لا تتحسر دامبيسا مويو على الحال التي وصلت إليها الديمقراطية في العالم، بل تقترح جملة حلول إصلاحية، منها ما هو قابل للتحقق، ومنها ما هو صعب أن يكون حلمًا حتى. إنها "حافة الفوضى".
&
إيلاف من بيروت: تحول التحسّر على حالة الديمقراطية الليبرالية المقلقة إلى صناعة منزلية. مع كل تآكّل للحريات الفردية، مع كل انتخابات منحرفة، يرمي معلّقو وسائل الإعلام مجموعة من التحليلات لأمراض العالم والوصفات الطبية الأفضل لعلاجها.

يقلق البعض بشأن الانزلاق نحو الحكم المطلق في بلدان أوروبا الوسطى، من بولندا إلى تركيا. ويراقب البعض الآخر بحذر موجة الهزات الشعبوية التي تحاول ركوبها الأحزاب المتطرفة في الدول الناضجة، مثل فرنسا وألمانيا. كما كان الـ"بريكسيت" تنبيهًا طارئًا.

أخطر أزماتها
أكثر ما يثير القلق بشكل مفرط هو ما حلّ بالولايات المتحدة. لا يقتصر ذلك على انتخاب رئيس بالكاد يحترم معايير الديمقراطية، بل يشمل أيضًا السهولة الواضحة التي

الفشل العالمي في تحقيق نمو مستدام وشامل يعزّز الاضطراب السياسي المتفشي

اخترقت بها روسيا أنظمة البريد الإلكتروني وشبكات الإعلام الاجتماعي. وأعلنت مؤسسة فريدوم هاوس أن الديمقراطية تواجه "أخطر أزماتها في عقود" - حتى إن الاقتصاديين يقفزون عبر الحدود الأكاديمية العرفية نحو العلوم السياسية من أجل التعبير عن رأيهم.

في هذه المناقشة، تعطي دامبيسا مويو شهادات اقتصادية قوية. ومويو مساهمة منتظمة في صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"فاينانشال تايمز". في عام 2009، اختارتها تايم واحدة من "أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم".&

تظهر معرفتها بالعلم الكئيب (الاقتصاد) من خلال عملها الجديد الاستفزازي، "حافة الفوضى: لماذا تخفق الديمقراطية في تحقيق النمو الاقتصادي – وكيف يمكن إصلاح ذلك" Edge of Chaos: Why Democracy Is Failing to Deliver Economic Growth—and How to Fix It (المكون من 296 صفحة؛ بيزيك بوكس؛ 30 دولارًا)، حيث تجادل بشكل قاطع بأنّ الفشل العالمي في تحقيق نمو مستدام وشامل يعزّز الاضطراب السياسي المتفشي.&

وتقول إن الديمقراطيات الليبرالية يمكن أن تتحمل إما بطء النمو أو ارتفاع عدم المساواة. لكن، عندما يصطدم الاثنان، كما هي الحال في العديد من الاقتصادات الناضجة، يمكن أن يكون التفاعل الكيميائي عنيفًا.

مثال حي على ذلك: شهدت الولايات المتحدة انخفاض معدل توسعها من 4 في المئة في أواخر التسعينيات إلى أكثر قليلًا من 2 في المئة اليوم. في الوقت نفسه، انفجرت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ما جعل العديد من أولئك القريبين من الأسفل يتحملون مستويات معيشية أدنى مما كانوا يواجهونه منذ عقود مضت.

الحمائية المتصاعدة
تلفت مويو إلى أن الرأسمالية، في حال تركها من دون رقابة أو حدود، تؤدي إلى عدم مساواة الدخل. لكنّ تصحيح هذا الوضع يدخل ضمن سلطة الحكومات. عدم المساواة ارتفع في أوروبا أيضًا، فإنّ الضرائب التصاعدية وشبكات الأمان الاجتماعي القوية أبقتا الفجوة هناك قابلة للإدارة.

عدّدت مويو سبع عقبات أمام النمو - من المجتمعات القديمة إلى الموارد الطبيعية المحدودة. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يعدّ التحصيل العلمي سببًا رئيسًا للقلق. في اختبار رياضيات في عام 2015 تم إجراؤه عالميًا للأولاد في الخامسة عشرة، جاءت الولايات المتحدة في المركز 30 من بين 35 بلدًا كبيرًا.

لكنّ خوف مويو الأكثر إزعاجًا - مع مبرر كبير - هو المد المتصاعد للحمائية. يلقى اللوم الجزئي على الأزمة المالية والركود اللذين تليا ذلك، غير أن مناصري العولمة مسؤولون عن الانجراف (ربما الآن، التدافع) نحو المزيد من السياسات الحمائية. فشلوا في إدراك أنه بالنسبة إلى جميع الفائزين (فكر في عدد المنتجات التي نشتريها والتي هي أفضل وأرخص، لأنها مصنوعة في مكان آخر)، هناك أيضًا خاسرون (فكر في المصانع المغلقة في جميع أنحاء المنطقة الصناعية).

من المؤكد أنها محقّة في أن الرأسمالية والعولمة قد بذلتا جهدًا لتحسين مستويات المعيشة أكثر من أي ترتيب اقتصادي آخر. لكن، هل الديمقراطية عنصر ضروري؟، نظام الصين المختلط للرأسمالية التي توجّهها الدولة أعطى نتائج مذهلة: ففي جيل واحد فقط، انتشلت الصين 300 مليون شخص من الفقر.

