته والذي ضحك كثيرا في قصتي.
لو إنني فهمته لأمكن لي أن أفهم كل شيء.
ولو فهمته لجريت في الطرقات مُخبرا الناس جميعا بالقصة وساعتها لن أكون غبياً.
لِمَ لمْ أُعطى كلمات؟ لماذا أنا غبي؟
لدي قصة رائعة تُحكى، ولا مجال لأن تُحكى.
&&
(13.سبتمبر 1876 - 8. مارس 1941)& &شيروود آندرسن
روائي وقاص امريكي معروف من أهم أعماله رواية الأبيض المسكين 1920، زيجات متعددة 1923
وروايات عديدة أخرى.&&
&