&النطق الشائع كان بكسر العين وفتح الميم ، لكن صحيحه كان بضم العين وفتح الميم أيضا ،اذ أن التسمية كانت منسوبة لاحدى الطرق& الصوفية الوافدة من بلاد المغرب العربى كمعظمها فى مصر، والتى كان يسكن شيخها فى الشارع وهو الشيخ& سيد ،وكمعظم الشوارع فى مدن الصعيد الادنى يمتد الشارع من الغرب الى الشرق ،وهولايتعدى الخمسين بيتا نصفهم على جانبه الشمالى ومثلهم فى المقابل ، لكن أحيانا كان يطلق على الشارع اسم شارع الورشة لوجود ورشة خراطة فى مواجهة اتجاهه الشرقى ،أما واجهته الغربية فكان يقابلها المدرسة الأميرية أو مدرسة فاروق ، وكان الشارع هو الثانى ضمن أربعة شوارع متوازية تنتهى عند طريق قديم لقطارات نقل القصب يسمى السكة الاضافية .
& & & & & & & كان الشيخ سيد رجل سبعينى تقريبا ، ولازلت اذكر مشهد انطلاق موكب احتفال الطريقة العمرية بالمولد النبوى، حيث يرتدى الشيخ سيد وشاح اخضر ويحيط به مريدوه وحاملو البيارق والأعلام الملونة ــ وأظننى رأيته ذات مرة يعتلى حصان ــ وينشد الجميع& الأذكار الموزونة& على ايقاع الطبول والمزمار بما فيهم أطفال الشارع الذين يتزيلون الموكب بدءا من لحظة انطلاقه من أمام بيت الشيخ سيد مرورا بشوارع المدينة الرئبسية وحتى عودته الى نفس المكان ، ولم يترسب فى ذهنى أنا الصغير وقتها أى حساسية من أطرب وأردد ( بسم الله& الله وأكبر ذو الجلال والاكرام .......) وبقية الأهازيج الدينية مع الجموع وبقية أطفال الشارع.
& & & & & &مواكب اخرى كانت تمر بشارعنا ، أحدهم كان يوم الاربعاء حيث تمر الذبائح المزمع بيع لحومها يوم الخميس ،ثيران بقر وفحول جاموس مزينه بأكاليل الورود ليعرف الناس صاحب محل بيعها وينادى عليها (من ده بكرة بعشره قروش وهو سعر رطل اللحم أيامها& حيث لم يكن تم بعد تعيين نظام الوزن الحديث .
& & & & &موكب آخر كان الأكثر أهمية بالنسبة لنا نحن الصغار وكان يمر عصر الجمعة ،حيث يمر عمال سينما الجمهورية التى يملكها الحاج عبد الناصر فى شارع بور سعيد حاملين الأفيش الضخم لفيلم الاسبوع الذى يبدأ عرضه يوم السبت ، وأحيانا فيلمين تصاحبهم فرقة من آلات النفخ الشعبية مع عرض بسيط للعبة من ألعاب السيرك فى عرض مبهج .&
& & & & & & & & &كان شارع العمريةــ ونذكركم أننا نتحدث فى أواخر خمسينات القرن الماضى وبواكير الستينيات ــ نصفه تقريبا أو يزيد قليلا من الاقباط ، وكان معظم سكانه& ميسورى الأحوال عدا بعض الساكنين بالايجار، ولم يكن البناء المسلح منتشرا فمعظم البيوت كان من طابقين والسقوف عالية من الخشب والحوائط اما من الحجر الجيرى أو من الطوب اللبن ، والشارع الذى لايزيد عرضه عن خمسة أمتار تقريبا بأرضيته الترابية كان يكنس كل يوم صباحا ويرش بالمياه بعد الظهر وتضاء أعمدة الانارة قبيل الغروب وفى أمسيات الصيف تحلو جلسات النساء للسمر أمام البيوت بينما يلعب صغارهن على مقربة .
وقد ولدت فى هذا الشارع حيث كنا نملك بيت كبير من طابقين باعه أبى فى منتصف الخمسينات& لظروف يطول شرحها ، لكن صلتى بالشارع لم تنقطع حيث كنت دائم التردد على اسرة أصغر عماتى التى كانت تسكن الشارع ، وكانت الاسماء فى الشارع تتراوح بين ابوبكر وعمر وعثمان وعلى وبين جرجس وولسن واسرائيل وتادرس والأخير كان أكبر تاجر خمور فى المدينة&
وكانت (الست أم عمر) وهى زوجة الحاج كامل الاخ الاصغر للشيخ سيد بمثابة الاخت الكبرى لمعظم نساء الشارع ومنهم عمتى التى كانت دائمة المديح فى (أم عمر) لطيبتها وكرمها ولم أرى أبدا شجارا& فى هذا الشارع& ولم أرى شبهة تعصب أو تمييز أو فرز أو عنصرية كان خليط ممتزج متعايش قابل بالاختلاف كأسلوب حياه حتمى لامفر منه وضرورة حياتية لاغنى عنها وأتذكر أن الفندق أو (اللوكاندة) الوحيدة فى بلدتنا& كانت ملكا لليونانية كاترينا وشقيقتها&
هذا ماجادت به الذاكرة عن صورة مر على آخر تفاصيلها ستون عاما أو يزيد لشارعنا الجميل ، وأظنها صورة من& بلدتنا& وأظنها صورة من الوطن كله فى هذه الحقبة الجميلة التى نعيش على بقاياها حتى اليوم.
&