سؤال الإنتاجية
تحترم مويو إنجازات الصين بشكل ملائم، وتشعر بالقلق من فكرة أن عدم إدراك مؤيدي الديمقراطية الليبرالية كيفية إصلاح ما هو محطم، ربما يؤدّي إلى انتشار أنظمة مثل النظام الصيني، مع ما يترتب عن ذلك من آثار خطيرة على الحريات الفردية.

ليست مويو متشائمة في كل شيء. فهي تدرك التحسينات الهائلة التي تحققت في جميع أنحاء العالم في مجال الصحة العامة، وحتى في الرفاه الاقتصادي، لا سيما في الدول الناشئة. في الواقع، تبدو دائمًا غير واثقة مما إذا كان الكوب نصف فارغ أو نصف ممتلئ. في مرحلة ما، تنعي المداخيل التي بقيت ثابتة في الولايات المتحدة منذ عام 1970، بعد التكيف مع التضخم. في مرحلة أخرى، تمجّد نجاح الرأسمالية الديمقراطية في توليد زيادة بمقدار 30 ضعفًا في الأرباح طوال القرن العشرين.

ثم، هناك مسألة الإنتاجية. على نحو غير معهود من خبير اقتصادي، ترى مويو بحق أن تحسين كفاءة العمال هو مفتاح النمو الاقتصادي، وتأسف على معدل تحسنها الحالي البطيء في جميع أنحاء العالم المتقدم. لكن، بعد ذلك، تعبّر عن القلق بشأن الروبوتات والأتمتة عندما، في الواقع، يمكن أن تحدث زيادة كبيرة في الإنتاجية، من خلال تكميل العمال بالآلات والروبوتات والأتمتة فحسب.

هناك مشكلات أخرى أيضًا. فهي تشوّش مفهوم التغيير مقابل معدل التغيير، معلنة أن الإنتاجية العالمية تتراجع. لكن ما تعنيه هو أن معدل نمو الإنتاجية العالمية تراجع.

قادة الدول القيادية
في أي كتاب مكتظ بالحقائق والأرقام، لا بد من أن تتسلل أخطاء صغيرة. فلدى الولايات المتحدة وأوروبا معًا أكثر من 10 مدن يزيد عدد سكانها على مليون نسمة. لا يمكن اعتبار الهند، بمعدل نموها البالغ 7 في المئة، دولة متقاعسة (كما أعلنت مويو ثلاث مرات). وأخيرًا، هناك العبارة غير الملائمة التي تستخدمها أحيانًا، مثل "قادة الدول القيادية".

بالحديث عن السياسة، توثّق مويو كيف أن الثقة في الحكومة تراجعت مع تزايد الاستقطاب والجمود. لهذا السبب، تلقي اللوم على التركيز على مشروعات "المدى القصير". فالسياسيون، بحرصهم على الفوز في الانتخابات، يتخذون قرارات لزيادة دعم الناخبين إلى أقصى حد، بدلًا من القرارات التي من شأنها أن تفعّل أكثر من غيرها النمو على المدى الطويل. في هذه الأثناء، في واشنطن، قام الجمود بإبطاء العمل فجعله يزحف زحفًا.

لكن... لم يكن الأمر كذلك دائمًا، وتحاول مويو بشجاعة شرح السبب، فتستشهد بالانتقال في السنوات الأخيرة نحو المزيد من رأسمالية عدم التدخل، وانتشار الدورة الإخبارية على مدار الساعة، وظهور وسائل الإعلام الاجتماعية، وتحوّل السلطة نحو الشركات وفاعلي الخير الأثرياء.

الجدير ذكره أنّ الغش والتقسيم الانتخابي وإنفاق المال السياسي على الحملات الانتخابية وحشد التأييد هي عيوب إضافية (وذات صلة).

محو أمية الناخبين!
هؤلاء الأشرار، وغيرهم، يرقصون على خشبة مسرح مويو قبل أن تكشف عن إصلاحاتها المقترحة، المصمَّمة كلها لإصلاح النظام السياسي الأميركي لتتمكّن الرأسمالية من الإزدهار. عددها 10، تتراوح بين ما لا يقبل الجدل (الحصول على المال من السياسة) وما لا يعقل (فرض اختبارات محو الأمية على الناخبين المحتملين والتركيز على تصويت "الشريحة الأكثر استنارة من الناخبين").&

تشمل أفكارها الأخرى فترة حكم أطول للمسؤولين المنتخبين، إلى جانب وضع حدود لهذه الفترة، وخفض التلاعب بالدوائر الانتخابية والتصويت الإلزامي.

هناك بعض الغرائب أيضًا: تقييد قدرة الحكومات اللاحقة على تعديل الاتفاقيات طويلة الأجل التي أبرمتها الحكومات السابقة، وتحديد الحد الأدنى من المؤهلات لأصحاب المناصب.

بشكل مفيد، تضع مويو رسمًا بيانيًا يوضح كيف تصنف 14 دولة رائدة من حيث أهدافها لإصلاح الديمقراطية. وبحسب حساباتها، تحتل المكسيك غير المستقرة المرتبة الأولى (كونها حققت خمسة من معالم مويو) بينما احتلّت ألمانيا، وهي محرك أوروبا الاقتصادي، المرتبة الأخيرة، مع علامة صفر. وهذا قد يترك القراء في حيرة.