تقول جينيفر تريغ إن مفاهيم التربية تغيّرت ابتداءً من القرن التاسع عشر، وصار معروفًا أن إنجاب الأطفال وتربيتهم مكلفان اقتصاديًا، لكنهما لا يثمّنان عاطفيًا. وينظر الأهل إلى أنفسهم مسؤولين عن تنمية قدرات أطفالهم الفكرية والعاطفية.

إيلاف من بيروت: بحسب آدم فيليبس، يعود انكباب الأهل الأميركيين على قراءة الكتب المتعلّقة بالتربية إلى أبعد من مجرد الحاجة إلى معلومات فورية عن طريقة التعامل مع مراهقٍ متجهّمٍ أو مع رضيعٍ لا يستطيع أن ينام، بل هو "هوسنا بنمو الأطفال، وبما يُعرف بمهارات التربية التي أصبحت وسيلةً لإيجاد صحتنا النفسية".

من الملاحظ أن الكتّاب في هذا المجال يتهافتون على إصدار كتب يتناولون فيها تربية الأولاد بوتيرةٍ أسرع من قدرة المستهلكين على قراءتها. يعكس هذا الشغف في الحصول على النصائح تطلّعات ومخاوف عميقة للأهل الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى بشكلٍ خاص.

لم يتغيّر
في كتاب "تصرّف بطريقةٍ طبيعيةٍ: تاريخ من الثقافة والأخطاء في تربية الأولاد" Act Natural: A Cultural History of Misadventures in Parenting (المكون من 336 صفحة، منشورات هاربر كولينز، 27 دولارًا)، توافق الكاتبة جينيفر تريغ فيليبس الرأي، وتكشف كيف أدت كثرة النصائح التربوية دورًا سلبيًا عبر التاريخ. كتبت: "ما نعتبره تصرفًا طبيعيًا لأولادنا في بلادنا، يفاجئ الأهل في مكانٍ آخر من العالم، ويعتبرونه سخيفًا وخطرًا".

كوالدة لطفلين وكاتبة لأعمالٍ سابقةٍ عن اضطراب الوسواس القهري ووسواس الهايبوكوندريا، أرادت تريغ أن تعرف كيف تعلّم الأهل الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة في العالم المتقدم في الغرب أن يتبعوا النص الخاص بثقافةٍ معينة، وأنهت بحثها بشعورٍ بالارتياح من خلال ما عرفته: "قامت الشعوب بأمورٍ بمنتهى الجنون عبر التاريخ، ومع ذلك بقي الإنسان عبر الأجيال المتعاقبة، كما هو".

ربما بقي الإنسان كما هو، لكن بالنسبة إلى مصير كل طفل على حدة، تبيّن أنه موضوع مختلف. فالتاريخ المسرود في هذا الكتاب محمّل بالعنف والموت. كان التخلي عن الأطفال روتينًا متّبعًا في إحدى الفترات. في روما القديمة، تُرك 20 إلى 40 في المئة من الأطفال يموتون في الخارج. ولم يحل إنشاء المؤسسات التي تعمل على إيواء الأطفال الذين تخلى عنهم أهلهم هذه المشكلة، إذ بلغت نسبة الوفيات في بعض المؤسسات 90 في المئة. يعود السبب إلى انخفاض عدد الموظفين نسبةً إلى الحاجة، كذلك إلى تفشي الأمراض بين الأطفال.

مجهود إضافي
قالت الكاتبة: "ما دام الأهل قد وجدوا أن تربية الأطفال تتطلّب أعمالًا إضافية كثيرة، فهم يضطرون جراء ذلك إلى تجنيد الأقارب والخدم، كما كانوا في بعض الأحيان يضعون مهمة تربية أطفالهم في عهدة المؤسسات الدينية". تقول تريغ إن قسمًا كبيرًا من تاريخ التربية هو عبارة عن محاولة للتخلّص من التربية.

هذا كان صحيحًا، ولا سيما حين كان يتم اعتبار الأطفال الحديثي الولادة عمالًا مستقبليين، سيساهمون في مدخول العائلة بعد سنواتٍ قليلةٍ.

كان الفلاسفة، أمثال لوك وروسو، في الماضي قد نشروا مقالاتٍ عن تربية الأطفال، لكن مفاهيم التربية لم تتغير إلا ابتداءً من القرن التاسع عشر مع الاختصاصية في علم الاجتماع فيفيانا زيلايزر، التي اعتبرت أن إنجاب الأطفال وتربيتهم مكلفان على الصعيد الاقتصادي، لكنهما لا يثمّنان على الصعيد العاطفي. وابتداءً من هذه المرحلة، بدأ الأهل ينظرون إلى أنفسهم كمسؤولين بالكامل عن تنمية قدرات الطفل من الناحية الفكرية والعاطفية.

نصائح رجالية
ارتبط عدد كبير من النصائح عبر التاريخ بحاجات الأم وطفلها الجسدية. كان الكثير من الحاجات المذكورة مصيريًا يتعلق بخطر الموت جراء قلة التوعية. فعند الرضاعة، تم اعتبار اللبأ في إحدى المراحل التاريخية مادة سامةٍ للأطفال حديثي الولادة، إلى درجةٍ أنه طُلب من الأم استبداله بالعسل.

عبّرت تريغ في كتابها عن غضبها من أن النصائح المتعلقة بالنساء كانت تأتي من الرجال الذين يلقون اللوم فيها على النساء. هم الذين كانوا واثقين في البداية أن حالات الحمى التي كانت تظهر في المستشفيات بُعيد الولادة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان سببها الحليب الحامض والملابس الضيقة أو الهواء غير النقي. واستغرق معهم الأمر وقتًا طويلًا لاكتشاف نظرية انتقال الجراثيم، وعندها بدأوا يغسلون أيديهم عند الانتقال من مريضٍ إلى آخر، كما بعد تشريح الجثث.

ربما لم تنجح تريغ في كتابها في الابتعاد عن روح الدعابة، حين قالت: "أصعب ما يمكن القيام به هو عدم القيام بأي شيء".
لكنها، من خلال أقوال مماثلة، كانت تعبّر عن حاجة الأهل، تمامًا كأطفالهم، للحصول على أوقات من الراحة التي يسمحون لأنفسهم خلالها من ترك الأمور تجري على طبيعتها. كما شرحت أنها بصفتها والدة قلقة على أولادها، وينتابها شعور من الكسل أحيانًا كسواها من الآباء والامهات، أرادت أن تعرف إذا كان ما تفعله خطأ أم صواب.
&
&
&
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "نيويورك تايمز". الأصل منشور على الرابط:&
https://www.nytimes.com/column/books-of-the-times
&