لندن: تغامر قلة من الصحافيين بالبحث عن قراصنة حقيقيين لإجراء مقابلات معهم. وأحد هؤلاء الصحافي الأميركي مايكل سكوت مور الذي بقي رهينة عند مضيفيه الصوماليين قرابة ثلاث سنوات.

يروي مور قصته في ذكريات شيقة ومؤثرة بعنوان "الصحراء والبحر: 977 يومًا رهينة على ساحل القراصنة الصومالي" The Desert and the Sea: 977 Days Captive on the Somali Pirate Coast (464 صفحة، منشورات هاربر كولينز).

الفدية: 20 مليون دولار

تقول مجلة لوس أنجلس ريفيو أوف بووكس في مراجعتها الكتاب أن مور كان يعيش في ألمانيا حين وجد نفسه يغطي محاكمة 10 قراصنة صوماليين في هامبورغ في عام 2011. قرر أن يؤلف كتابًا عن القرصنة فسافر إلى الصومال على الرغم من خطورة الوضع هناك في اوائل التسعينيات.

في الطريق من مدينة غالكايو وسط الصومال إلى مطارها، أوقف مسلحون في سيارة بك آب سيارته وأنزلوه منها ثم اقتادوه إلى مكان مجهول بعد إشباعه ضربًا.

طالب الخاطفون بفدية جنونية قدرها 20 مليون دولار من والدته البالغ عمرها 72 عامًا. كان الأجانب عادة يُفرج عنهم مقابل أقل من مليون دولار، لكن قراصنة الصومال عنيدون وعادة لا يعرفون الحساب ولا يتقنون حتى القرصنة التي امتهنوها.

بعد اسابيع، كان الخاطفون ينقلون مور خلالها من بيت إلى آخر، وضعوه على متن سفينة صيد تايوانية ترفع علم عُمان وطاقمها خليط من البحارة الآسيويين.

أثبت القراصنة الصوماليون بأساليبهم هذه انهم ليسوا قراصنة حقيقيين بل خاطفون انتهازيون صادف انهم يعملون في البحر.

يكتب مور في مذكراته أنه فكر في الانتحار أول مرة في الصومال، لكنها لم تكن الأخيرة. راودته احلام بالهرب. لكن الهروب الذي حلم به كان في الأغلب من طريق الانتحار.

ملاذ اليوميات

عاش مور هذا الصراع طيلة فترة احتجازه، لكن الأمل كان يفرض نفسه وسط اليأس. استمر مور في استخدام نار ولاعات سجائر رخيصة مراهنًا على إيصال إشارة ضوئية إلى الطائرات الأميركية المسيرة التي كان يفترض أنها تحلق فوق المنطقة.

كان يتلكأ في العودة إلى داخل السفينة عندما تمر طائرات خفيفة أو مروحيات كما كانت تفعل أحيانًا لتصوير السفينة. كان احيانًا يغامر بدس تعابير ألمانية تحدد مكانه خلال المكالمات الهاتفية التي كان القراصنة يجبرونه فيها على التوسل بمن يتحدث معهم أن يدفعوا الفدية.

وبعد أن تمكن مور من الحصول على أقلام ودفاتر، بدأ يكتب سلسلة من يوميات الاعتقال. أصبحت هذه اليوميات "ملاذًا ضروريًا من السجن".

كان القراصنة لا يفهمون الهوة بين مطالبهم ووضع مور الحقيقي. وذات يوم بعد أن اقتنع احد الحراس أن والدة مور لا تستطيع أن تدفع الفدية قال لمور انه لا يريد سوى "الحياة الهانئة" التي يصورها له ما يُسمى "الحلم الأميركي" عن طريق التلفزيون والهاتف الذكي. وكان مور يرد قائلا للقراصنة انه ليس من عائلة ثرية وانهم خطفوا الشخص الخطأ. &

بلا أمل

أُفرج في النهاية عن مور بعد دفع فدية لم يُكشف عنها، لكنها بلا شك أقل مما طالب به الخاطفون في البداية. واقتتل الخاطفون على الفدية حين وصلتهم.

الكتاب الذي نشره مور عن تجربته المريرة أضاءة نادرة على القرصنة الصومالية، وإضافة مهمة إلى نوع من الكتابة غير الروائية مؤلم ومضيء، هو مذكرات الرهائن.

لكن مور أكد في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز أنه لم يفكر يومًا في كتابة مذكرات رهينة، بل شرع في تأليف كتاب عن القراصنة الصوماليين ومكانهم في تاريخ القرصنة.

لكن ما تعلمه من تجربته المريرة هو أن يكتب من دون ذكر للعواطف في البداية، وإن إيجاد توازن بين السياق والعاطفة وإدخال اصوله العائلية وتحويل الكتاب إلى مذكرات شخصية حدث على مراحل. الشيء الآخر الذي تعلمه مور في أثناء احتجازه هو أن يعيش بلا أمل، وان يفصل نفسه عن دورة الأمل واليأس. وكانت هذه طريقة ساعدته على الصمود على الرغم من أنه لم يدرك ذلك إلا بعد انجاز الكتاب.

أعدت "ايلاف" هذا التقرير عن "لوس أنجلس ريفيو أوف بوكس" و"نيويورك تايمز".