&
&
صدرت للروائي العراقي ناطق خلوصي روايته الجديدة التي تحمل عنوان (بستان الياسمين) عن دار میزوبوتامیا للطباعة والنشر والتوزیع ببغداد ، حيث يرسم ملامح مما جرى في العراق بعد عام 2003 ، حيث فيها يجعل القاريء يستنشق عطور الياسمين وسط خرائب عديدة تتمثل في السلوك والتصرف والاخلاق وما بثته السياسة من روائح عطنة .
تقع الرواية في 214 صفحة من القطع المتوسط، ليس فيها فصول ولا ابواب بل تركها لتكون وحدة واحدة ، وليس في متنها مقدمة ولا اهداء ولكن هناك على الغلاف الاخير لها رأي للناقد حسب الله يحيى يقول فيه :نادرة هي الروايات التي تستأثر باهتمام القاريء وتشده الى صفحاتها منذ البداية حتى ينتهي من قراءتها في جلسة واحدة، و (بستان الياسمين) للروائي العراقي ناطق خلوصي من هذه الروايات الاثيرة التي تأسر قارءها حيث لا ينفك عن متابعة احداثها وصولا الى ختامها وذلك لما تحمله من تشويق واثارة وانتباه ومتعة
ويضيف : تدور أحداثھا حول شخصیة العجوز المفتون بشباب، أفل كأنما یرید التأكید على رجولة لا یستھلكھا الزمن مقابل أنوثة متنوعة ومتعددة وطاغیة تصل حد المحرمات، كاشفا من خلالھا مجتمعا مترفا خلقته ظروف سیاسیة واجتماعیة لا تعرف الاستقامة لا سلوكا ولا مواقف فیما تكون (بستان الیاسمین ھي الأمل المرتجى والرجاء الذي یفتح أبواب مستقبل تجاوز محن الماضي في صوره المأساویة العديدة)
ويؤكد حسب الله عن الروائي قوله (ناطق خلوصي يمتلك حرفية الروائي المبتكر ، وبستانه الاثير هذا شاهد على عطائه الابداعي الثر .
بين اول سطور يفتتح بها الرواية (رن الجرس فنهض بجسده ينوء بعبء سنواته الستين، واذ سحب اليه ظلفة الباب فاجأه وجه لم يألفه من قبل..) ، وبين اخر سطر في الرواية (استلقى على سريره ووجد ان هو الاخر ان يبدأ بمحاكمة نفسه الان.) ، يكون بطل الرواية الشاعر مسعود مسعود ذو العمر الستيني قد ابتدأ الرواية واختتمها،وما كان فتح الباب من قبله الا بدء الحكاية الطويلة بتشعباتها عبر شخوصها الذين يتمثلون باسرته (ابنه الاصغر نائل وابنه الاكبر وائل وزوجته سهير وطفلهما مسعد، وابنته رفيف وزوجها ابن اخيه المهندس نبيل) ، وطالبة الماجستير (سالي) واسرتها المكونة من ابيها الملياردير حديث النعمة سميح الوادي وامها وشقيقتها وصديق العائلة الدكتور اشرف،وصديقته القديمة في بيروت ربيعة وابنتها الشابة ميس، هؤلاء هم كلهم يدورون حول شخصية الشاعر العجوز الذي ما زالت روجه (خضراء) بعد وفاة زوجته ، اما (بستان الياسمين) فهو المكان المفضل للشاعر و فيه البيت الجديد الذي شيده الشاعر على ارض له في اطراف العاصمة ليكون المرفا الخاص به والصومعة التي يلتجئ اليها عندما قرر تقسيم داره الاساسية بين ولديه وأبنته ،وذلك بعد أن باع أجزاء من الارض التي يملكها ليصنع بثمنها ذلك العش الحالم الذي سماه (بيت الياسمين ) لجمال حديقته وعطورها الفواحة في أرض بكر يريد الشاعر أن تكون موئلا له .
في الرواية من الممكن ان نتعرف على المسارات السردية التي تشكلت على اسسها الرواية ، الاول وهو الاهم جدا علاقة الشاعر مسعود بأبنائه ، التي كانت علاقة خوف على حاضرهم ومستقبلهم وعطف ابوي شمل حتى زوج ابنته وهي علاقة في منتهى الروعة وتنم عن عمق العلاقة بين الاب وابنائه في الصدق والمحبة .
