حين بُني معمل لومب للحرير في عام 1721 في الجزء الشرقي من وسط إنكلترا، أصبح معلمًا سياحيًا. وقال دانيل ديفو الذي كان أحد زواره الكُثر إن "هيكله الهائل شيء غريب ذو طبيعة استثنائية للغاية".

إيلاف: لم يكن المعمل الذي كان يشتغل فيه 300 شخص، غالبيتهم من الأطفال، في ظروف مزرية معملًا كبيرًا بالمعايير الحديثة، لكنه أول معمل دخلته المكننة بنجاح، مؤديًا خلال السنوات المئة التالية إلى حدوث تغيير جذري في طرائق حياة الناس وتفكيرهم. 

يركز جوشوا فريمان في تأرخته الحية لهذا المعمل بعنوان "بيهيموث: تاريخ المعامل وصناعة العالم الجديد" Behemoth: A History of the Factory and the Making of the Modern World (منشورات نورتون وشركاه، 448 صفحة، 27.95 دولارًا) على أكبر مصنع من نوعه وقتذاك. 

يسافر فريمان، المؤرخ في كلية كوينز في نيويورك، من معامل النسيج البريطانية التي تركزت فيها أعمال كانت تؤدى في بيوت وورشات صغيرة، إلى معامل فولاذ وسيارات عملاقة في أميركا وأوروبا والاتحاد السوفياتي خلال القرن العشرين. وتنتهي رحلاته في جنوب الصين، حيث يوجد معمل فوكسكون، الذي هو بحجم مدينة لتصنيع هواتف آيفون وغيرها من الأجهزة الالكترونية.

تفصيلات شيقة
يشمر فريمان عن ذراعيه ليحلل أدق التفصيلات الشيقة للصناعة التحويلية، ويربطها بالتاريخ الاجتماعي على أرض المعمل وما وراء جدرانه، من المعارك النقابية إلى استغلال العمال، وفي حالة فوكسكون انتحارهم. 

كانت البداية مع هنري فورد الذي حول السيارة من سلعة ترفية إلى منتوج يُصنع بالجملة للجمهور العام حين أطلق السيارة موديل "تي" في عام 1908. واستخدم فورد في معمله الواقع على أطراف مدينة ديترويت طرائق إنتاج خفضت كمية العمل المطلوبة لتجميع هذه السيارة من 12.5 ساعة إلى 93 دقيقة بحلول عام 1914. ولم يمض وقت طويل قبل أن يصبح مجمع ريفر روج مركز امبراطورية متكاملة تنتج كل شيء يدخل في صنع سيارة. 

لكن السيارة موديل "تي" سرعان ما أصبحت موضة عتيقة. وفي عام 1927، أوقف فورد إنتاجها، وسرح 60 ألف عامل مفجرًا أزمة اجتماعية في منطقة ديترويت. بعد ستة اشهر، نُصبت آلات جديدة لإنتاج سيارة جديدة هي موديل "أ"ي.

في أوج نشاطه، كان المعمل يشغل 100 ألف شخص. لكنه كان مكان عمل لا يرحم، يخضع عماله لانضباط قاس ومراقبة استبدادية. قال أحد العمال: "يترك المرء عقله وحريته خارج الباب" قبل أن يدخل المصنع. 

قوانين مصممي الأزياء
بعد الخسائر التي تكبدها فورد بالانتقال من السيارة "تي" إلى "أي"، لاحظ ألفريد سلون، رئيس شركة جنرال موتورز المنافسة، أن شركات صناعة السيارات بحاجة إلى أن تعتمد "قوانين مصممي الأزياء في باريس". وكان ذلك يعني إنتاج موديلات جديدة في أحيان أكثر. 

تسبب تقصير دورة الإنتاج وتقلبات السوق في تفتيت الصناعة التحويلية إلى معامل أصغر وأرشق وأكثر تخصصًا. على سبيل المثال، ما زال معمل "روج"، لكنه يشغل 6000 عامل فقط ينتجون شاحنات خفيفة. 

يرى البعض أن نقل المعامل إلى بلدان ذات أيدي عاملة رخيصة، خصوصًا في آسيا، حكم على المعامل العملاقة بالزوال. لكن سلاسل الإمداد الطويلة والمنشآت البعيدة تعرّض الشركات المنتجة إلى تغيرات متسارعة في أسواقها الداخلية.

في هذه الأثناء، تواصل المواد وأساليب التصنيع الجديدة ، مثل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، تفكيك اقتصادات الإنتاج واسع النطاق التي اعتمدت عليها المعامل العملاقة. وعلى الرغم من أن فريمان لا يقتل المعامل العملاقة، فإنه على الأرجح كتب نعيها. 


أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "إيكونومست". الأصل منشور على الرابط:
https://www.economist.com/news/books-and-arts/21737488-which-may-turn-out-be-their-epitaph-insightful-history-giant-factories