يُعرّف ديكارت التفكير بأنه ارتداء الأفكار للكلمات المعبّرة عنها. بينما يُعرّفه آينشتاين بأنه اللعب الإرادي بالمفاهيم.

لكنَّ التفكير، بحسب علم النفس، هو نشاط ذهني غرضيّ أو سلوك معرفي أو كلام مُضمر منطوق بغية الوصول إلى حلّ لمشكلة أو اتخاذ قرار أو تكوين رأي حول مسألة معيّنة.

ثمّة نوعان من التفكير لدى الإنسان:

التفكير الاستدلالي ويمكننا تسميته أيضاً بالتفكير المذكّر، وهو عملية حلّ المشاكل ذهنياً وعن طريق الرموز من دون القيام بأي فعل. ويمثّل هذا النوع من التفكير الانطلاق من النقطة أ إلى النقطة ب، فالنقطة ج، ثمَّ النقطة د، وهكذا... وهو مستقيم في مساره، لذلك هو مذكّر من ناحية الشكل.

وثمَّة نوع ثانٍ من التفكير هو التفكير الحدسيّ أو التفكير المؤنّث، وهو فوضويّ وغير متمايز يعتمد في مجمله على "الفراسة" والتخمين والحدس، ويكون مساره دائرياً، لذلك هو تفكير مؤنّث من خلال شكله.

وللتفكير أيضاً أدواته العديدة، ومنها "الصور الذهنية" حيث تساعد الصورة في ترسيخ الفكرة وفي تثبيت المعنى، إضافة إلى مجموعة المدركات الحسيّة والسمعيّة والشميّة والذوقيّة واللفظية التي هي بقايا انطباع الحاسّة في الذهن.

وهناك "الكلام الباطن" أيضاً، أي مجموعة الذبذبات الكهرومغناطيسية دون الصوتية.

وأيضاً هناك "عمليات التجريد"، أي قيام الذات بالفصل الذهني بين الأشكال والمفاهيم وتمييزها عن بعضها البعض لأهداف عقلية.

ومن أدوات التفكير أيضاً "التصوّر العقليّ"، أي ذاك الذي يتمّ دون اقتفاء أثر الصور على شكل خيال بحت.

إذاً للتفكير أنواع وأدوات، ولكن هل له منطق واحد موحَّد؟ أم أنه ثمّة منطق آخر غير الذي نتداوله؟

يقول المنطق الطبيعي بأن قواعد التفكير الصحيح طبيعية وسارية المفعول في جميع أشكال الثقافات وفي مختلف المجتمعات والقوميات. وهذا المنطق الذي نألفه جميعنا -أي المنطق الطبيعي- يعود إلى أرسطو، وعلى العكس منه ما يُسمَّى بالمنطق المتناقض.

يقوم منطق أرسطو على مبدأ الهوية، أي هوية الشيء. وبحسب تعبيره: "يستحيل أن يُعزى الشيء نفسه في آن واحد وفي العلاقة ذاتها إلى نفس الشيء... إن هذا المبدأ هو أكثر المبادئ ثبوتاً وتحققاً".

الكتاب مفتوح ومغلق في آن واحد أمر مستحيل بحسب المنطق الطبيعي لأرسطو، لكنه ليس كذلك بحسب منطق هيراقليطس من خلال ما سمَّاه "المنطق المتناقض غير المعقول". وخير من عبّر عن هذا المنطق بمقولةٍ هو تشوانغ تسي حيث قال فيه: "ما هو واحد هو واحد، وما هو لا واحد هو واحد أيضاً".

إن هذا النوع من المنطق قديم جداً، ويمكننا ملاحظته في بعض لغات الحضارات القديمة، على اعتبار أن اللغة والمفردات والدوال استطالات للأفكار.

فنرى أن كلمة "أبيض" مثلاً تقود إلى معنى مشترك ومتناقض، فهي تشير إلى الأبيض والأسود معاً!

وكلمة "قويّ" تشير إلى القوي والضعيف في آن واحد. ومثلها كلمة "تابو" التي تحمل معنيين متنافرين، فهي الشيء المقدّس الممنوع من اللمس وهي في الوقت ذاته الشيء النجس والمدنّس!

ومن هنا جاء الكثير من مفاهيمنا التي كوَّناها تجاه بعض القضايا مثل مفهومنا للعمل الجنسيّ.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.