الرباط: ضمت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) لعام 2019، التي أعلن عنها الثلاثاء، روائيا مغربيا، هو محمد المعزوز، بروايته "بأي ذَنب رحَلت؟"، إلى جانب الروائية اللبنانية هدى بركات عن روايتها "بريد الليل"، والروائي المصري عادل عصمت عن روايته "الوصايا"، والروائية العراقية إنعام كجه جي عن روايته "النبيذة"، والروائية السورية شهلا العجيلي عن روايتها "صيف مع العدو"، والروائية الأردنية كفى الزعبي عن روايتها "شمس بيضاء باردة".&

مقاومة القبح

تمثل رواية "بأي ذنب رحلت؟" للمعزوز "دعوة إلى العودة إلى الفلسفة والخير والجمال لمقاومة القبح وتشوه إنسانية الإنسان". وهي تتحدث عن رحيل، التي عزمت بالرغم من طلاقها من زوجها أن تعيد للأمل وهجه. ولأنها كانت تجد في سارتر ودوبوفوار ملاذها وهي تتأمل عالم الموسيقى والفلسفة والحرية والإنسان، قررت أن تخاطب العالم مرة أخرى، أن تقاوم شعب الأيام لتمارس حريتها عبر الموسيقى، كما مارستها أمها عبر الرسم والتشكيل. غير أن أمها مارست حريتها بإقدامها على الانتحار وترك ابنتها صبية، على خلاف رحيل التي اختارت أن تكون حرة بالعزف والغناء لزرع آخر حبة أمل.

رفيق الفصول

سبق للمعزوز (59 سنة)، المتخصص في الأنثربولوجيا السياسية، أن فاز بــ"جائزة المغرب للكتاب"، في 2007، عن روايته "رفيف الفصول". وهو حاصل على الدكتوراه في الأنثربولوجيا السياسية من جامعة السوربون عام 1991 والدكتوراه في الفكر العربي (فلسفة عامة) من جامعة محمد الخامس بالرباط عام 1999. وله العديد من الإصدارات في مجال الأنثروبولوجيا السياسية باللغتين العربية والفرنسية، منها "الإسلام والسياسة" (2001)، "علم الجمال في الفكر العربي القديم" (2002) و"انشغالات سياسية، توثيق للمواقف" (2016).

رأي اللجنة

نقل موقع الجائزة عن شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة التحكيم، قوله: "الروايات الست المختارة مختلفة بشكل كبير في موضوعاتها وفي أساليبها واختياراتها الجمالية، فهي تجمع ما بين الرواية العائلية، ورواية الذاكرة، وخيبة الأمل والمنفى والهجرة، كما تعكس فضاءات محلية متنوعة بالنظر إلى انتمائها لبلدان عربية شتى. إنها روايات تعكس واقعاً متبايناً ورؤى عميقة وناضجة ومؤثرة من الراهن العربي، وفي الآن ذاته تقترح صيغا سردية بديعة تستجيب لطبقات مختلفة من المتلقين". فيما نقل عن ياسر سليمان، رئيس مجلس الأمناء، قوله: "تطلُّ علينا القائمة القصيرة لهذه الدورة بأصواتٍ أدبيةٍ تبدع في تناولها لموضوعات رواياتها، والتي يعود بعضها إلى الماضي فيستحضره بلغة تأسر الواقع وتتجاوزه؛ لترسم صورة للحنين إلى ماضي لن يعود. ويستلهم بعضها الآخر ثيماته من مآسي الحاضر المتنوعة؛ مآسي تَحطُّم الأوطان وانكسار إنسانية الإنسان أمام جبروت قوى تقضم ما يقف أمامها بلا شفقة. ويميز هذه الروايات غوايتها باللغة، وآليات سردها المتداخلة، ورواتها الذين يتداولون الأدوار في النص الواحد بأصوات متوازية متنافرة تتنازع القارئ وتجذبه إليها. ولا شكّ أن صدارة الأصوات النسائية في هذه القائمة لأول مرة في تاريخ الجائزة العربية يمنحها ريادة جديرة بالحفاوة. ومما يزيد من احتفائنا في هذه القائمة هي فرصة الإعلان عنها من القدس الشرقية، بتاريخها الثقافي العميق، والذي هيّأ لها فرصة الانخراط من موقع المنتج والمتلقي في أدبها العربي على مر العصور".

حضور مغربي متزايد

أكد وصول المعزوز إلى القائمة القصيرة، فضلاً عن اختيار رواية "غرب المتوسط" لمبارك ربيع ضمن القائمة الطويلة، الحضور المتزايد للروائيين المغاربة على الصعيد العربي، الشيء الذي تؤكده القوائم الطويلة أو القصيرة لـ"بوكر"، التي عرفت مع دورة 2011 اختيار عملين مغربيين، هما "القوس والفراشة" لمحمد الأشعري و"معذبتي" لبنسالم حميش، في اللائحة الطويلة ليمُرّا معا إلى اللائحة القصيرة، قبل أن تُتوّج رواية الأشعري بجائزة "بوكر" لتلك السنة، مناصفة مع "طوق الحمام" للروائية السعودية رجاء عالم. ثم حضرت الرواية المغربية في دورة 2014 بثلاث روايات، ضمن اللائحة الطويلة: "موسم صيد الزنجور" لإسماعيل غزالي، و"طائر أزرق نادر يحلق معي" ليوسف فاضل، فضلا عن "تغريبة العبدي" لعبد الرحيم لحبيبي التي دخلت الصراع النهائي ضمن اللائحة القصيرة. بعد ذلك ستحضر روايات أخرى، سواء ضمن اللائحة الطويلة أو القصيرة لـ"بوكر"، نذكر منها "ممر الصفصاف" لأحمد المديني و"بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات" لمحمد برادة في 2015، و"نوميديا" لطارق بكاري في 2016، و"هوت ماروك" لياسين عدنان و"المغاربة" لعبد الكريم جويطي في 2017.

حصيلة مشرفة

يرى عدد من المتتبعين للشأن الروائي بالمغرب أن حصيلة المشاركة المغربية في السنوات الأخيرة في جائزة "بوكر" تبقى "مشرفة"، وأنها "اعتراف بما وصل إليه الإبداع المغربي في مجال الرواية". لذلك، تميل أغلب المتابعات إلى أن الرواية أصبحت في قلب المشهد الثقافي المغربي، في ظل وجود نوع من التراكم، ليس، فقط، على المستوى الكمي، وإنما، كذلك على مستوى جماليات الكتابة وتقنياتها ووعيها الحاد باللغة والتخييل، وكذلك وجود مواهب إبداعية متميزة في حقلها ترسّخ صورة للرواية بوصفها ذاكرة للمجتمع.

كما أن هذا التراكم لا يقتصرُ على ما يقدمه الكتاب الرّاسخون، بل يعود كذلك إلى المبدعين الجدد من الشباب الذين يستكشفون من خلال الكتابة وتقنياتها وأساليبها المختلفة، أسئلة أخرى، ومساحات للقول لا تقل جذرية وعمقا عن تلك التي شخصتها نصوص الجيل السّابق.