اما المسار الثاني فيتمثل في علاقة الشاعر مسعود مع طالبة الماجستير (سالي) ابنة الثري حديث النعمة بالمال الحرام ذي الشخصية المتنفذة (سميح الوادي) ومن ثم تمتد العلاقة الى إسرتها وبالتحديد كراهيته للاب ،لكنه في الوقت الذي يتجنب فيه (اقامة علاقة) مع سالي على الرغم من محاولاتها العديدة لجذبه اليها الا انه يرفض لرستجابة لنداء جسدها وهي في ضيافته وهي في عمر ابنته كما يقول ويشدد على تساؤل منه (هل خان المباديء التي يحملها وفرط بالقين التي ينادي بها) ، لكنه يقع في الخطيئة مع امها التي تخبر ابنتها انها قضت وقتا ممتعا معه في غرفة نومه !!، لكنه في مسار العلاقة بينه وبينه ربيعة التي اشار اليها بقوله (ارملة ضابط استشهد في الهرب) وفتح لها في بيروت (بيتا ضمت اليه اربع بنات حسناوات ومعها إبنتها الشابة ميس)، وقد امتدت علاقته الحميمة مع الام الى البنت التي تولاها يرعايته الخاصة ،وهي بعمر حفيدته، الى حد انه (يقيم علاقة) معها وتحمل منه !!.
بيد ان المسار الاغرب هو علاقة الاب الشاعر مع سهير زوجة إبنه وائل،فيها شد وجذب وفيها محاولات تكاد تصل الى نهايات تقترب من ارتكاب الخطيئة، فهو يجاريها في كل ما تفعله بل انه يفعل معها ما يثير الريبة في سلوكه وحرصه ومجاراته لها في الوصول الى النتيجة المتوقعة وكأنه يستمتع في اللعبة هذه وبترك لها تقف امامه بقميص النوم وتلامس جسده ، والى حد تأكيده عليها ان تأخذ الحذر من ان تقع عينا زوجها على محادثاتها او رسائله الغزلية اليها بل انه يفعل اكثر من ذلك حين يؤكد انه يشتاق لسماع صوتها ويعلن تساؤله الغريب (هل صار يحبها حقا وهو في هذا العمر وهي في سن ابنته فضلا عن كونها زوجة ابنه !!) ، بل انه يتمادى اكثر حينما يطلب منها ان تشاهد فيلما رومانسيا معه على الحاسبة (ولاحظ انها في غاية الانسجام مع ما يجري على الشاشة من احداث رومانسية)، كما ان امتداد العلاقة بينهما تصيبه بالغيرة من شخص (وسام) الصبي ابن قريبهم الدكتور سمير في لندن الذي تمارس معه العلاقة الحميمة وهي ترى انه يعوضها عن اهمال زوجها والثأر منه لانها تعرف انه على علاقة مع ممرضو هندية في المستشفى الذي يعمل فيه، بل ان الاب الشاعر يكاد يعرف انها اقامة علاقة مع زوج ابنته وقد تركهما يذهبان معا ويعودان الى البيت متأخرين ويبرر لابنته ذلك في الزحام بالشوارع .
مع هذه التفاصيل الاجتماعية التي يسردها الروائي لكن الروائي ناطق خلوصي يأخذنا الى العديد من الامكنة ، داخل بغداد وخارج العراق، يرسم لنا صورا من المتغيرات التي طرأت على المجتمع العراقي بعد احداث 2003 ،يريد ان يوثق بعض السلبيات بعد ان يسلط عليها مجهره ، ومنها سهولة الحصول على المال الحرام وشراء الذمم وسيطرة اصحاب النفوذ،وفي الاخير يرسم امنيته غير المتحققة في الواقع حين (قرأ في الصفحة الاولى لاحدى الصحف وبمانشيت عريض : حوت المال العام سميح الوادي يصاب بالشلل قبل حضوره جلسات التحقيق معه بتهم الاستحواذ على المال العام!) .
اعتقد ان الروائي حينما انهى روايته بهذه الجملة (استلقى على سريره ووجد ان هو الاخر ان يبدأ بمحاكمة نفسه الان) اراد من القاريء ان يحاكم ابطال روايته ويصدر يحقهم الحكم الذي يرتأيه .
&
صدر للروائي ناطق خلوصي (82 عاما)، عدة روايات منها : ” منزل السرور ” عام 1989 ، ” الخروج من الجحيم “عام 2001 ، ” المزار ” عام 2004 ، ” شرفات الذاكرة ” عام 2013 ، ” ابواب الفردوس ” عام 2013 و(تفّاحة حوّاء)، فضلا عن عدد من المجاميع القصصية .
&