يُعتبر الدماغ مصنعاً عظيماً لإنتاج المعنى لدى الإنسان. ومسألة إعطاء معانٍ للأشياء التي نختبرها ونتعامل معها هي مسألة بالغة الدقة، فلا يجب إعطاء قيمة كبيرة لأشياء لا تستحقّ هذه القيمة المعطاة لها، وبالمقابل يجب عدم التقليل من قيمة أشياء أخرى.
ثمَّة معنيان اثنان يستخدمهما الإنسان في تفحُّص وتثمين الأشياء من حوله، وهما: "المعنى القاموسيّ" و"المعنى المحسّ".&
فما هما هذان المعنيان؟ وكفَّة أيّ منهما يجب أن تكون الراجحة في خياراتنا؟&
لدينا هذا المثال:
في فصل الشتاء يحتاج الإنسان إلى معطف يرتديه لدى خروجه من منزله. عملية ارتدائه لمعطفه بقصد الدفء والوقاية من الأمراض هي المعنى القاموسي هاهنا، بينما يكمن المعنى المحسّ في عملية اختيار شكل المعطف ولونه ومدى ملائمته للثياب التي يرتديها الإنسان.&
عند تضخُّم الإحساس بالمعنى المحسّ تتجاوز هذه الميزة حدودها الطبيعية، فيكون من الضروري شراء معطف يتناسب مع شكل وألوان الثياب المعلّقة في الخزانة، وينسجم أيضاً مع شكل المفروشات وألوانها في البيت!
وفي حالة تغليب المعنى المحسّ على المعنى القاموسيّ في المثال السابق، فإن الإنسان يفضّل أن يكابد البرد على أن يرتديَ معطفاً قديماً أو آخر غير منسجم مع ثيابه التي يرتديها!&
وهذا الأمر ليس مستهجناً جداً، ما دمنا نرى الكثير من النساء يفعلنه أو يفعلن شيئاً مشابهاً له عندما يأتين إلى حفلة في فصل الشتاء القارس وهنَّ مرتديات ثياباً قصيرةً! ففي قرارهنَّ هذا يغلب المظهر والشكل على حساب الصحة والسلامة، حتى ولو أصبن بنزلة برد في اليوم التالي. لا يهمّ! فالمهم هو جاذبية مظهرهنَّ في سهرة الليلة!&
يظنّ البعض بأن المرأة ترتدي الثياب القصيرة لا لإغواء الرجال، بل لإغاظة النساء الأخريات.&
المرأة بشكل عام معنية بالجمال فيزيولوجياً. ومعنيّة بالظهور بمظهر برّاق وجذّاب. ذلك لأن لديها ميلاً "طفوليّاً" يدفعها للاستعراض. لذا هي ميَّالة للمعنى المحسّ أكثر من الرجل. وهذا الميل الذي يعود إلى الطفولة هو كلّ ما تبقى من رغبة الطفل بالتعرّي والإحساس بالتحرُّر والسعادة أثناء القيام بهذا السلوك.&

باحث سوري في مجال علم النفس التحليلي.